إسرائيل تحول الضفة الغربية إلى مكب للسيارات المشطوبة.. آثار بيئية واقتصادية واجتماعية
تاريخ النشر : 2023-03-18
إسرائيل تحول الضفة الغربية إلى مكب للسيارات المشطوبة.. آثار بيئية واقتصادية واجتماعية

بقلم: فراس الطويل

تشهد الشوارع الفلسطينية في السنوات الأخيرة زيادة مطّردة في أعداد السيارات سواء القانونية أم غير القانونية، فيما لم تشهد تلك الشوارع أعمال توسعة لمجاراة الزيادة في أعداد المركبات.

حتى هذا البعد لم يُؤخذ في حسبان الجهات المسؤولة، إلا أنه يطرح مرارًا وتكرارًا مشاهد الأزمات المرورية، فيما يغيب بعد آخر تمامًا عن الأجندة، يتمثل في الأضرار البيئية الناتجة عن المركبات عمومًا، والمشطوبة منها على وجه الخصوص.

المتجول في القرى والبلدات الفلسطينية من أقصى شمال الضفة إلى جنوبها، يلاحظ بلا عناء، أعداد السيارات المشطوبة التي تسير على الطرقات. إلى جانب ذلك تنتشر عشرات "المشاطب" التي تتكدس فيها مئات المركبات عشوائيًا، ويُنظر إليها على أنها بؤر تلويث بيئي وبصري.

حملات موسمية تنظمها الشرطة الفلسطينية لضبط تلك المركبات، لكنها لم تخرج حتى اللحظة عن إطار الحملات التي تُضبط فيها آلاف المركبات سنويًا، في مشهد يبدو أنه خارج عن السيطرة.

إسرائيل تغرق الضفة بالسيارات المشطوبة

تفيد تقديرات الشرطة الفلسطينية أن عدد السيارات غير القانونية في الضفة قرابة 150 ألف مركبة، وفق العقيد لؤي ارزيقات متحدثًا لمراسل "آفاق البيئة والتنمية". وبطبيعة الحال، فإن هذه السيارات تشمل المركبات "المشطوبة" من وزارة النقل الإسرائيلية وتهرّب إلى الضفة وتكون غير صالحة للسير على الطرق. والنوع الثاني المركبات المسروقة من إسرائيل، وتعمل في هذا المجال مجموعات لتهريبها لأسواق الضفة، والثالث المركبات المحجوزة في إسرائيل بقرار من المحاكم، وتهرب إلى الضفة وتباع خوفًا من مصادرتها عند تجديد رخصتها في إسرائيل، وأخيرًا المركبات الفلسطينية، التي كانت مرخصة ولم يُجدّد ترخيصها حسب الأصول.

تفيد آخر معطيات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية أن عدد المركبات المسجلة لديها في نهاية 2021، بلغ نحو 480 ألف مركبة، منها 300 ألف مركبة مرخصة. بمعنى أن هناك 180 ألف مركبة لم يُجدد ترخيص بعضها، وبعضٌ آخر ملغى قانونا، أي تعرض للشطب من قبل الوزارة.

وإذا ما أضفنا الرقم الإجمالي للمركبات المسجلة إلى الرقم المقدر للسيارات غير القانونية، نجد أن العدد الكلي للمركبات في شوارع الضفة الغربية يصل إلى 630 ألف مركبة.

بدوره، يوضح الباحث في مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) مسيف جميل، أن هذه المركبات تدخل إلى السوق الفلسطيني بطريقتين؛ الأولى بالتهريب سواء كانت مشطوبة أم مسروقة، والثانية بشرائها من إسرائيل على أنها قطع غيار بموجب فاتورة مقاصة، ومن ثم بيعها لاستخدامها وحدة كاملة بشكل غير قانوني.

وفي ورشة عمل لمناقشة ورقة بحثية صادرة عن المعهد في نهاية العام الماضي، حول موضوع السيارات غير القانونية بما فيها المشطوبة وآثارها المالية والاقتصادية، أوضح الباحث مسيف أن أهم الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة هي عدم الرقابة على المناطق "ج" التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي والذي لا يسمح للسلطة التنفيذية الفلسطينية ممارسة عملها الرسمي إلا بوجود تنسيق أمني، إضافة إلى عدم قدرة السلطات الفلسطينية على إتلاف هذه السيارات إلا بتنظيم حملات، والتي عادة ما تكون غير ناجحة أو غير كافية لمصادرة الكم المطلوب من السيارات.

أضرار بيئية

من الناحية البيئية، فإن السيارات المشطوبة قديمة وملوثة بيئياً أكثر من غيرها، باعتبار أن العوادم لا تعمل بفعالية، ومع الوقت تصبح الأنظمة غير فعالة وتصدر انبعاثات أكثر من غيرها، وفق الخبير البيئي د. خالد صويلح، المحاضر في جامعة بيرزيت.

وبنظر صويلح، فإن المشاطب (أماكن تجميع السيارات المشطوبة)، عبارة عن أماكن تلويث بيئي وبصري، إذ تتكدس مئات المركبات في أماكن معينة في الضفة الغربية.

وعند تركها تصبح عرضة للتآكل، ويمكن تسرب مواد خطرة إلى التربة والمياه الجوفية سواء الزيوت أو الوقود أو مكونات البطاريات والأجهزة الأخرى في المركبات والتي تحتوي على مواد ثقيلة مثل الرصاص والزنك. كذلك إطارات هذه المركبات مرهقة للبيئة وغالبا ما يُتخلص منها بالحرق، وفق صويلح.

ويؤكد الخبير البيئي أن هذه السيارات انتهت صلاحيتها داخل "إسرائيل"، وبدلًا من تحمل الأخيرة عبء التخلص منها، ترسلها إلى الضفة الغربية، وبهذا تتخلص من مشكلة لديها بإلقائها عند الفلسطينيين.

علاوة على ذلك، تترك المركبات على الأرصفة وقرب التجمعات السكنية، وقرب مراكز الشرطة القريبة من التجمعات السكنية، وهي تشكل خطرا على السلامة العامة إلى جانب الانعكاسات البيئية، ختم صويلح حديثه مع مراسل "آفاق البيئة والتنمية".

أثر اقتصادي واجتماعي

ويقول مسيف إن تدني مستويات الدخل في القرى الفلسطينية، وبالمقابل ارتفاع أسعار السيارات الرسمية، شجع على استخدام البدائل غير القانونية بشراء السيارات المشطوبة التي تباع بأسعار زهيدة جدا بمعدل 2000 شيكل للسيارة، كما أنه لا يوجد أي نوع من التعقيدات الورقية أو البيروقراطية أو عقود شراء لامتلاكها.

وتُظهر الورقة أن هناك حوالي 105 تجار للسيارات غير القانونية بحسب بيانات الضابطة الجمركية (وهذا لا يعني ان هذا العدد دقيق ولكنه بالحد الأدنى)، وبلغ عدد المزادات العلنية لبيع السيارات المشطوبة التي صادرتها الشرطة الفلسطينية 4 مزادات، بيع فيها 7379 سيارة بلغ ثمنها ما يقارب المليون شيكل عام 2020.

ووفق مدير التنظيم والإدارة في إدارة المرور الشرطة الفلسطينية رجا القدومي، فإن الشرطة أتلفت 72 ألف مركبة خلال السنوات الماضية بما معدله حوالي 10 الاف مركبة سنويا، قائلا إن الشرطة تواجه صعوبة عمل حملات أمنية في المناطق التي تقع خارج سيطرة السلطة الفلسطينية، بالإضافة الى التكلفة المترتبة على عملية اتلاف هذه المركبات، لذلك طالب بتغليظ العقوبات ضد أصحاب السيارات غير القانونية والمتاجرين بها، كما طالب أطراف المجتمع المدني كافة برفع الوعي الجماهيري والشعبي بخطورة هذه المركبات.

كما أن الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق تكبد خسائر كبيرة بلغت قيمتها أكثر من 13 مليون شيكل للفترة 2017-2021، وأن الشرطة قامت بإتلاف ما يقارب 72 ألف سيارة غير قانونية خلال 10 سنوات الماضية، اما خسائر الخزينة الفلسطينية فقدرت بحوالي 15 مليون دولار سنويا، وفق الورقة البحثية.

ونظرا لأنها سيارات غير مسجلة وغير مدرجة تحت اسماء مُلاكها، فأصحبت بالتالي أداة بيد شريحة معينة من افراد المجتمع لارتكاب الجرائم مثل تجارة المخدرات والسرقات والتزوير، كما أنها سبب رئيس لوقوع حوادث السير القاتلة من قبل سائقين قاصرين لا يملكون رخص قيادة، فضلاً عن التكلفة العالية والمضاعفة نتيجة للتضامن الاجتماعي لحماية أصحاب السيارات المشطوبة، والأضرار المالية لكل من الصندوق والخزينة العامة وشركات التأمين، وفق الورقة.

وطالبت الورقة الصادرة عن معهد "ماس" بضرورة إيعاز مجلس الوزراء للجهات القانونية بإعادة دراسة الجوانب القانونية لانعكاسات هذه الظاهرة على قطاع التأمين برمته، وعلى الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق أيضا، كما يتوجب على الحكومة رفع وتيرة الجهود المبذولة لمحاربة هذه الظاهرة بواسطة أجهزة الشرطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الأخرى، لإتلاف السيارات المشطوبة وضبط السوق الفلسطيني.

كما أوصت بضرورة اصدار أنظمة وتعليمات مشددة من قبل السلطة القضائية تخص المركبات غير القانونية بكافة انواعها تكون موجهة للشرطة والنيابة كأساس قانوني يمكن البناء عليه وتفعيله حاليا ومستقبلا، واتباع اسلوب الضبط القضائي والضبط العدلي، على ان يتم ذلك من خلال دوريات السلامة العامة، وتحويل كل ضبطية لجهات الاختصاص (الضبط القضائي والنيابة العامة، والشرطة)، وتغليظ العقوبات وعدم التهاون في انفاذ القانون من خلال عقوبات مشددة وغرامات مالية مرتفعة على مستخدمي هذه السيارات، وتطبيق العقوبات القانونية بالحد الأقصى لمرتكبي مخالفات السيارات غير القانونية، إضافة إلى تفعيل وتسريع الأحكام القضائية وإنفاذها وعدم إطالة قضايا حوادث التعويض.

أما فيما يخص وزارة المالية والجهات الأخرى، دعت الورقة إلى ضرورة البحث عن سبل توفير سيارات بأسعار عادلة لذوي الدخل المحدود، وتخفيض تكاليف التامين والجمارك لنوع محدد من السيارات حتى يتمكن أصحاب الدخل المحدود من اقتنائها لتشجيعهم على استبدال السيارات المشطوبة، ووضع تعرفة تأمينية خاصة ومدعومة للآلات الزراعية.

أيضًا، وضع كافة التجار الرسميين وغير الرسميين ضمن الرقابة والمتابعة، والتدقيق اللاحق، واتباع إجراءات إدارة المخاطر، وبناء ملفات قانونية بمعلومات دقيقة ومحاسبة كل من يخالف وفقا للقانون. وأن تشدّد وزارة المواصلات والجمارك الرقابة على المشاطب، وفرض أنظمة رقابية جديدة وصارمة عليهم. وتعزيز قدرات وإمكانيات وأدوات الضابطة الجمركية في محاربة التهريب، الأمر الذي يحل جزءً كبيراً من هذه المشكلة.

في المحصلة، لا يبدو في المستقبل القريب أن ظاهرة السيارات غير القانونية، ستجد طريقها نحو الحل طالما بقيت السياسات القائمة على حالها مقتصرة على الحملات الموسمية. إلى جانب ذلك، من الضرورة بمكان أن يحظى البعد البيئي لهذه الظاهرة بجزء من اهتمام الجهات ذات الاختصاص. صحيح أن الأثر الاقتصادي والاجتماعي مهم ويجب التركيز عليه، لكن يجب عدم إغفال الزاوية البيئية في منطقة أصبحت مكبا لمختلف أنواع النفايات الإسرائيلية، ومنها المركبات التي انتهى عمرها.