الشّعب الفلسطيني يرفض الاحتلال بكلّ أشكالِه
تاريخ النشر : 2023-02-01
الشّعب الفلسطيني يرفض الاحتلال بكلّ أشكالِه
أ. عائد عبد الحميد زقوت


الشّعب الفلسطيني يرفض الاحتلال بكلّ أشكالِه 

بقلم: أ. عائد عبد الحميد زقوت

حين الحديث عن ممارسات الاحتلال الفاشية الإجراميّة البشعة ضدّ أبناء شعبنا، نلحظ أنّها تستند إلى طبيعته السيكولوجيّة، فمِنْ خلال تتبّع منطوق ذهنيّة الاستعلاء العنصري المميّزة للسلوك الإسرائيلي، ومنظومة التفكير الجمْعي الإسرائيلية وهواجس الاستحواذ والخوف المسيطرة عليها التي طاردتها، عبر حقب متفاوتة تاريخيًا، هي الدّافع خلف تلك الممارسات والعنجهيّة المتصاعدة دومًا، وما القرارات التي اتّخذتها الحكومة الإسرائيلية عقبَ العمليّة البطوليّة الناجحة في القدس بحقّ الشعب الفلسطيني وعلى وجه الخصوص تلك الإجراءات التعسفيّة من غلقٍ للبيوت وهدمها، ومصادرة للجنسيّة في حقّ ساكني القدس وضواحيها تكشف عن منهجيّة عصابة وليست دولة، وتكشف كذلك عن مدى الحقد والكراهية للشعب الفلسطيني، وتضعنا أمام حقيقة ثابتة بأنّ الكيانية الاحتلاليّة لن تقبل بوجود الشعب الفلسطيني وكيانه السياسي، لذا هي ماضِية في نهجها التّصفوي للقضيّة الفلسطينية والعمل على تجاوزها من خلال مشروع السّلام الاقتصادي الذي رسمه نتنياهو وأقرّه البيت الأبيض أثناء ولاية ترامب حيث يمكن تطبيقه عبر اتفاقيات ابرهام التطبيعيّة.

حالة الارتباك والتخبّط التي أصابت الاحتلال جرّاء عملية الذئب الثائر خيري علقم لم تكن فقط بسبب قدرته على تحييد الإمكانات والقدرات الاحتلالية الهائلة في الوقاية أو المواجهة، بل لأنها أفشلت فكرة تحييد المدن والأحياء الفلسطينية في القدس عن المواجهة، وجاءت أيضًا مُعبّرة عن رفض الفلسطيني للقبول بالاحتلال في ظلّ شعارات فارغة كالأمن مقابل الأمن أو السلام الاقتصادي أو أيًا من المسميات الأخرى.

تصاعد وتيرة الأحداث والاقتحامات الاحتلالية الاسرائيلية لمحافظات الضفة الغربية وتشديد قبضتها العسكريّة عليها يأتي في سياق فرض الأجندة الاسرائيلية، حيث ترى في الظروف الإقليميّة والدوليّة والفلسطينيّة الرّاهنة فرصة مُواتية لحسم الصراع وفق مفهومها التّوراتي الذي يعتبر الضفة الغربية وفي القلب منها القدس أو كما يُسميها الاحتلال يهودا والسامرة جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل الكبرى.

في هذا الواقع كان لا مفرّ للسلطة الفلسطينية من اتخاذ قرار وقف التنسيق الأمني الذي لا يحمل في طياته تحولًا استراتيجيًا إنما من أجل دفع الإدارة الأميركية لوقف التصعيد الإسرائيلي المتفاقم والمرشّح للزيادة وفق رؤية الحكومة الحالية وجرائمها اليومية والتي ستنسف وجود السلطة بشكل كامل، أو تكتفي بالإبقاء على مركزها القانوني لترفع الحرج عنها وتُظهر تمسكها بما يسمى عملية السلام، مع ترك مساحة للحفاظ على العلاقة مع الدول العربية الملتزمة باتفاقيات سلام أو اتفاقيات التطبيع معها، وكذلك يعطي مساحة للبيت الأبيض للمناورة لتسهيل الوصول إلى توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية.

في هذا الواقع يبقى من نافلة القول استمرار الحال على ما هو عليه، فمراوحة السلطة في مستنقع العمليّة السلمية الميّتة والاستجابة لمطلب واشنطن وتل أبيب لاستئناف التنسيق الأمني مقابل حزمة تحسينات في ظلّ تصاعد عمليات الذئاب الثائرة سيفضي بالسلطة بالتحول إلى اللّحدية، أو لسلطة مناطقية متفرّقة متنازعة، مما يعني القضاء على الكيانيّة السياسية للشعب الفلسطيني، وانهيار منظمة التحرير الفلسطينية، والقبول باستمرار الاحتلال.

 هذا الواقع يفرض على السلطة الفلسطينية تحديد طبيعتها ووظيفتها بما يتناسب والمرحلة الصعبة في تاريخ القضية الفلسطينية مع الحفاظ على مضمونها السياسي والوطني، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير بتوْلِيتها الدفاع عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني في المؤسسات الأممية والدولية.

 ‏رفعت العملية الفدائية في القدس من درجة المواجهات والتوترات مع الاحتلال ممّا زاد من احتماليّة تحوّلها إلى انتفاضة جماهيرية بالرصاص لا بالحجارة، مما حدا بأميركا بإرسال رئيس مخابراتها لاحتواء التطورات الأمنية، وأردفت وزير خارجيّتها كذلك لتأكيد التزام أميركا بأمن اسرائيل، ولكنّ اللّافت في الأمر أنهما لم يأتيا كالعادة تحت شعار وقف التصعيد الاسرائيلي، إنما لخفض التصعيد كما تتمنى السلطة في إشارة إلى هامشيّة القضية الفلسطينية عند البيت الأبيض، هذه السياسة البيضاوية تعني إعطاء الاحتلال ضوءًا أخضرًا بالاستمرار في تنفيذ مخططاته الفاشية الإجرامية في الضم والتهويد، وتغيير الديموغرافيا في الضفة الغربية بتوطين مئات الآلاف فيها من المستوطنين.

في خضمّ الانحياز الأميركي المستمر لإسرائيل، فقد ‏حرص وزير الخارجية الأميركي بلينكن على التأكيد على حلّ الدولتين دون جديد يُذكر في الموقف الأميركي حول ماهيّتها وحدودها وزمان قيامها والاعتراف بها، حيث جاءت تلك التصريحات لوزير الخارجية الأميركية لتأكيد المؤكّد المكْرور في استراتيجيتها القائمة على الاحتواء وإدارة الملف الفلسطيني دون الحرص على اتخاذ مواقف متقدمة ولو على صعيد تنفيذ وعودها بإعادة النظر في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وافتتاح قنصليّة أميركية في القدس سوى التلاعب بالمصطلحات، فالإدارة الأميركية غير الراغبة في المضيّ قُدمًا لتنفيذ وعوداتها، فهل من الممكن انتظار حلول منها لإنصاف الشعب الفلسطيني وتمتعه بحقوقه السياسية، وكذلك هدف بلينكن من تصريحاته توفير طوق نجاة للسياسة الرسمية العربية والفلسطينية المستمرة في البحث عن ذيل للمفاوضات التي لم يعد لها وجود، لتسهيل الانصهار في السلام الاقتصادي .

واقع الحال يُنذر بكلّ وضوح بأنّ البيت الأبيض يمنح كيان الاحتلال المساحة الزمانيّة والمكانيّة الكافية لإنجاز مخططاته وأهدافه في القضاء على أيّ فرصة حقيقية لقيام دولة فلسطينيّة مستقلّة متواصلة جغرافيًا على حدود الرابع من حزيران ليصنع واقعًا جديدًا يقود الفلسطينيين للقبول بقيام دولة فلسطينية في غزة وحكمًا ذاتيًا للسكان في الضفة الغربية وهذا يُعدّ شكلًا من أشكال الاحتلال المرفوض شعبيًا ووطنيًا والخيار الآخر قيام دولة فلسطينية تكون غزة مركزها ضمن اتفاق إطاري يسمح للدولة الفلسطينية بممارسة صلاحياتها على السكان في الضفة الغربية على غرار اتفاق غزة أريحا مع ترتيبات أمنيّة متزامنة مع كلا الاقتراحين تشارك فيها دولًا عربية وهذا أيضًا يمثل شكلًا آخر من الاحتلال لن يقبل به أيّ مواطن مهما بلغت التضحيات.

من هنا يبرز أهميّة إنهاء الانقسام أكبر النكبات والانتكاسات التي طرأت على الشعب الفلسطيني، حتى ولو بدون مصالحة بمفهومها الشامل، على أساس التعاون الأرفع والأنفع للوصول إلى برنامج وطني عام يستند في حدوده الدنيا على القرار 181 وتبنّي مقاومة اللا عنف التي تتناسب مع مقدّرات الشعب الفلسطيني، كيْ ترسو سفينتنا على مرفأ النجاة.