قناة الجزيرة وحرب أوكرانيا: إعلام أم سياسة؟
تاريخ النشر : 2023-03-18
قناة الجزيرة وحرب أوكرانيا: إعلام أم سياسة؟
فاضل المناصفة


قناة الجزيرة وحرب أوكرانيا: إعلام أم سياسة؟

بقلم: فاضل المناصفة

في السابع عشر من أكتوبر من سنة 2003 نزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفا على برنامج " لقاء خاص " عبر قناة الجزيرة، على هامش مشاركته في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد بماليزيا، وتطرقت أسئلة مقدم الحلقة الى عدة نقاط أبرزها علاقة روسيا بالعرب وموقفها مما يجري في العراق بعد سقوط صدام حسين، وعن أسباب التلويح بالقوة النووية الروسية ومعاداة الغرب لروسيا بسبب محاولاتها كسر عصا الطاعة والخروج عن سياسة القطب الواحد...لقد كانت أسئلة المقدم تذهب في الاتجاه الذي يسوق لبوتين كشريك جديد للعرب والأمة الإسلامية وتعطيه حيزا كافيا للدفاع عن مصالح روسيا مع حلفاءها العرب ولمعارضة ما يجري في العراق.

كانت الجزيرة آنذاك تصطف مع الموقف الروسي حيال ما يجري في العراق كما عززت موقفها الداعم بنشر العشرات من المقالات والدراسات التحليلية التي تؤكد صحة التقدير الروسي لما سمي ب " المستنقع الأمريكي في العراق "، وفي انتخابات الرئاسة الروسية من عام 2007 سوقت الجزيرة لبوتين من منطلق أنه أخرج روسيا من عنق الزجاجة وحسن وضعها داخليا وخارجيا كما سلطت الضوء على إنجازات بوتين على الصعيدين الداخلي والخارجي وجاء هذا في مقال تحت " عنوان بوتين أمنقذ لروسيا أم قيصر جديد؟ " أرادت من خلاله الجزيرة أن تدحض الدعايات المغرضة ضده بوصفه ستالين الجديد، وركزت على نجاحاته الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتي أسهمت بشكل كبير في تعافي روسيا من تبعات انهيار الاتحاد السوفياتي.

كانت علاقة الآلة الإعلامية القطرية ببوتين " زي السمنة على العسل " الى غاية أن جاء الربيع العربي ودخلت سوريا أعنف حلقاته وتدخلت روسيا لإنقاذ رأس النظام السوري بشار الأسد بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، هنا كانت قطر تعمل باجتهاد على أن يكون للإخوان موطأ قدم كبير في المشهد السوري القادم، وهو ما يعني أن موسكو أفسدت الطبخة التي كانت على وشك أن تنضج وأعادت الحسابات في سوريا الى المربع الأول بعد أن انفقت قطر الملايين من الدولارات واحتضنت رعاة المرحلة القادمة في سوريا، وتحول التآلف القطري الروسي الى تنافر، تتسم فيه المواقف السياسية بالضبابية ولكن معالمه تبدوا أكثر وضوحا من خلال ردة الفعل الإعلامية التي تصدر من تقارير الجزيرة، ولعل أكبر هجوم نفذته الجزيرة ضد بوتين هو تقريرها المصور بعنوان " البحث عن ثروة بوتين في عام 2015 والذي تحدثت فيه عن ثروة طائلة لرجل الكي جي بي السابق والتي تجاوزت فيه سبعين مليار دولار...كان ذلك الهجوم الكبير يعكس حجم المتغيرات التي أحدثتها روسيا في ساحة الحرب السورية والتي مالت الى كفة الأسد.

صدرت العديد من الدراسات التي تتناول دور الجزيرة في إحداث تغييرات في المشهد السياسي العربي أيام ثورة الربيع العربي ولكن أبرزها كان كتاب " الجزيرة، قناة أم حزب أم دولة ؟ " للباحث السعودي شمري، طارق آل شيخان بعدد 244، صفحة والذي أرد من خلاله أن يسلط الضوء على أهداف قناة الجزيرة وتأثيرها على الأنظمة والحكومات العربية وعن مدى تأثير الموقف الرسمي القطري في خطها التحريرية، ومع ان الكتاب قد صدر قبل بداية الربيع العربي وسقوط بعض الأنظمة الكلاسيكية الا ان لمسة الجزيرة كانت واضحة بنسبة معينة فيما حدث خلال أحداث ليبيا ومصر واليمن، ولكنها ساهمت بشكل كبير في تراجع شعبية القناة على المستوى العربي بعد أن القيت عليها سهام الانتقادات من الاعلام المصري والاماراتي حول دورها الذي ساعد في نشر الفوضى الخلاقة في البلدان التي عرفت الربيع العربي.

اليوم ونحن نشاهد ما يجري في أوكرانيا لا شك في أن الجزيرة قد وضعت نصب أعينها الوصول إلى نسبة كبيرة من المشاهدة في المنطقة العربية خاصة وأنها وظفت كل الوسائل المادية والبشرية لتغطية الأحداث، ولكن هذا التوجه الإعلامي سيصطدم بمشكلة كبيرة إذ أن هذا المشاهد العربي الذي يميل الى تبني الموقف الروسي ضد الامبريالية الغربية قد يدفع بها الى خسارة المزيد نفوذها الإعلامي في المنطقة العربية في ظل منافسة شرسة من القنوات الإخبارية العربية التي تبنت موقف مغايرا مما يجري في أوكرانيا نجح في جذب الجمهور العربي المتعاطف مع بوتين والمعادي للولايات المتحدة الأمريكية، ربما تعي الجزيرة ذلك ولكنها مجبرة على الذهاب في الاتجاه الذي ترسمه المصالح العليا للدولة القطرية وتحالفاتها الخارجية، ويبقى المشهد الفلسطيني هو الزاوية الوحيدة التي يمكن للجزيرة أن نؤثر فيه في المشهد الإعلامي العربي بنقلها صورة الوقائع والانتهاكات الإسرائيلية، إلا أن هذا المشهد لا يخلو أيضا من بعض السياسة.