زيلنسكي والبحث عن صولجان خملنيتسكي
بقلم: محمد جهاد إسماعيل
يحاول الرئيس الأوكراني زيلنسكي منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية أن يظهر أمام شعبه قائداً صلباً متماسكاً قوياً. ويبدو واضحاً من مواقفه وتصريحاته، أنه ينوي أن يصنع لنفسه كاريزما بطولية فريدة، تقدمه في دور المُخَلِص المحرر، وتخلده في تاريخ بلاده كواحد من أعظم عظمائها. وهذا ما ينسجم مع المقترح الذي قدمه أحد الساسة الأوكران مؤخراً، وهو الاقتراح القائل بتحويل أوكرانيا إلى مملكة، وتنصيب زيلنسكي ملكاً عليها!.
يذهب زيلنسكي في طموحه للمجد والشهرة بعيداً، فيرى نفسه مزاحماً في ذلك الشأن لبوغدان خملنيتسكي. يعتبر خملنيتسكي بمثابة أب الهوية والوطنية الأوكرانية، فقد دافع عن كيان بلاده وسيادتها، وانتزع استقلالها من الكومنولث الليتواني البولندي. مئات الشوارع والميادين والمقار والمرافق والتقسيمات الجغرافية فوق التراب الأوكراني تحمل اسم هذا الرجل، تكريماً وتقديراً له كبطل قومي.
يحدو زيلنسكي الأمل للوصول لمكانة خملنيتسكي ومنزلته، وربما يحدوه الأمل للتفوق عليه أيضاً. هنا قد يتخذ زيلنسكي من خملنيتسكي قدوة موضوعية له، أي ليس شريطة أن يحبه على المستوى الشخصي، فالتناقض بين الرجلين موجود وواضح، من جهة أن الأول يهودي، والثاني كان سفاحاً لليهود قتل وذبح منهم الألوف.
لا يتنافر الرجلان في مسألة اليهودية فحسب، بل ويتنافران أيضاً في جملة من المسائل الأخرى. لقد كان خملنيتسكي مناهضاً لقوى الغرب، معارضاً للحكم البولندي الكاثوليكي لبلاده، فخاض ثورته الجريئة عام ١٦٤٨ ضد الكومنولث الليتواني البولندي. في مقابل ذلك، يرتمي زيلنسكي في أحضان الغرب، ويجلس تحت ظلال سيوف الناتو، ولا يصمد صموده الذي يسجله الآن، إلا بفضل سيول الأعتدة والدولارات التي تنهمر عليه من الغرب.
ويختلف الرجلان اختلافاً شاسعاً فيما يتعلق بالموقف من روسيا. من المؤكد لا تخفى على أحد عداوة زيلنسكي لروسيا واقتتاله الحالي معها، هذه مسألة واضحة لا مجال للتفصيل فيها. أما علاقة خملنيتسكي بروسيا فتأخذ منحى مغاير تماماً، لقد كان الرجل حليفاً لموسكو وصديقاً لها، فقد قدم الولاء للروس في معاهدة بيرياسلاف عام ١٦٥٤ ، وجعل أوكرانيا تحت الحماية والوصاية الروسية.
نعم تفصل بين الرجلين أكثر من ثلاثمائة عام، ويتنافران مع بعضهما في عدد من القضايا، ويختلفان على صعيد التفكير والاجتهاد وتقدير الأمور والسياسة والايدولوجيا. لكن رغم هذا كله، يبقى خملنيتسكي هو الأستاذ الذي ينظر اليه زيلنسكي بشغف وتوثب، فهو الغاية التي يروم الوصول إليها، أو حتى الوصول إليها وتخطيها!.
على الأرجح أن الرئيس الأوكراني الشاب، الطموح، لا يكترث كثيراً لخصال خملنيتسكي وطباعه وسماته الشخصية. ولا يكترث كثيراً لمواقفه من اليهود، أو الروس، أو البولنديين، أو حتى مسلمي خانية القرم. فهو لا ينظر إليه نظرة مثالية، بقدر ما ينظر إليه نظرة مصلحية، هدفها بلوغ منزلته وانتزاع صولجانه.
زيلنسكي والبحث عن صولجان خملنيتسكي
تاريخ النشر : 2023-01-19