إبراهيم برئ منها.. اتفاقات كوشنر تفرق والأنبياء رسالتهم توحيدية
تاريخ النشر : 2023-01-23
إبراهيم برئ منها.. اتفاقات كوشنر تفرق والأنبياء رسالتهم توحيدية
د. سمير الددا


إبراهيم برئ منها.. اتفاقات كوشنر تفرق والأنبياء رسالتهم توحيدية

بقلم: د. سمير الددا

كنت من بين مدعوين بينهم أقارب وأصدقاء لحضور إحدى المناسبات الاجتماعية, كانت أمسية تقليدية وكالعادة حظيت السياسة بنصيب الأسد في تلك السهرة, بدءاً مما يجري في أوكرانيا إلى ما يجري في عدد من الدول العربية مروراً بما يجري بين إيران والغرب وصولاً إلى ما يجري في فلسطين وكان الحديث ذا شؤون وشجون إلى أن تطرق الحديث إلى ما سمي بالاتفاقات الابراهيمية (وهذا ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع).

سأل أحد الحاضرين "لماذا اسموها إبراهيمية" ولكن المستهجن, فقفز آخر (يبدو من هيئته ومن كيفية طرحه للسؤال ومن أسلوب حديثه أن قطار التعليم فاته في محطات مبكرة) ليجيب بصوت جهوري "لأن ابراهيم أبو اليهود" وتابع بنبرة أعلى وسط اندهاش الجميع فيما كان هو يظنهم منبهرين بنظريته التاريخية الفذة "يا عمي هذول اليهود حاكمين كل الدول وأولها امريكا ويفرضوا عليهم كل اللي يريدوه وهم سموها إبراهيمية علشان ابوهم ابراهيم"...!!!, ثم رجع الرجل بجسمه قليلاً الى الخلف ماطاً ظهره على كرسيه منتشياً منتفخ الاوداج وجائلاً ببصره على وجوه الحاضرين راصداً ردود فعلهم على طرحه "لنظريته الجيو-استراتيجية الاخطر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية" وكانت هيئته تكاد تنطق لتقول للحاضرين أنه انتشلهم من براثن الأمية والجهل ورفعهم الى عالم العلم والنور ولولا ان سخره الله لهم تلك الليلة للبثوا غارقين في ظلمات بعضها فوق بعض..!!

إنتابني شئ من التوجس ازاء صمت الحاضرين عن هذا اللا منطق, وهممت بالحديث ربما اسعفني الحظ في ان انقذ ما يمكن انقاذه, فإذا بصديق كان يجلس بجواري يضغط على ركبتي برفق هامساً في اذني "انصح بعدم الدخول في جدل بيزنطي مع هذا, فأنا اعرفه, الرجل شبه أمي وأظنه بدأ يتعافى من فاقة مزمنة ورزقه الله بعض المال, فأصبح يظن نفسه انه اوناسيس الشرق الاوسط وشمال افريقيا وارسطو هذا الزمان وكيسنجر العرب والمسلمين".

استظرفت ما قاله صديقي المعروف بسخريته المحببة وقرأ ما دار في نفسي حينها فتابع مبتسماً: "لن تسعفك يا صديقي نبرة صوتك الهادئة أمام موجة صوته الطاغية, وصدقني لن يتيح لك المجال لقول أي شئ" واضاف صديقي هامساً وضاغطاً على مخارج كلماته "يقولون السكوت من ذهب ولكن في هذا الموقف ومع مثل هذا يكون أغلى من الألماس", فقلت له همساً ايضاً "ولكن الرجل يشوه الحقيقة ويضلل الناس", فرد الرجل ضاغطاً مرة اخرى على ركبتي "الرجل سلامة تسلمك, ليس عنده اي شئ له قيمة, ولا اظنه يعرف ما معنى ودلالات ما قال, فهو فاقد البوصلة واذا دخلت في حوار معه لن تصل الى نتيجة وقطعاً سيشوه كلامك بمعنى انه لن يدعك تكمل أي فكرة وسيقاطعك عند كل كلمة بل عند كل حرف" واضاف رافعاً يده عن ركبتي "اقترح ان تكتب أحسن واكثر فائدة وأعمق أثراً, فأنا من قرائك وكذلك معظم الحاضرين إن لم يكن كلهم وستضمن وصول رسالتك غير مشوهة اليهم جميعاً والى غيرهم". واختتم كلامه مبتسماً "لا أعتقد ان صاحبنا سيقرأ ما ستكتب لانه بالكاد يفك الخط حسب علمي واذا حاول فلا أظنه سيستوعب"....!!!

اقنعني منطق صديقي واخذت بنصيحته.... وهكذا كان....!!!!!.
أصاب صديقي في تقييمه للرجل, وتحققت نبوءته, وأدركت قيمة نصيحته بعد مرور وقت ليس بالطويل, اذ أسترسل صاحبنا في الخطابة محتكراً الجلسة وكأنه لا يوجد غيره في المكان وقافزاً من موضوع لاخر بدون مناسبة وبلا أي مصوغات, وحاولت جاهداً أن اتابع ما يقول لعلي استفيد شيئاً ولكن كلامه كان مشتتاً ومتناثراً من هنا وهناك بحيث كان من المستحيل ان يصل أي شخص مهما بلغ مستواه الثقافي والعلمي الى أي شئ مفيد, والمزعج جداً انه كان يقمع بصوته المجلجل كل من كان يتجرأ على مقاطعته ولم يسلم من سلاطة لسانه من راودته نفسه على قول أي شئ في تلك الجلسة, وهكذا أصبح الأمر ميؤساً منه وبلا أمل وبدون أدنى فائدة.

بعد حوالي 10 دقائق وربما أقل, تظاهرت بأنني تلقيت مكالمة هاتفية وانتقلت الى الجلوس في زاوية بعيدة ولجأت للجوال لأسلي نفسي وما هي الا دقائق لا اظن انها تخطت الخمسة واذا بصديقي يلحق بي ومن ثم تبعه اخر وهكذا الى ان استقطب مجلسنا الجديد في غضون ما بين 10- 15 دقيقة اكثر ضحايا خطيب تلك الليلة, ولكننا لم ننج تماماً من سطوته الخطابية, فقد كان صوته عابراً للمسافات, ولكن حوالي 30 متراً تفصلنا عنه كانت كفيلة بإعفائنا من قسم لا بأس به من التلوث الضوضائي الذي تسبب به, واستمر الحال الى ان دعا صاحب المناسبة الحضور الى تناول طعام العشاء, وهنا فقط سكت صاحبنا ولم نعد نسمع له صوتاً.
ما يهمنا من كل ذلك فقط الاتفاقات الكوشنرية ولماذا أطلقوا عليها "الابراهيمية".

ربما يدرك الجميع أن اعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب ونقل سفارته اليها والاتفاقيات الكوشنرية التي اعقبت ذلك بين الكيان الغاصب وبعض الدول العربية كانت الهدف السياسي الاهم لادارة ترامب في ملف الشرق الاوسط, وهذا لم يكن صدفة, فالصدفة ليس لها مكان في عالم السياسة, السبب وراء ذلك كان صاحب اشهر كازينوهات الدعارة والقمار في لاس فيغاس الملياردير اليهودي الصهيوني الذي نفق في يناير 2021 شيلدون اديلسون وزوجته المستوطنة الصهيونية شديدة التطرف مريام اوكشورن, فقد عقد الزوجان اتفاقاً ابان انتخابات الرئاسة الامريكية عام 2015 مع المرشح الرئاسي حينها دونالد ترامب وفقا لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” في منتصف يناير 2019, ضمن سلسلة “بيغ موني” (Big Money - التي تمولها مؤسسة فورد البريطانية بموجبه "اشتريا" منه ملف الشرق الاوسط مقابل 150 مليون دولار دعماً له ولحزبه في الانتخابات التي جاءت بترامب الى البيت الابيض واطلاق يد يهود صهاينة في ملف الشرق الاوسط دون تدخل من احد بما في ذلك وزارة الخارجية التي يعتبر الملف من صلب مهامها, وكان مخططهم الاكبر والاهم في هذا الملف العمل بكثافة على موضوعين رئيسيين اولهما هو إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب ونقل السفارة الامريكية اليها كما سبقت الاشارة, وثانيهما تسخير امكانيات الدولة القوة الاهم والاقوى في العالم لادماج اسرائيل في المنطقة من خلال ممارسة ضغوط هائلة قام بها الثالوث اليهودي الصهيوني البغيض في ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب, الاول هو رأس الحربة هو زوج ابنة ترامب جاريد كوشنر, والثاني مدير في منظمة ترامب جيسون غيرنبلات, والثالث وهو اكثرهم شراً وكرهاً الاسلام والمسلمين محامي العقارات في منظمة ترامب ديفيد فريدمان, وقد قام هؤلاء الاشرار بتوظيف الثقل الرسمي الهائل للولايات المتحدة للضغط على دول المنطقة لإجبارها على توقيع اتفاقات اطلقوا عليها زوراً وبهتاناً اسم "الابراهيمية" نسبة الى سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي تم استخدام اسمه لاضفاء شي من القدسية على تلك الصفقات بهدف تضليل وخداع الشعوب العربية رغم انهم يعلمون جيداً انها لا تمت له عليه السلام بأدني صلة لا من قريب ولا من بعيد وانه برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

لم تستطع بضعة دول عربية لهشاشة بنيتها التحتية عسكرياً وسياسياً وامنياً وبعضها اقتصادياً الصمود امام ضغوطات هؤلاء الأشرار ولم تجرؤ على مخالفة أوامرهم تجنباً لشرهم وتحسباً لسطوتهم لإدراك هذه الدول ما كان يملكه هؤلاء من تأثير هائل على الرئيس ترامب شخصياً وما كان لهم من نفوذ واسع في أوساط ادارته حينها وبالتالي على كواليس صنع القرار في البيت الأبيض.....!!

الاتفاقات الكوشنرية المشار كانت تهدف بالأساس إلى تصفية القضية الفلسطيني والقفز على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه التي احتلها الصهاينة بالقوة العسكرية عام 1967 وبدعم عسكري وسياسي غربي وخصوصاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

وتجدر الاشارة إلى أنه صدر عن الأمم المتحدة (مجلس الامن والجمعية العامة) ومحكمة العدل الدولية عشرات القرارات الدولية التي تطالب الصهاينة بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره, وهذا ما كان اساساً لمبادرة السلام العربية التي اعتمدتها القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي بموجبها دعت الكيان الصهيوني للانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره على ارضه بما في ذلك اقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 مقابل اعتراف كل الدول العربية بهذا الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه, وهذا ما رفضته كل الحكومات الصهيونية تقريباً وخصوصاً حكومات نتنياهو المتعاقبة.

وهنا تكمن خطورة اتفاقات كوشنر, فقد أدت إلى شق الاجماع العربي من خلال اجبار دول عربية اعضاء في الجامعة العربية على توقيع اتفاقات تطبيع العلاقات مع الصهاينة قبل تحقيق شروط مبادرة السلام العربية وانسحابهم من الاراضي الفلسطينية وهذا انتهاك خطير لمقررات قمة بيروت المشار اليها وتخلي تلك الدول عن التزاماتهم بمساندة ودعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي يعتبرها العرب قضيتهم المركزية.

أما شعبياً فحدث ولا حرج, فقد شهد العالم بأسره خلال فعاليات تصفيات كأس العالم التي اختتمت في قطر الشهر الماضي حجم التأييد الجارف لفلسطين وشعبها من الشعوب العربية من الخليج الى المحيط, وفي الوقت نفسه مدى نبذ ورفض كل العرب وحتى غير العرب للكيان الصهيوني الغاصب ومدى فشل الصهاينة في فرض ما يسمى بالتطبيع او اتفاقات كوشنر وغير ذلك من مثل هذه الارهاصات.....العالم لم يعد يطيق هذا الاحتلال العسكري الاجرامي والبغيض والظالم ويطالب بانهائه.

تسببت الاتفاقات الكوشنرية بانقسام على المستوى الرسمي العربي كما اشرنا, وعدد محدود من الدول العربية خضع للضغوط الامريكية والصهيونية ووقع على تلك الاتفاقات وهناك دول رفضت ودول استنكرت وادانت, وهكذا حدث انقسام حاد بين الدول العربية.....وهذا مسوغ اخر ينأى بسيدنا ابراهيم واسمه الشريف عليه السلام عن مثل هذه الاتفاقات العبثية, فهو عليه السلام دأب على تكريس الوحدة وتوحيد الرؤيا والكلمة وسنلقي الضوء على جانب من حياته عليه السلام يرسخ هذا المفهوم الوحدوي.

القول بأن سيدنا ابراهيم كان اباً لليهود ليس صحيحاً, فقد ولد عليه السلام عام 2000 قبل الميلاد وفقاً للكثير من المراجع التاريخية أي قبل نزول الشريعة اليهودية على سيدنا موسى عليه السلام بمئات السنين.

ولد موسى كليم الله عليه السلام حسب عدد من المصادر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بمصر القديمة ونشاً وترعرع فيها واسمه موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, لجأ في مقتبل العمر الى مدين وهناك التقى بسيدنا شعيب عليه السلام وتزوج من احدى بناته وفي طريق عودته الى مصر بعثه الله عز وجل الى فرعون وقومه إلى أن توفاه الله عز وجل في سيناء عام 1316 قبل الميلاد في عصر الفرعون رمسيس الثاني كما جاء في الدرر السنية-موسوعة الاديان, في حين رأى بعض رجال الدين اليهود ان عهد سيدنا موسى عليه السلام كان في الفترة ما بين 1391 - 1271 قبل الميلاد, على العموم, لو احتكمنا لأي من الرأيين فإن سيدنا ابراهيم الذي ولد عام 2000 قبل الميلاد عاش ومات قبل مولد سيدنا موسى ونزول الشريعة اليهودية عليه بمئات السنين وبينهما على الاقل 6 أجيال من الاباء والأجداد عليهم السلام جميعاً.

أما القول بأن إبراهيم عليه السلام هو الاب السابع لسيدنا موسى, فهذا طرح يمكن الرد عليه بنفس المنطق, أي انه عليه السلام يكون اباً لكلا من سيدنا عيسى ابن مريم ابنة عمران عليه السلام الذي يعود اصله الى سدينا ابراهيم عليهم السلام وكذلك هو ابأ لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كونه من نسل اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام جميعاً.

أغلب الظن أن المنطق الوحيد وراء تسمية الاتفاقات المشار اليها بالإبراهيمية هو محاولة الثلاثي الصهيوني الشرير اضفاء هالة دينية مقدسة على محاولتهم فرض الكيان الصهيوني الغاصب على المنطقة ونزع اعتراف به بأي طريقة كانت ولو بالقوة من دول عربية وتجدر الاشارة الى الاتفاقات الكوشنرية كانت بين الكيان الصهيوني (يعتبر نفسه وكيلاً حصرياً لليهودية) وبين دول تدين بالاسلام في حين لا يوجد من بين اطراف الاتفاقات أي طرف يدين بالمسيحية الا اذا كانت الولايات المتحدة "التي تدعي انها وسيطاً نزيهاً) تعتبر نفسها طرفاً في الصراع العربي الصهيوني والحقيقة انها لم تكن يوماً وسيطاً ولا نزيهاً بل كانت وما تزال وستبقى طرفاً معادياً للاسلام والمسلمين ومنحازة الى جانب ألد اعدائهم الكيان الصهيوني الغاصب.
 
لعله من المفيد القاء بعض الضوء على دلالات خط سير سيدنا ابراهيم عليه السلام بعد خروجه من أور والاماكن التي مر بها أو سكن بها او اسكن بها بعض أهل بيته عليهم السلام جميعاً, فقد انطلق من مسقط رأسه ومنها الى سوريا وفلسطين ومصر وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية وبالعكس وكون الانبياء لا ينطقون عن الهوى وكون في حياتهم عليهم السلام جميعاً آيات وعبر, فان هذه الرحلة لم تكن صدفة, , بل كانت هذه الرحلة النبوية المقدسة تكرس واقع جيو-استراتيجي أزلي بأن بلاد ما بين النهرين, وبلاد الشام ومصر والجزيرة العربية تعتبر فضاء جغرافي واحد ومزيج ديموغرافي متجانس في غالبه, وتربطها اواصر فوق-بشرية وتكسوها ملامح ذات طبيعة نبوية وتجللها نفحات ربانية تضفي عليها شرف وبركة وتوشحها بهالة روحانية فريدة اكسبتها سحر ونور وجاذبية... فطمعت فيها كل امم الارض.... وكان قدرها ان تدفع ثمن مكانتها وقداستها وطهرها من خيرة فلذات اكبادها والغالي والنفيس من ثرواتها.

تشير المراجع التاريخية إلى أن سيدنا إبراهيم (خليل الرحمن وأبو الانبياء) عليه الصلاة والسلام ولد في العراق وتحديداً مدينة أور التي كانت عام 2100 قبل الميلاد عاصمة للدولة السومرية على مصب نهر الفرات في الخليج, وهي الان عبارة عن موقع اثري على بعد بضعة كيلومترات جنوب مدينة الناصرية وعلى بعد حوالي 150 كيلومتر شمال البصرة, وهناك ترعرع وكبر عليه السلام وفيها تزوج لأول مرة من السيدة سارة.

بعد وفاة اخيه هاران (والد النبي لوط عليه السلام), قرر سيدنا ابراهيم عليه السلام مغادرة أور, فأنتقل برفقة ابن اخيه لوط وزوجته سارة الى بابل ومنها الى حاران (هذه مدينة كانت تابعة لولاية حلب في العهد العثماني ولسورية حسب معاهدة سيفر عام 1920 والتي أنهت الحرب العالمية الأولى، ولكن قامت تركيا بالسيطرة على حاران شانها شأن باقي الاقاليم السورية الشمالية -لواء الاسكندرون- وضمتها للاراضي التركية عام 1939), ومن حاران اتجه سيدنا ابراهيم عليه السلام الى دمشق ومنها انتقل الى فلسطين وتحديداً مدينة نابلس وكانت تسمى شكيم ومن ثم انتقل عليه السلام الى بيت ايل قرب القدس ومنها الى مصر حيث تزوج من سيدة من أقباط مصر إسمها "هاجر" عليها السلام ورزق منها بطفله الاول وسماه اسماعيل ومن هناك انتقل برفقة زوجته الثانية سارة وطفله عبر صحراء سيناء الى ان وصل عليه السلام الى مكة المكرمة ثم تركهما, وبعد ذلك عاد إلى جنوب فلسطين وسكن في حبرون (الخليل) ثم تنقل عليه السلام في اراضي الكنعانيين العرب حتى وصل الى جنوب شرقي غزة, (تفاصيل القصة معروفة لكل مسلم ولا داعي لتكرارها في هذه العجالة).

زوجته الأولى السيدة سارة كانت عقيماً كما جاء في القرآن الكريم وهذا ما دفعها الى تزويج سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام من السيدة هاجر التي رزق منها بسيدنا اسماعيل, وكان حينها في السادسة والثمانين من عمره عليهما السلام, وبعد حوالي 14 عاماً شاء الله سبحانه وتعالى ان يرزق عليه السلام وهو في المائة من عمره بسيدنا اسحق من زوجته الاولى السيدة سارة وكانت وقتئذ في التسعين من العمر.

تجدر الاشارة إلى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام تزوج بعد وفاة زوجته الاولى السيدة سارة والدة سدينا اسحق عليهم السلام من سيدتين كريمتين, الاولى سيدة كنعانية من فلسطين اسمها "قنطوا بنت يقظان" وفقاً لما جاء في تاريخ الطبري, ولكن جاء في سفر التكوين من التوراة (25:1) ان اسمها قطورة ومعناه عبق البخور, ورزق منها بستة اولاد هم مدان, زمران, اسباق, يقان, سنوخ ومديان ومن نسله اهل مدين, والسيدة الثانية اسمها حجون بنت أمين ورزق منها بخمسة ابناء هم كيسان, سورج, أميم, لوطان ونافس.

تجدر الاشارة إلى أن مكان مدينة أور اصبح موقع أثري لواحدة من أقدم الحضارات المعروفة في تاريخ العالم.
واشتهرت المدينة بمبنى يسمى "الزقورة" وهي عبارة عن معبد للآلهة إنّيانا آلهة القمر, وحسب الأساطير السومرية كانت تحتوي على 16 مقبرة ملكية شيدت من الطوب واللبن وكان بكل مقبرة بئر وعند موت أي ملك من ملوكهم يدفن معه جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته.

آخر الكلام:
سدينا ابراهيم ثاني أولي العزم من الرسل بعد نبي الله نوح (ومن بعدهم الانبياء موسى, عيسى وسيدنا محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام), والسبب في هذه التسمية ما تميزوا به عليهم الصلاة والسلام من الهمة العظيمة في الدعوة إلى الله، والصبر على ما نالهم من الأذى البليغ في سبيل الله والدعوة اليه سبحانه وتعالى، والثبات في مواجهة الباطل والقوة في الحق والثبات عليه وغير ذلك من اطيب الصفات وأنبل الخصال التي تحلوا بها صلوات الله وسلامه عليهم.

اسم إبراهيم (معناه الاب الحنون او الرحيم – أب الامم او أب الجمهور) له مكانة كبيرة جداً عند المسيحيين واليهود لأن كل انبياء هذه الشرائع من نسله الشريف عليه السلام من ابنه أسحق وبالطبع له مكانة خاصة ومميزة جداً في الدين الاسلامي ويكفي ان جد سيد البشر محمد من نسل ابنه البكر اسماعيل عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

سيدنا إبراهيم عليه السلام أقدس وأطهر وأسمى وأشرف بكثير من أن يطلق اسمه على مثل هذه الاتفاقات الدنيئة الملوثة بأموال الدعارة والقمار, ولا يليق بها بقدر خبث أهدافها أكثر من أسم "كوشنر" لأن هذا هو الأقرب إلى الحقيقة والأكثر منطقية ولا تستحق أكثر من ذلك.