بقلم: د. خيام الزعبي
الذي يحدث في القدس، ليس حلقة من حلقات الصراع مع الاحتلال فحسب، لكنه أيضاً معركة فاصلة بين مسار المقاومة ومسار التسوية والإستسلام، فبعد أن راهن فيها الكثير على سقوط محور المقاومة، ثبت أن مكونات هذا المحور خرجت أقوى مما كانت عليه، إذ فشلت القيادة العسكرية الإسرائيلية من منع الفدائي خيري علقم ( 21عاماً) الذي نجح بقتل 8 وإصابة أكثر من 12 إسرائيلياً في مستوطنة النبي يعقوب بالقدس، هذا الأداء البطولي للمقاومة أمام كيان مدعوم من طرف الغرب يعطي إنطباعاً أن عقدة الضعف تلاشت وأصبح بإمكاننا تحرير القدس وفلسطين من قبضة الصهاينة.
بالتالي نحن الآن أمام تحدي كبير يتطلب التغيير في الإستراتيجيات لأنه لم يعد بالإمكان بالطريقة القديمة أن نصل إلى نتائج ملموسة، فإسرائيل لن تقبل العملية السياسية وكل المبادرات التي تبذل من هنا وهناك للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، فالخيار الأفضل حالياً للتعامل مع الاحتلال هو العودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة العملية الاستيطانية والتهويد المستمر للقدس.
على الجانب الآخر إن كلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتوا الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة للدولة الفلسطينية، فما نراه من إنجازات يمثل ثمرات لما غرسته أيادي الشهيد أحمد ياسين والشهيد فتحي الشقاقي وإبراهيم المقادمة وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم كثر، ولم يعد تحرير القدس وفلسطين مستحيلاً بعد أن قدمت المقاومة الفلسطينية بسالة منقطعة النظير أمام العدوان والغطرسة الصهيونية في حروبها الأخيرة.
كما أن حالة اللامبالاة العربية حيال ما يجري في القدس، تعد بمثابة ضوء أخضر للاحتلال للاستمرار في مخططاته، فالأوضاع الراهنة يجب أن تجعل الفلسطينيين يعيدون تقييم أولويات المرحلة المقبلة، فقرار الانتفاضة في الساحة الفلسطينية موجود، ولكن هناك قوى تعمل بكل جهد من أجل عدم تطور إحتجاج الشعب إلى انتفاضة وتعزيز الإنقسام الداخلي وقمع المقاومة، لذلك أرى أن أمام هذا التردي الخطير، يجب أن يكون هناك انتفاضة جديدة لخلق معادلة صراع جديدة مع الاحتلال الصهيوني يتم بموجبها الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني.
ونقول أنه بعد هرولة العرب إلى التطبيع مع إسرائيل لم يبقي أمام الفلسطينيين إلا التخندق وحدهم في خندق الموت و الاستشهاد بشرف مدافعين عن عورات الإدارات العربية ومدافعين عن الحق الفلسطيني الغير قابل للتصرف مع مناصري النضال الفلسطيني الشرعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، ومهما يكن فهي فرصة أمام الفلسطينيين لينهوا الانقسام ويتوحدوا لتحرير البلاد من المحتل الغاشم.
مجملاً.. إن القدس هي الحصن المنيع بوجه الكيان العبري وبوجه إجرامه، فلقد أظهرت جدارتها في مقاومة عدو يدوس على الكرامة الإنسانية، لذلك فإن المنطقة اليوم تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير، وسيتمخض عن المعركة الدائرة مع العدو ولادة شعب عربي متحرر من خوف الأعداء، وسينتج عنها إستعادة المحور المقاوم لدوره في المنطقة.
أختم مقالتي بالقول: أنه مهما حاولوا أعداء الأمة تغّيب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية فإنها لن تغيب وستبقى القدس وقود الثورات العربية وستبقى في قلوب كل السوريين ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.
فتحية من سورية الأبية المرابطة، إلى كل مقاوم وكل شهيد يسقط على أرض فلسطين من أجل تحريرها شبراً شبراً.