هاؤم اقرءوا كتابيه
تاريخ النشر : 2023-03-16
هاؤم اقرءوا كتابيه

بقلم: غالية - الجزائر

وأنت تحملُ بين يديك كتابا ما وتهُم بقراءته لمعرفة ما يحتويه من أحداث وتفاصيل وما يرويه من قصص وروايات وما يُخبر عنهُ من أخبار؟ وأنت تمد الخطى بين سطوره نحو أعماقه، تتخطى صفحاته وتطويها الواحدة تلو الأُخرى قد يتراءى أمام عينيك عُمرك الذي يُطوى تماما كما تُطوى صفحاتُ هذا الكتاب الذي بين يديك وقد تسترجع في هذه اللحظات شريط حياتك بكل تفاصيلها الحسنة والقبيحة، فيسيطر عليك فجأة شيء من الخوف وتتسارعُ على إثره نبضاتُ قلبك حتى تكاد تقفز به من صدرك؟ حينها فقط تتساءل ماذا لو وقعت هذه الصفحات التي تخُصك بين يدي شخصٍ ما كما وقع هذا الكتاب بين يديك أنت الآن؟
 
وكأن حياة الإنسان مهما طالت أو قصرت مُجرد صفحاتٍ من كتاب، قد يكون مُجلدا بكمٍ هائلٍ من الصفحات أو كتيبا لا يحوي سوى صفحاتٍ محدودة أو رُبما بضع أوراقٍ معدودات لا غير! وتلك الصفحات قد تكون مكتوبة بحروف بارزةٍ مُضيئة تبقى محفورة و إن جف حبرها، تظل خالدة عبر الزمن الذي لن يتمكن منها فيمحُوها، وقد تكونُ مكتوبة بحروفٍ باهتة مبعثرة لا تكاد تُرى مُهمشةٍ ولا قيمة لها وقد تكونُ مُجرد خربشاتٍ غير مفهومة رُبما تحمل معنى أو رُبما كانت مُجرد رموز لا ترمي لشيء ولا تُثير أي شيء ولا تُعبر عن أي شيء, مُجرد حبر ضائع .. !!

وكل يومٍ يمضي من أعمارنا لابد من طي صفحةٍ من حياتنا مهما حملت من تفاصيل وأحداث؛ صفحة تلو الأخرى، فصلاً تلو الآخر، حدثاً بعد الآخر، قصة بعد قصة، مُنعطفا تلو المُنعطف .. ولكننا في المقابل لا نستطيعُ العودة إلى ما مضى من تلك الصفحات لنُغير شيئا ما لم نرغب في وُجوده فيها, شيء ضاقت له صُدورنا وألقى بنا بين فكي الندم ينهش فينا أو شيء لابد لنا من محوه, ونستمر هكذا في استنزاف تلك الصفحات حتى يأتي اليومُ الذي لن نستطيع فيه تقليبها مُجددا، حتما إنه اليومُ الذي يسترد الله فيه ودائعهُ منا, و الفائز في النهاية من ملأ تلك المساحات البيضاء بما يُرضي خالقه وما يُرضيه يوم يُقال له اقرأ كتاب عملك الذي عملتهُ في الدنيا، كتاب دقيق وفيه إحصاءٌ شامل مًتكامل لكلِّ صغيرة وكبيرة صدرت عنه. قال تعالى :" وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا.اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ".
ألن يخاف الإنسانُ عندها قراءة كتابه أمام نفسه وأمام مالك الملك, ألن يخشى أن يرى فيه ما يسخطه و يُخزيه ؟! ألن يخشى أن يكون من الخاسرين وتكون هذه اللحظة أسوء لحظة يمر بها، ويتمنى أن لا يُعطَ الكتاب ليُصاب بهذا الخزي الكبير؟

وهل يأبى الإنسانُ أن يكون من الفائزين الناجين المسرورين, قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه"، إنه يعلمُ ما فيه من خير وحسنات محضة; فهو ممن بدل الله سيئاته حسنات، وفي هذه اللحظة يبلغُ أعلى درجات السعادة وكأنَّه يُريد أن يعلم كلُّ الحاضرين في هذا الموقف بهذا الفوز العظيم فيقول لكل من يلاقيه (هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه).
 
وشتان بين الاثنين من أوتي كتابه بشماله ومن أوتي كتابه بيمينه!
فلنُحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب، ولنُراجع أنفسنا بأنفسنا! وإن كُنا قد أخطأنا وأذنبنا فلنتدارك ونسأل الله تعالى المغفرة والعفو ولنُسارع إلى ملئ صحائفنا بالصالحِ من الأعمال لننجو بأنفسنا من وقفة الحسرة ونظرة الندامة!