النار تلتهم جدران المعسكرين الصهيونيين
تاريخ النشر : 2023-01-18
النار تلتهم جدران المعسكرين الصهيونيين
خالد صادق


النار تلتهم جدران المعسكرين الصهيونيين

بقلم: خالد صادق

العديد من الكتاب والمحللين طالبونا كفلسطينيين ألا نعول كثيرا على الخلاف المحتدم بين حكومة نتنياهو والصهيونية الدينية من جهة, وبين من يسمون انفسهم بأحزاب الوسط العلمانيين واليساريين, وربما يكون لمطالبهم لنا دلالة, وهي أننا لا نجيد التعامل مع الاحتلال الصهيوني والطرق على خلافاته بالفأس والمطرقة, وهذا عيب فينا نحن الفلسطينيين أو على الأصح العرب والمسلمين, «فإسرائيل» استطاعت أن تلعب على وتر الانقسام الفلسطيني, وأن يبقى الانقسام قائما إلى وقتنا هذا وإلى أن يشاء الله رب العالمين, وهي لا زالت تغذي الانقسام وتمسك بتلابيب السلطة بكلتا يديها وتهزها بعنف, حتى لا تقبل بأي حلول للمصالحة الفلسطينية, حتى وإن قدمت فصائل المقاومة كل ما يمكن لإنجاح جهود المصالحة, لكن «إسرائيل» ربطت المصالحة بإرادتها هي وانتزعتها من السلطة بمساعدة أمريكية وعقوبات مالية واقتصادية, فما الذي نملكه نحن الفلسطينيون أو نعول عليه لتغذية الخلاف المحتدم بين المعسكرين الصهيونيين, لقد فقدنا كل أوراق القوة التي بيدنا, واعتبرنا السلام خياراً استراتيجياً لا بديل عنه, فلم نحسن التعامل مع الاحتلال, ولم نحسن استغلال الخلافات بين المعسكرين الصهيونيين رغم انها خلافات في أيديولوجية الطرح والفكر والممارسة , نار الخلاف المشتعلة بين المعسكرين الصهيونيين تلتهم الجدران, وتأكل الأخضر واليابس ونحن لا ندري كيف نتعامل مع هذا الوهن الذي أصاب المعسكر الصهيوني ودفعه للتناحر والتقاذف وتبادل الاتهام, عشرات الالاف من الإسرائيليين خرجوا الى الشوارع في قلب «تل ابيب» احتجاجا على حكومة نتنياهو الجديد, وتشريع القوانين التي تخدمها, وإخضاع سياسات الحكومة إلى الأصول التوراتية والتي تتنافى مع الفكر العلماني واليساري الذي يحذر من الصهيونية الدينية.

مجددا ارتفعت دعوات من المعارضة الصهيونية بتصعيد الاحتجاجات بإضرابات لشل اقتصاد البلاد، ودعت أحزاب معارضة إسرائيلية إلى تصعيد الحركة الاحتجاجية ضد سياسة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو، بإضرابات لشل اقتصاد البلاد. فيما أصر نتانياهو على المضي قدما فيما اسماه بإصلاحاته، وتثير المشاريع التي اعلنتها الحكومة الصهيونية بزعامة نتنياهو وسموتريتش وابن غفير وادرعي مخاوف لدى المعارضة من انحراف «إسرائيل» إلى نموذج ديموقراطي غير ليبرالي، ودعت أحزاب من الوسط واليسار وتحالف «الجبهة والعربية للتغير» إلى التظاهر، ولا سيما ضد مشروع إصلاح القضاء الذي قدمته حكومة نتانياهو الملاحق في قضايا فساد عدة مفترضة. وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الحكومة على خلفية هذه القضايا, ووصل حد التراشق بين المعسكرين الصهيونيين الى مناطق خطيرة حيث اتهام غانتس لنتنياهو بأنه يجرّ (إسرائيل) إلى حرب أهلية، ودعوة أعضاء كنيست من «عوتسما يهوديت» لاعتقال غانتس ولبيد بالمقابل، بتهمة الدعوة لعصيان مدني على خلفية دعواتهما إلى الخروج للتظاهر و»زلزلة الدولة»، حسب زعيم «كاحول لافان» يائير لبيد, حتى وصل الخلاف الى الحديث عن ايديولوجيات مثل إدارة الدولة والديمقراطية والدين والدولة، فظهرت الخلافات في الكيان الصهيوني على قاعدة هذه القضايا المحملة بأبعاد أيديولوجية ديمغرافية إثنية وطائفية, الامر الذي دفع ما يسمى برئيس الدولة إسحق هرتسوغ لمناشدة الساسة الصهاينة وقف التراشق بين الحكومة الجديدة والمعارضة من يسار الوسط، وقال في تغريدة على تويتر «هذا توقيت حساس في الحياة العامة الإسرائيلية، أناشدكم، أيها الممثلون المنتخبون والمواطنون من مختلف الطيف العام والسياسي، ممارسة ضبط النفس والتصرف بمسؤولية، نحن بحاجة إلى تهدئة الأمور وخفض درجة الحرارة (في الخلاف السياسيّ).

إلى هذا الحد احتدم الخلاف بين المعسكرين الصهيونيين, الإجابة نعم والأحداث ستتصاعد خلال المرحلة المقبلة لا «إسرائيل» ترسم مستقبلها السياسي في المنطقة أما وفق قواعد تلمودية ملغومة, وأما وفق سياسة ترغب بها الإدارة الأمريكية تعطي «إسرائيل» مساحة للمناورة في المنطقة ومواصلة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية وافريقيا, وفك عزلتها تماما وإقامة تحالفات لخدمة مصالح «إسرائيل» والإدارة الامريكية ودول الغرب, فاين التأثير الفلسطيني الرسمي والتأثير العربي والإسلامي الذي يمكن أن ينمي حالة الخلاف بين المعسكرين الصهيونيين اللذين يحملان مشاريع كارثية على شعبنا وأمتنا احلاهما مر, ومهمتنا ان نمنع تنفيذ تلك المشاريع والأطماع الصهيونية بأوراق القوة التي بيدنا, وحدتنا كفلسطينيين, عروبتنا, عالمنا الإسلامي, لكن حالة التردد والخوف تنتاب الجميع, ولا يريد احد ان يغامر في مواجهة إسرائيل خوفا من تبعات تلك المغامرة, حتى عندما تصفعكم إسرائيل في عواصمكم لا نسمع الا عبارة «نحن نحتفظ بحق الرد وسنرد في الوقت والزمان المناسبين» ولا أدري متى يأتي الوقت والزمان المناسبان فنحن ننتظرهما منذ عشرات السنين, «إسرائيل» تعتبر نفسها انها امام مرحلة مفصلية وفيها تحدٍ تاريخي يرسم صورة «الدولة» ويضع سياسات جديدة اكثر تطرفا في مواجهة الفلسطينيين وتمدد المشروع الصهيوني في المنطقة, ونحن كفلسطينيين وعرب ومسلمين لو آمنا بأنفسنا وقدراتنا وثقلنا في العالم, نستطيع تغذية هذا الخلاف الصهيوني المحتدم, والذي وصل لحد قول هرتسوغ في بيان: «نحن في خضم خلاف عميق يمزق أواصر أمتنا. وهذا التنازع يثير قلقي بشدة.. تماماً كما يقلق كثيرين في أنحاء إسرائيل وفي الشتات اليهودي» إنها النار التي تلتهم جدران المعسكرين الصهيونيين.. تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.