بياض قاتل
تاريخ النشر : 2023-02-19
قصة قصيرة: بياض قاتل

بقلم: رحال امانوز

إهداء: إلى روح والدي الفقيد

البياض يعم المكان. جدران الغرفة الأربع لونها أبيض. سقف الغرفة بنفس اللون. يتدلى منها مصباح أبيض. السرير الذي يتمدد فوقه منذ أيام خلت لا يعرف عددها. والطاولة القابعة بجانبه. ستاءر النوافذ. الكل يتوشح بالبياض القاتل.

وهو غارق في عزلته. انعدم لديه مفهوم الزمان والمكان. كأنه معلق بين السماء والأرض. يحاول تحريك أطرافه العليا. لا فائدة من ذلك. أما الأطراف السفلى. فقد فقد السيطرة عليها. لا يعرف منذ متى ولا كيف. يقضي أوقاته بين النوم واليقظة. يغمض عينيه تارة ويفتحهما تارة أخرى. لا يسمع في الغرفة إلا رجع صدىة تنفسه البطيء. وأنين خافت ينبعث من بين ضلوع متهالكة. أحيانا ينتابه سعال..

بين الفينة والأخرى. يقتحم عليه المكان. شبحان يغطيهما البياض. لا يظهر منهما سوى عينان جاحظتان. يعبثان بالجسد الهزيل كما شاءا. يلقيان نظرة على جهاز بجانب السرير. هو يصدر ازيزا لا يتوقف. يحركان بعض الخيوط. ثم ينسحبان من المكان في صمت. يحركان راسيهما حركات ذات معنى. ايماءات لايعرفها غيرهما. يغلقان الباب خلفهما ويختفيان.

آلامه تشتد وأنينه يزداد. يحاول الفرار من هذا المكان اللعين. يخيل إليه أنه رمي به في قبر. لكن هيهات ثم هيهات. لقد ربطت أطرافه الأربعة. بوثاق مع السرير. من يفك أسره. من يعينه على مغادرة المكان. من يخلصه من هذه الخيوط الملتفة حول جسده. أكثر ما يزعجه: هذا الأنبوب المتصل بأنفه. يكتفي بتحريك مقلتيه في كل الاتجاهات. غارق في بحر من البياض.

وفجأة بدأ يحس إحساسا غريبا. دبيب يعبث بقدميه. قواه بدأت تخور. ازيز الجهاز شرع في الاضمحلال. المكان يدور به. تذكر الارجوحة التي كانت تدور به لما كان طفلا. البياض يستحيل إلى سواد. الأرجوحة تدور وتدور وتدور. غاب عن الوجود. دخل الشبحان الغرفة. الجهاز توقف عن العمل . تاملاه جيدا. اغلقا
العينين والفم. غطيا الوجه بغطاء أبيض. حملا الجثة إلى الطابق التحت الأرضي.