الحرائق
تاريخ النشر : 2022-12-31
الحرائق

بقلم: زياد محمد حسن مخيمر

فوبيا جديدة تجتاحني لتنضم إلى سلسلة المخاوف الأبدية، الحريق الهائل الذي حدث قبل فترة وأودى بحياة أكثر من عشرين شخصاً لم يزل يلقي بظلاله على حياتي..

_ بديش ولا شمعة في البيت أنا متنازل عن عيد ميلادي.
_ وعيد زواجنا ورأس السنة وعيد الأم
_ يوووه مش حنخلص عاد الا لما الأعياد اتخلص علينا..

ما أسوأ أن يتحول عيد الميلاد إلى كارثة، ما أصعب أن تضيء شمعة لتنطفىء أنت، لا أحد يدري أن الضحكة التي ترتسم على الوجوه ربما يكون من خلفها مقبرة قيد الإنشاء، من يمتلك الجرأة ليوقف هذا الخوف عندما يستولي عليك ويستعبدك؟

الخوف على غيرك هو ما يعنيك أكثر من نفسك في هذا البلد العاجز، العاجز تماماً حتى عن مظاهر الإنتماء للخوف، إنهم يشعرون أن الحرائق أقل وطأة من اشتعال اليأس وأن النيران أكثر دفئاً من أحلامهم التي لا تتحقق..

_ بديش طناجر كهربا في البيت أنا.
_ يعني أشوي صينية الكفتة عا الاستشوار.
_ أحسن ما ننشوي احنا افهميني ما في حدا في العالم عنده طناجر كهربا إلا احنا في غزة
_ وبلاش فرن الغاز، خلاص بقليهن بالزيت.
_ لاااااا
تذكرت الزيت مع عجلات الكاوشوك، ماذا سيحدث لي لو وقع الزيت على جلدي وصرت أصرخ طالباً النجدة وما من أحد هناك، لا أحد ينقذني، سيحاول البعض القفز من الشبابيك ولكن جدار الحماية سيمنعهم، غدا سأزيل شبابيك الحماية، متى سيأتي الغد لأفعل ذلك؟ ..
_ انت ناسي الولد مش خايف ينط من الشباك مش شايفه قديش شقي.
_ آه
_ مش بيكفي بطلنا انشغل الدفاية انذبحنا من البرد.

البرد .. آه من قسوة الشتاء، صوت سيارات الدفاع المدني يقلقني، البرد قارس، المطر يهطل بغزارة، المدينة تغرق،
_ ألو ما ادريتش شو صار مع أبو مسعود.
_ ماله .. انحرق!
_ له يا راجل بيتهم غرق وهو البقاء لله.

الموت يأتي من تحت الأبواب، المطر الذي يبعث على الحياة قد يستهويه الغدر أحياناً، الموت الماكر يخلط الأوراق، يأخذك في اتجاه ثم يأتي إليك من اتجاه آخر، يكاد يسلب ويسطو دون هوادة حتى الأشياء الجامدة من حولي.

الملاعق تصدأ، ضلفة الخزانة تتآكل، زجاج النافذة يتحطم، الشاب الرشيق يصير كهلا، كل شيء له نهاية، نعم كل شيء ينتهي إلا تلك الأشياء المثمرة التي نزرعها في نفوس الآخرين دون مقابل ..