دَهرٌ ودقيقتان وثلاثُ قصائد
تاريخ النشر : 2023-05-22
دَهرٌ ودقيقتان وثلاثُ قصائد.

بقلم: نرجس ريشة - المغرب

على ورقةٍ بيضاء، طفِقَ يكيلُ لَها كلَّ أنواع الشتائم و السُّباب ، يصبُّ جام غضبه وحزنه وألمه واشتياقه ، وتقلباته المزاجية التي طالما كانت حائلا بينهما.

كان يصلُ إليه صوت ماجِدة وهي تردد :"كن صديقي ، ليس في الأمر انتقاص للرجولة "...

 لا مَطَرَ يمشيان تحته معًا، والحزن يسكنه وحده. تذكّر ما قالته له يوما :" لا تكلمني حين تكون ثملا". أقسم لها حينها أنه في حياته لم يذق خمرا . كيف يقنع تلك العنيدة أنها كأسه الأولى والأخيرة.

وتصدح ماجدة من جديد: "غيرَ أنّ الشرقي لا يرضى بدورٍ غير أدوار البطولة ." وفي دمه شيء من الشرق، بل كلّ الشرق.

 سأشْتُمها حتى الصباح.

أخذ هاتفه و كتب لها رسالة :  "أكرهك " ، ثم حذفها ، ثم كتب :" أنا الآن أكتب عنك ، أشْتُمُك"

 " أشتاقك"

" أكرهك مرة أخرى "

 "لماذا لا تأتين؟"

"فنجاني بدأ يبرد"

  " هناك فتاة أجمل منك تجلس على الطاولة المقابلة لطاولتي تنظر إليّ"

  " ليس هناك من هي أجمل منك " ... " بل هناك "...

ظل يكتب و يحذف ما كتب على الفور . لن تقرأ شيئًا مِما كتب، يعرف أنها تنام في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، ولن تسأله صباحا عن رسائله العشر المحذوفة، إنها لا تهتم. لا يريد أن يعترف أنها تحترم خجله ولحظات بوحه التي يكتم عنها، أنها لا تريد أن تعرف... سيفقدها لو تعرف .

وعاد إلى ورقته مسترسلا بين شتمٍ ولومٍ والْتِياع.

- هل أُغيرُ لك المشروب بآخرَ ساخن؟

-لماذا؟

-لأنه بَرُدَ.

- أقصد لماذا تقتحمين علينا خُلوتنا هكذا ،بغثةً؟!

- لا أفهم، أنت تجلس وحدك سيدي !

رمقها بشيء من الغضب الهادئ . لن تفهمه، ليست وحدها التي لا تفهمه، لم تُخلقِ النساء ليَفْهَمْنَه.

لقد صار المكان مزدحما بغبار الذكريات .توقّفت ماجِدة عن الغناء ، وصدحَ بَدَلها صوتٌ ذكوري يغني شعرا فصيحا. لن يجلس في مكان واحد مع رجل تعشق تلك الغبية صوته. الرجال لا يغنّون ، الرجال يكتبون شِعرًا ويبكون في صمت.

ترك الحسابَ على الطاولة وإكراميةً سخيّةً للنادلة عُربونَ اعتذار وأسْلَمَ ساقيه للاِسفلْتِ يأخذهما حيث يشاء. على الجسر المؤدي إلى الضفة الأخرى ،وقف قليلا. مزّق كلماته لها ونثرها في الفضاء. شاهدها تنزل متراقصة تحت نور القمر كفراشات الضوء، استقرّت على وجه الماء ثم حملها التيار بعيدا في لحظات.

خلفهُ، مرّت سيارة غير مسرعة، وكأنّ الشابة التي تقودها في حزن تستعد للتوقّف.

" يا قِصَصْ عَمْ تِكْتُبْ أسامينا ، عَ زمانِ الماضي  وْ تِمْحينا ."..

 غادر صوتُ المذياعِ السّيارةَ عبر النافذة المفتوحة واستقرّ في رأسه. لم تتوقف الشابة، وتسمّر هو في مكانه يراقب الأضواء الخلفية للمركَبة تبتعد أكثر ، والصوت يقترب أكثر فأكثر. ما كان لِشيءٍ أن يعيده إلى الجسر غيرَ إشعار وصول رسالة على هاتفه. إنها هي، كان يضع لها رنّة خاصة. ويْحَ قلبه .ما الذي يُسهِدها !

تردّد في فتح الرسالة، غاضبٌ عقلُهُ منها حدّ الكُرهِ. كانت رسالة صوتية قصيرة جدا : "ماذا بِك؟". محا صوتُها صوتَ ماجِدة والنادلة وجوليا ، محا صوتَ النهر الْيَحْمِلُ قُصاصاتِه المحمومة، صوتَ عقله وغضبه وكرهه. "ماذا بك؟" . أهكذا تسأله عمّا  كتب في الرسائل العشر التي حذف؟! أم هكذا تقول له :" أراك الآن وأسمعك وأشعر بثقل رأسك المُثخنة بين كَفّي. أخبَرَني حدسي أنك تريد أن تكتب ، أما زلت ترى فيّ المداد الذي يملأ مِحبَرَتك!"

لم تبعث برسالة أخرى ، وما كانت لِتَفعل قبل أن تتلقى ردّا حتى و إنِ انتظر دَهرا.

سمع الرسالة من جديد :"ماذا بِكَ؟" ، ماذا عساه يخبرها وهو الذي طَفِحت مزاريبُ روحه ألما وكبرياء. هو نفسه لا يعرف ما به .أيُّ لعنة هذه التي جعلته يعبر الجسر إلى الضفة الأخرى دون أن يشعر ، إنه يسير في الاتّجاه الخطإ مع سبقِ إصرارٍ منه، أيهربُ منها أو إليها . تبّا ، كلما اقترب منها تبيّنَ فيها ملامِحَهُ أكثر فأكثر، إنّها هو .

توقّف عند مفترق الطُّرق وبعث لها رسالة :

- أكرهكِ.

-  أعرف، ولكن ليس بقدْرِ كُرهي لكَ.

ثم اختفت.

تبسّم وعاد أدراجه. عبَرَ الجسر  من جديد على وقْعِ أُولى نسائم الفجر .

سأكلّمها صباحا ... ردّد و هو يحث الخطى.

 يفصلني عنها دَهرٌ ودقيقتان وثلاثُ قصائد أكتبها في عينيها المُعلّقتين بسقف غرفتي

.

.

.

.

على ورقةٍ بيضاء ، طفِقَ يكيلُ لَها كلَّ أنواع الشتائم و السُّباب ، يصبُّ جام غضبه وحزنه وألمه واشتياقه ، وتقلباته المزاجية التي طالما كانت حائلا بينهما.
كان يصلُ إليه صوت ماجِدة وهي تردد :"كن صديقي ، ليس في الأمر انتقاص للرجولة "...
لا مَطَرَ يمشيان تحته معًا، والحزن يسكنه وحده. تذكّر ما قالته له يوما :" لا تكلمني حين تكون ثملا". أقسم لها حينها أنه في حياته لم يذق خمرا . كيف يقنع تلك العنيدة أنها كأسه الأولى والأخيرة.
وتصدح ماجدة من جديد: "غيرَ أنّ الشرقي لا يرضى بدورٍ غير أدوار البطولة ." وفي دمه شيء من الشرق، بل كلّ الشرق.
سأشْتُمها حتى الصباح.
أخذ هاتفه و كتب لها رسالة : "أكرهك " ، ثم حذفها ، ثم كتب :" أنا الآن أكتب عنك ، أشْتُمُك"
" أشتاقك"
" أكرهك مرة أخرى "
"لماذا لا تأتين؟"
"فنجاني بدأ يبرد"
" هناك فتاة أجمل منك تجلس على الطاولة المقابلة لطاولتي تنظر إليّ"
" ليس هناك من هي أجمل منك " ... " بل هناك "...
ظل يكتب و يحذف ما كتب على الفور . لن تقرأ شيئًا مِما كتب، يعرف أنها تنام في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، ولن تسأله صباحا عن رسائله العشر المحذوفة، إنها لا تهتم. لا يريد أن يعترف أنها تحترم خجله ولحظات بوحه التي يكتم عنها، أنها لا تريد أن تعرف... سيفقدها لو تعرف .
وعاد إلى ورقته مسترسلا بين شتمٍ ولومٍ والْتِياع.
- هل أُغيرُ لك المشروب بآخرَ ساخن؟
-لماذا؟
-لأنه بَرُدَ.
- أقصد لماذا تقتحمين علينا خُلوتنا هكذا ،بغثةً؟!
- لا أفهم، أنت تجلس وحدك سيدي !
رمقها بشيء من الغضب الهادئ . لن تفهمه، ليست وحدها التي لا تفهمه، لم تُخلقِ النساء ليَفْهَمْنَه.
لقد صار المكان مزدحما بغبار الذكريات .توقّفت ماجِدة عن الغناء ، وصدحَ بَدَلها صوتٌ ذكوري يغني شعرا فصيحا. لن يجلس في مكان واحد مع رجل تعشق تلك الغبية صوته. الرجال لا يغنّون ، الرجال يكتبون شِعرًا ويبكون في صمت.
ترك الحسابَ على الطاولة وإكراميةً سخيّةً للنادلة عُربونَ اعتذار وأسْلَمَ ساقيه للاِسفلْتِ يأخذهما حيث يشاء. على الجسر المؤدي إلى الضفة الأخرى ،وقف قليلا. مزّق كلماته لها ونثرها في الفضاء. شاهدها تنزل متراقصة تحت نور القمر كفراشات الضوء، استقرّت على وجه الماء ثم حملها التيار بعيدا في لحظات.
خلفهُ، مرّت سيارة غير مسرعة، وكأنّ الشابة التي تقودها في حزن تستعد للتوقّف.
" يا قِصَصْ عَمْ تِكْتُبْ أسامينا ، عَ زمانِ الماضي وْ تِمْحينا ."..
غادر صوتُ المذياعِ السّيارةَ عبر النافذة المفتوحة واستقرّ في رأسه. لم تتوقف الشابة، وتسمّر هو في مكانه يراقب الأضواء الخلفية للمركَبة تبتعد أكثر ، والصوت يقترب أكثر فأكثر. ما كان لِشيءٍ أن يعيده إلى الجسر غيرَ إشعار وصول رسالة على هاتفه. إنها هي، كان يضع لها رنّة خاصة. ويْحَ قلبه .ما الذي يُسهِدها !
تردّد في فتح الرسالة، غاضبٌ عقلُهُ منها حدّ الكُرهِ. كانت رسالة صوتية قصيرة جدا : "ماذا بِك؟". محا صوتُها صوتَ ماجِدة والنادلة وجوليا ، محا صوتَ النهر الْيَحْمِلُ قُصاصاتِه المحمومة، صوتَ عقله وغضبه وكرهه. "ماذا بك؟" . أهكذا تسأله عمّا كتب في الرسائل العشر التي حذف؟! أم هكذا تقول له :" أراك الآن وأسمعك وأشعر بثقل رأسك المُثخنة بين كَفّي. أخبَرَني حدسي أنك تريد أن تكتب ، أما زلت ترى فيّ المداد الذي يملأ مِحبَرَتك!"
لم تبعث برسالة أخرى ، وما كانت لِتَفعل قبل أن تتلقى ردّا حتى و إنِ انتظر دَهرا.
سمع الرسالة من جديد :"ماذا بِكَ؟" ، ماذا عساه يخبرها وهو الذي طَفِحت مزاريبُ روحه ألما وكبرياء. هو نفسه لا يعرف ما به .أيُّ لعنة هذه التي جعلته يعبر الجسر إلى الضفة الأخرى دون أن يشعر ، إنه يسير في الاتّجاه الخطإ مع سبقِ إصرارٍ منه، أيهربُ منها أو إليها . تبّا ، كلما اقترب منها تبيّنَ فيها ملامِحَهُ أكثر فأكثر، إنّها هو .
توقّف عند مفترق الطُّرق وبعث لها رسالة :
- أكرهكِ.
- أعرف، ولكن ليس بقدْرِ كُرهي لكَ.
ثم اختفت.
تبسّم وعاد أدراجه. عبَرَ الجسر من جديد على وقْعِ أُولى نسائم الفجر .
سأكلّمها صباحا ... ردّد و هو يحث الخطى.
يفصلني عنها دَهرٌ ودقيقتان وثلاثُ قصائد أكتبها في عينيها المُعلّقتين بسقف غرفتي
.
.
.