جيوستراتيجية المقاومة في مواجهة الصراع واتخاذ القرار
تاريخ النشر : 2023-03-18
جيوستراتيجية المقاومة في مواجهة الصراع واتخاذ القرار
أ. هلال نصّار


جيوستراتيجية المقاومة في مواجهة الصراع واتخاذ القرار

بقلم: أ. هلال نصّار

العمليات البطولية الأخيرة أفشلت قمة العقبة الأمنية الثانية وخلعت نعش خطة فنزل الامريكية، فالأسرى يشكلون الصفيح الساخن المرعب خلال رمضان المقبل فالأحداث تلاحق المنظومة الأمنية والعسكرية في ظل تهديدات سياسية متطرفة وحكومية فاشية من تنفيذ قانون الإعدام ومخاوف رسائل النار بغزة، فيما ما زالت تخشى من الخاصرة الأضعف وهم سكان الداخل المحتل وفلسطيني48، فالأسرى والأقصى يُعدان محرك الأحداث الفلسطينية، والأحداث الجارية هي التي ستحدد مصير الوضع المقبل من حيث توسع العمليات أو حصرها في شهر رمضان، حيث لا يمكننا التوقع بظروف حالة الصراع القائمة بالنظر إلى طبيعة العمليات الفردية التي تستهدف الجنود والمستوطنين في القدس والضفة، والحكومة الفاشية تدرك أن المسجد الأقصى هو الصاعق الذي سيفجر المنطقة إذا تم اقتحامه أو اغلاقه، شرطة الاحتلال تستعمل المتطرف بن غفير لمعرفة رد فعل الشارع المقدسي، إذا تمادى الاحتلال في استفزازه للمقدسيين فإن المقدسيين لن يصمتوا عن هذه الاستفزازات، ولن تصمت أو تتخلى المقاومة عن المساس بالأسرى والأقصى، والاحتلال واهم بقدراته الهشة، في ظل التفكك الداخلي والانقسام العنصري وهناك رسائل نارية أطلقت مؤخراً من رأس الهرم لقيادة المقاومة حذرت العدو وأكدت بانتهاء مرحلة سياسية والأيام المقبلة حبلى بالأحداث الميدانية التي قد تحول لزلزال في المنطقة وأوصت قادرون على التدخل المباشر في حال سنحت الفرصة واستوجب الأمر لأنهما ساحات الفعل المؤثر والتأثير الاستراتيجي في المرحلة الحالية التي سخرت المقاومة كل الجهود والإمكانات لبنائها وتشغيلها وتثبيت قواعدها ودعمها وصولاً للدفاع عن شعبنا ومقدساتنا وثوابتنا وتحرير بلادنا وأراضينا المحتلة، يريد العدو الصهيوني أن يكسر أهلنا في أحياء القدس ويرهب أبطال الضفة الغربية وثوار الداخل واراضي 48 بإرهابه الغاشم والتنسيق المدنس مع السلطة، ولن ينجحوا في تهديد كسر شوكة شعبنا، فنحن أبناء وطن وشعب واحد وقضية واحدة ومستقبل واحد، القدس تواجه معركة عاتية في ظل التشديد والتقييد على أهلها ، وغزة تواجه مرحلة قاسية وصعبة باستمرار الحصار الوحشي عليها، أما في ظل الأحداث الميدانية المرتقبة والتوترات في الساحة الفلسطينية يبقى سلوك العدو هو نتيجة اتخاذ قرار المقاومة وطبيعة الرد عليه، وهناك جملة من السيناريوهات المتوقعة للأحداث التي ستصيب المنطقة منها: اغلاق الأقصى ومنع المصلين من الاعتكاف والرباط يؤجج المشهد، أو دخول الاسرى في اضراب مفتوح وخوض معركة مع السجان الصهيوني، أو ذبح القرابين في باحات الأقصى وحائط البراق بعيد الفصح اليهودي، أو تنفيذ عمليات اقتحام جديدة وارتقاء شهداء في مخيمات الضفة، أو مفاجئة المحتل والإعلان عن عملية استراتيجية خلف خطوط العدو وتحقيق ضربة مقتل ويتخللها مفاوضات عسكرية في ساحة القتال.

قد نجح انتقال الاعلام في الحروب من التوثيق الى التوجيه ومن المسار الى التأثير ومن الاقناع الى المبادرة، لذلك وجدنا همة عالية وقوة إصرار كبيرة لدى الجيل الجديد في مواصلة العمل المقاوم واستطاعت المقاومة ايصال رسائلها للمجتمعات بطرق واضحة، حيث رسخ الاعلام استراتيجية فعل مؤثرة وبناء قوة واسناد دائم لمعركة استباقية ومتوازية حتى بات الاعلام يستخدم أساليب قناعة بالمشاركة والخوض في المعركة ضد الاحتلال وأساليب مرادفة بالرعب والخوف، فيُسأل من العدو ؟؟! وليس أين العدو ؟؟! ويمكن القول؛ بأن الفلسطيني بات مرتبط روحياً بحقه وأرضه وجذوره ومهما نفذ الجيش عمليات عسكرية لتدمير بنية المقاومة تزداد ردة فعل الفلسطينيين وتتعمق الكراهية بشكل غير مسبوق وبالتالي تتكون عقيدة الايمان بطريق الجهاد عند الفلسطينيين وفق ما أوردته صحيفة هآرتس، وهناك تصريحات سابقة هامة لدى أصحاب القرار الإسرائيلي منهم أرئيل شارون - رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق عقب حرب 1967: (انتصارنا على العرب كان ثمرة مفهوم القتال وليس توازي القوى)، وقال بيني غانتس - وزير جيش الاحتلال الصهيوني السابق، قائلاً: (لا يمكننا منع العمليات التي ينفذها الفلسطينيون في الضفة الغربية والداخل المحتل)، وقال يعازر تواليدانو - قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الصهيوني: (كلما سيطرنا على خوفنا انتصرنا على عدونا)، فنَحْن كشعْب فِلسْطينيٍّ خُضنا جَولاتٍ من المَعَارك فِي طريق الجهَاد والْحرِّيَّة وَآخرِها كَانَت مَعْرَكة سَيْف اَلقُدس اَلتِي توحُّدنَا فِيهَا جميعًا فِي غَزَّة والضَّفَّة والْقدْس والدَّاخل48.

عملت المقاومة بمسارات متعددة خلال حقائب زمنية مختلفة لتحافظ على الخطوط العامة لاستراتيجيتها في مركز القوة المتمثلة بـ(القدرة العسكرية) ومرتكز القوة المتمثلة بـ(الحاضنة الشعبية)، مسار المقاومة هو تراكم القوة من خلال البناء والتشغيل بهدف مواجهة الصراع واتخاذ القرار الجيد للوصول للتموضع المستقبلي والرؤية المحققة بتوحيد الساحات وتعدد الجبهات وتباين استخدام قدراتها وفعاليتها في الزمان والمكان المناسبين، والمحافظة على الكفاءة القتالية والروح التعرضية لعناصرها وتأمين قدراتهم البشرية والمادية والمعنوية سِلماً وحرباً، ففي الثمانينات وتحديداً من حرب لبنان الأولى عام 1982 حتى الانتفاضة الثانية عام 2000 سارت المقاومة في تكوين حاضنة شعبية قوية كمرتكز تدعمها وتؤثر إيجابا بالمجتمع الفلسطيني، فيما بادرت بإبراز مركزها ونهضة قوتها عقب معاركٍ ضروس خاضتها في قطاع غزة، في المقابل كان العدو يحاول عزل الساحات والعمل بخطة الاستفراد بالخصم ومنع الاسناد المتبادل له بقصد منع تحقيق أهدافه، من خلال عمليات السور الواقي والتي تعني الفصل والانفصال، بالخيارات العسكرية الصعبة التي اتخذتها آنذاك، بهدف ترسيخ اعتقاد العالم بأن القضية الفلسطينية شأن داخلي إسرائيلي، واكتمال مشروع بناء جدار الفصل العنصري بالضفة وعزل غزة واستباحة الضفة بالاجتياحات، واغتيال كوادر المقاومة وتصفية الخلايا الصغيرة بالمخيمات الفلسطينية وتخفيض نسبة العمليات الفدائية والقومية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية سياسيا وأمنيا في ظل تحقيق معادلة الملاذ الآمن والتي تمثلت في بناء وتشغيل القوة للعمل المقاوم والتساهل النسبي في القيود الأمنية وإلغاء كل الاتفاقات السابقة وخلق أرضية جديدة للمفاوضات، وكذلك تنفيذ عملية الدرع الواقي عام 2002، بهدف القضاء على الانتفاضة، عقب قيام الاستشهادي عبدالباسط عودة بالعملية الفدائية بفندق بارك في نتانيا والتي كانت الأضخم تفجيريا والأكثر دمويا وأدت بمقتل 30 صهيوني واصابة 146اخرين تزامناً مع عيد الفصح اليهودي، والتي ترتكز على مبدأ أساسي وهو "تكثيف قدرة الوحدات والتشكيلات العسكرية والعناصر المختلفة على الفتك، من حيث النطاق والدقة"، لذلك وقع في فخ توقعاته الفاشلة لاعتماده على خطتي رؤساء أركان جيشه المهزوم خطة جدعون وخطة تنوفا نتيجة استقراء خاطئ مما أعدته المقاومة له في سيف القدس عام 2021 فكانت توقعاته خارج حساباته وضربت القدس وتل الربيع.

دائما ما يقوم رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي كجزء من مهامه وعمل طاقمه المستمر بإعداد خطط عمل متعددة السنوات تهدف إلى تكييف الأهداف مع الوسائل والإمكانيات التي تخصصها له الحكومة، ورغم ان الكثيرين يعدون هذا الامر، دليل تقدم لجيش الاحتلال ومصدر قوته، الا أن المضحك في الأمر أنه على مدى السنوات العشرين الماضية، تم تنفيذ خطتين فقط لمدة أربعة سنوات من أصل السنوات الخمس التي تغطيها الخطة عادة: وهي خطة تنوفا (2008-2012) وخطة جدعون (2016-2020)، لذلك عندما تولى رئيس الأركان السابق "افيف كوخافي" منصبه، قاد الجهود من أجل صياغة خطة سميت "تنوفا - الزخم"، بهدف أن تتبع خطة سلفه "غادي ايزنكوت" المسماة "جدعون"، لأن الأخيرة كانت معدة للفترة التي كان فيها محور المقاومة (إيران وسوريا وحزب الله) أكثر انشغالا بالدفاع عن سوريا، وما رافق تلك الفترة من اتفاق نووي لذلك لحظت "تنوفا" ضرورة تحسين قدرات جيش الاحتلال، لتلائم بشكل أكثر مع التغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة لصالح المحور، فإن هذه الخطة وان استمرت، أو أدخل عليها تعديلات (على ضوء نتائج معركة سيف القدس)، ستبقى عاجزة عن تحقيق أي "نصر"، لأن جوهرها هو سلب الروح القتالية لدى الجنود، أمام محور مقاومة يقاتل جنوده بأرواحهم قبل أي شيء آخر.