قصة الأديداس
تاريخ النشر : 2022-12-11
قصة الأديداس


قصة الأديداس

بقلم: محمد بكر البوجي

قرر السفر إلى الأردن عبر الجسر لزيارة أخته هناك، أخر مرة رآها قبل عشرين عاما عندما ودعها عروسا إلى هناك، قال لأولاده كل واحد يطلب طلبا واحدا فقط ، هدية له، الابن الأكب، عايز حذاء كرة قدم من نوع أديداس أصلي، حاضر ولا يهمك.

مدينة عمان جميلة تتوافر فيها كل أسباب الحياة الراقية ، الأب أحب الحياة هناك، لكن الأولاد والعمل يلزمه العودة أيضا عن طريق الجسر، في الليل رتب حقيبته ، وضع كل الهدايا منها حذاء لاعب الكرة، ياااه، الجو شديد الحرارة ويبدو أن الجسر مزدحم هذه الأيام بسبب عودة الموظفين من الخليج، تحمل عبء السفر مهمة شاقة خاصة السفر عبر الجسر إلى غزة.

دخل وختم البطاقة الزرقاء وورقة الشوا في الجانب الأردني ثم ركب الباص إلى الجانب الآخر حيث وجود جنود الاحتلال، انتظر طويلا داخل الحافلة، الجو شديد الحرارة نحن في شهر أغسطس ومنطقة الغور الفلسطينية منخفضة تحت سطح الأرض، بل يقول الجغرافيون أنها أكثر منطقة منخفضة في العالم حيث يبلغ انخفاضها حوالي 864 قدما تحت سطح البحر، اسمها الًأصلي قبل أحد عشرة ألف عام، مدينة القمر، وهي أقدم مدن العالم، منطقة شديدة الحرارة، الشمس حارقة والجو خانق، جنود الاحتلال يهمهم شيء واحد هو دقة تفتيش شنط المسافرين الفلسطينيين بأجهزة حديثة، تدخل، تختم الأوراق ، تخلع نعليك ، تضعهما في صندوق خاص للتفتيش ،تذهب أنت باتجاه أخر، تدخل غرفة خشبية ضيقة جدا، يدخل عليك جندي يحمل جهازا يزن إذا معك شيئا ممنوعا، تخلع كل ملابسك عدا رداء المنطقة الحساسة، يضع الجهاز في كل أنحاء جسدك ثم بين الفخذين تخوفا من أنك تهرب سلاحا بينهما، هذا ما يحدث أيضا مع النساء الفلسطينيات، التفتيش بالجهاز تحمله مجندة قادمة من روسيا أو بولندا أو رومانيا أو أوكرانيا، المهم شكلها لا يوحي أنها ابنة المنطقة، ترى جسد الفتيات الفلسطينيات وملابسهن الداخلية، إحدى المسافرات ونحن بالسيارة كانت تهمس لعجوز تجلس جوارها: أنها أطلقت من فمها صفارة مدهشة عندما رأت جسدي أبيض فارع وملابس حساسة غالية الثمن، خرجت وعادت معها جندية أخرى ، أصيبت الأخرى بالدهشة، فلسطينية وبهذا الجمال، تكلمت بالإنجليزية، الصبية صامتة لا تتكلم ، كيف تتكلم وهي أسيرة غرفة ضيقة تمرر الجهاز على جسدها قطعة قطعة ، خوفا من تهريب سلاح للفدائيين، انتهينا من كل الاجراءات الجسدية، حملنا شنطنا للتفتيش الأهم.

رفعت شنطتي على الطاولة الخاصة، تقف جندية خلف الطاولة مدربة على تفتيش مختلف تماما ، تضع الممنوعات فقد صادرت علب أقلام الرصاص وزجاج المناكير لأن داخلها غامض، الجندي المجاور لنا ينظر إليها دوما، يبدو أنه لاحظ حذاء الكره الأديداس، أصلي مرتفع السعر، وضعته على جنب للتفتيش كما وضعت بعض الملابس الداخلية التي اشتريتها هدية لزوجتي، انتهى تفتيش الشنطة ، جاء الجندي المجاور همس في أذنها، ابتسمت ، هزت رأسها بالموافقة، كتبت لي ورقة أن أذهب إلى غرفة رقم 28 عرفت أنها غرفة مخابرات احتلالية خاصة بأبناء غزة ، انتظرت على باب الغرفة حوالي ساعة لكن لا أحد فيها، إنها مغلقة، جلست مقابلي مجندة تدخن سيجارة، نظرت إليها مبتسما، وقلت: هل أنت من أوكرانيا أم من بولندا أم من روسيا أم من رومانيا؟ نظرت إلي بعمق وقالت: أنا من هنا مولودة في كيبوتس، قان يبنا، أبي من بولندا وأمي من رومانيا ، هل أنا جميلة إلى هذا الحد حتى تسألني! ابتسمت وقلت: نحن بلديات ، أنا أيضا مولود في يبنا وقبر جدي في يبنا وقلت: نعم، بنات بولندا جميلات، أكيد تحملين باسبورت بولندي؟ قالت: نعم معي وأشارت بإصبعيها علامة النصر وهي تهز راسها، معي باسبورت بولندي والثاني من عزرائيل.

رجعت إلى طاولة التفتيش، ابتسمت في وجهي، أخذت الورقة مني وسمحت لي بأخذ الشنطة والخروج. حمدت الله كثيرا على الانتهاء بالسلامة، ركبت سيارة الأجرة المرسيدس إلى غزة، وصلت متأخرا بسبب إغلاق بعض الطرق، عملية فدائية قيل أن جنديا احتلاليا مات بانفجار لغم في سيارته العسكرية مما جعلنا نتوقف كثيرا على حواجز جيش الاحتلال، صباحا، فتح الأولاد الشنطة كل يبحث عن هديته، الابن الكبير لم يجد حذاء الكرة غالي الثمن، زوجتي لم تجد زجاجة العطر الثمينة ولا بعضا من الملابس الداخلية ، هززت رأسي، عملوها ولاد الكلب، سرقونا.