زلزال تركيا وسوريا وسياسة الكيل بمكيالين
تاريخ النشر : 2023-02-08
زلزال تركيا وسوريا وسياسة الكيل بمكيالين
علي أبو حبلة


زلزال تركيا وسوريا وسياسة الكيل بمكيالين

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

الزلازل والكوارث الطبيعية والحرائق  ظواهر تتكرر على مدار التاريخ ومن المفترض أن يهب المجتمع الدولي لمساعدة الدول المنكوبة بلا تمييز وبدون اعتماد سياسة الكيل بمكيالين، لقد كشف الزلزال الذي ضرب دولتين متجاورتين سوريا وتركيا الوجه الحقيقي لأمريكا وبعض دول الغرب.

أمريكا والغرب والمجتمع الدولي الذي يتغنى بإنسانيته ومسيرته الحضارية التي يتفوق بها على الأمم الأخرى، وذلك على شكل قوانين ومنظمات وقرارات وائتلافات تصل حدّ  التحالفات، تتجزأ المبادئ حدّ التلاشي فيما هو من أقذر المعايير المزدوجة وأكثرها همجية عبر التاريخ.

بعد الزلزال المدمّر الذي أصاب تركيا وسوريا، يتكشف للعالم حقيقة أمريكا والغرب الذي يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين حتى في التعاطي بالقضايا الانسانية وتظهر عملية التمايز بالقضايا الانسانية الاغاثية، لقد حركت أمريكا وحلفائها جسور من المساعدات الجوية التي تحطّ في تركيا، أما فوق سوريا المنكوبة أصلًا بفعل الحرب الكونية عليها، فلا يحلّق سوى شبح قانون قيصر.

كان من المتوقع أن يكون الزلزال الهائل المدمر الذي ضرب محافظات عديدة في جنوب تركيا ومناطق شمالية وساحلية في سوريا مناسبة لتناسي الخلافات السياسية والأيدلوجية واستجماع  كل القوى لمساعدة المنكوبين في كلا البلدين، إلا أن انعدام الانسانيه لدى أمريكا ودول غربية ظهر جليا في سياسة التعامل بسياسة الكيل بمكيالين، وانتظار العديد من الدول التي تخضع للإملاءات الأمريكية وتخوفها من قانون القيصر الذي لا يخضع لقرارات الأمم المتحدة بانتظار السماح لها بتقديم مساعداتها لسوريا.

دول العالم بما فيها الأمم المتحدة تخضع للاختبار في كيفية التعامل مع الكارثة الانسانية التي حلت بالسوريين والأتراك بفعل تداعيات الزلزال الكبير وما خلفه من دمار ومآسي، خاصة وأن تقاليد التضامن العالمي شهدت بدورها صنوفاً من التمييز بين ضحية وسواها، ومنطقة منكوبة تنتمي إلى جنوب العالم مقابل أخرى يتيح لها وقوعها في أجزاء متقدمة من المعمورة أن تلقى جرعات أعلى من الاهتمام. ولسوف يكون بالغ الأسف، فضلاً عن آثاره النفسية والسياسية الضارة وبعيدة المدى، أن تُعامل محافظات تركية مثل كهرمان مرعش وأضنة وعثمانية وغازي عنتاب وديار بكر وملاطيا، وأخرى سورية مثل إدلب وحلب وحماة واللاذقية، معاملة أقل مما شهدته تسونامي 2004 من عناية دولية.

ذلك أن الزلزال الأخير أصاب جنوب تركيا وشمال سوريا بقوة 7.7 على مقياس ريختر، وتضاعفت عواقبه في 130 هزة ارتدادية فألحقت الأضرار بطرق رئيسية وأصابت ميناء إسكندرون ومطار هاتي، وشعر به بعض السكان في لبنان وفلسطين وبعض مناطق مصر وقبرص واليونان وجورجيا وأرمينيا. وفي أحدث الإحصائيات أعلنت تركيا أن العدد الإجمالي للضحايا يفوق الـ 4500 قتيل وآلاف المصابين  مصاب إلى تهدم  المئات من العمارات السكنية، وفي  سوريا لا تقل الخسائر فداحة عما لحقت في تركيا.

والوضع في سوريا ينطوي على مزيد تداعيات الكارثة، بسبب الوضع الذي تعيشه سوريا والحرب الظالمة التي تتعرض لها طيلة ما يقارب 12 عاما، ومن المنتظر أن تكون الأيام القليلة المقبلة بمثابة اختبار للتكاتف العالمي مع المناطق المنكوبة في جنوب تركيا والشمال السوري، وامتحان لحكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي شخصياً في اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة الكارثة، خاصة وأن البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية.

الواقع الذي يعيشه العالم يضج بمصطلحات الحداثة والمواطنة وحقوق الإنسان، أما في العمق، فلا ترى إلا القبلية والعنصرية وظلام همجية  العصور الوسطى وما قبل الأديان. وفي عرف أمريكا والغرب تتحكم المصالح على حساب حقوق الإنسان وحقوق البشرية التي طالما تغنت أمريكا والغرب يهما وهما يفتقدان لأدنى تحقيق العدالة بين الشعوب وسياستهما تقوم على سياسة الكيل بمكيالين وهذا ما يحصل اليوم بسياسة التمايز والتعاطي مع زلزال تركيا وسوريا بمكيالين، ووحدة قياسهم هي السياسة الخارجية التي يمكن أن تكيل بقتل شعب وإفقاره، ولا تكيل أبدًا بإغاثته. وكيل آخر هو الإغاثة الانتقائية بين شعب وآخر. خاصة أن المبادئ تتجزأ في وحدة القياس ذا الطبيعة المتغيرة والغامضة.