ملامح التسويات
تاريخ النشر : 2023-01-18
ملامح التسويات
 
بقلم: د. الخضر محمد الجعري

قبل أكثر من عامين وتحديداً في 1-3-2020 كتبنا مقالاً في موقع دنيا الوطن الفلسطيني عن فشل المسارات وتزامنها في سوريا وليبيا واليمن و يومها كانت المسارات في المشهد عسكرية وسياسية بسبب سقوط مؤسسات الدولة في ليبيا واليمن ماعدى سوريا التي حافظت على كيان الدولة ومؤسساتها ولم تِنشأ أي أجسام أخرى موازية كما حصل في ليبيا واليمن ..حيث هناك حكومتان في كل بلد تدعي الشرعية, لهذا فشلت أغلب المحاولات لفرض تسويات ولم يفلح أي مبعوث أممي في البلدان الثلاثة في تحقيق اختراق ,لهذا كان يتم التغييرالمستمرللمبعوثين. 

ومع التغييرات السياسية والضغوطات الاقتصادية بدأت الحاجة إلى التسويات وبدأت تتبلور ملامح التسويات, بعد أن اضطرت الدول اقليميا ودولياً إلى تغيير سياساتها, لأسباب عديدة منها انعكاسات جائحة كورونا ووصول الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى البيت الابيض وتفجر الوضع بين روسيا وأوكرانيا فيما يسمى بالعملية العسكرية وماخلقته من أزمات في الحبوب والطاقة وما افرزته من تضخم وأزمات اقتصادية ومعيشية مركبة ,مما اضطر الدول المتورطة في هذه الأزمات في البلدان الثلاثة إلى الاتفاق وتكثيف الجهود على المسار السياسي وإنهاء المسار العسكري نحو فرض تتسويات وايقاف الحروب, فحصل تقارب سعودي حوثي واخر تركي سوري وقام مدير المخابرات الأمريكية بزيارة إلى ليبيا وأجتمع الافرقاء الليبيون في القاهرة وأصبح ما نلحظه حاليا هو التركيز على الحل السياسي والتسويات مما سهل مهام المبعوثين الدوليين في البلدان الثلاثة بعد حصول المصالحات التي مكنت من إحداث اختراقات قد تفضي إلى تسويات بعد تجاوز الأزمات الإنسانية.

لكن الوضع في اليمن أكثر تعقيداً من سوريا وليبيا فهذه الدول شهدت اضطرابات داخل الدولة الواحدة بينما في اليمن هناك الوضع مختلف فقد حصل اتحاد دولتين في دوله واحده دون استفتاء الشعبين مما أدى إلى فشل هذه الوحدة وقادت إلى حربين في الاعوام 1994م و2015م وأي تسوية والقفز على حقائق الواقع لن تكون مستدامه, لأنه لم تعد هناك حتى شكل الدولة التي تم الاتفاق عليها بين حزبين شموليين في الشمال والجنوب, فلا يمكن العودة من جديد لخلق وضع جديد. فالدولة التي أُقيمت في 22 مايو 1990م سياسياً وقانونياً انتهت ولم يَعد لها وجود على أرض الواقع سوى علم في الأمم المتحدة ومقر الجامعة العربية بل أن هناك حكومتان و مجلسان للنواب وجيشان فلا يصح القبول بأي تسوية واحياء العظام وهي رميم.. فالوحدة سقطت بحربين والدولة نفسها سقطت نهائياً في عام 2014م بدخول الحوثي صنعاء وفرض انقلابه.

من هنا يجب إلى الجنوبيين التمسك بمشروعهم في استعادة دولتهم فالتسوية سيكون ضحيتها شعب الجنوب ومصالحه وثروته فالحوثي لكي يرضى بإيقاف استهداف السفن الناقلة للنفط والغاز يطالب بان يضخ الى صنعاء 80 بالمائة من ثروة الجنوب ولا يتبقى لشعب الجنوب من الثروة سوى 20 بالمائة لكي يصرف على جيشه وموظفيه ويقيم مؤسساته التي استحدثها ويطور منجزاته.. ناهيك عن مسائل أخرى سيتم فرضها على الجنوبيين تصب لصالح الشماليين حوثي وشرعية في كل المجالات سياسياً ودبلوماسياً واجتماعياً وتعليمياً مما سيخلق بيئة لنزاعات وحروب قادمة.

إن ما يجب على المجتمع الدولي فعلة لخلق حل مستدام هو اقناع الاطراف بفك الارتباط بطرق سلمية كما حصل في تشكوسلو فاكيا وكما اقنعوا الحوثي بمقدمات التسوية, بعد أن دمروا حياة الناس ومستقبلها بالحروب والكوارث الانسانية التي خلفتها وحتى يكون هناك استقرارحقيقي ومستدام في منطقة حساسة يمر عبرها اكثر من 30 بالمائة من امدادات الطاقة والتجارة العالمية.