كتابة القصة وتكامل المعرفة
تاريخ النشر : 2022-12-11
كتابة القصة وتكامل المعرفة


القصة ميدان لتكامل المعرفة

بقلم: سلامة عودة

إنَّ سياحةً لُغويّة في عالم القصّة القصيرة تفضي إلى معارف متعددةٍ ممزوجة في قالب واحد، فمن يتأملِ المكان الذي دارت فيه الأحداثُ يجد نفسه في جماليات المكان من حيثُ هندستُهُ المعماريّةُ والمدنيّة، ويجد اللّغة تنهد للوصف الدقيق لهذا المكان حتى يستحيل مجسداً أمام ناظريه في قالب جميل قد أعمل فيه الفكر حتى خرج بهذه الحلة القشيبة، فالتصميم والزخارف والعقود والأورقة، والبهو، وكل ذلك يدلّ على الجهد الهندسي المبذول في إخراجه، فالقاص يقف على الفن المعماريّ إن تقليدياً أو حديثاً، ومما لا شك فيه أن لكل تصميم سماتِهِ الكلاسيكية أو الحديثة، ولا يخفى ما للفن من دور في صياغة هذه الجملة البنائية التي خرج بها هذا المكان.

وينضاف إلى ذلك الموقع الجغرافي الذي تكون الأحداث فيه؛ كأن يكون في شارع أو بالقرب من مؤسسات أو بنايات لها ذاكرة تاريخية، فمن ينتقي الأحداث يكون همه استنطاق الزمن؛ كي يقدم الصورة المنطقية التي تتفق مع تطور الإنسان، وبهذا يكون المكان قد ساجل التاريخ والجغرافية والفن، وهي أدوات المهندس المصمم لهذا العمل المكاني الرائع.

ومن ديباجة المكان التاريخية والجغرافية نصل إلى ثقافة من يعمر هذا المكان، وهنا نجد علم الاجتماع يشمر عن سواعده؛ ليصف واقع الإنسان الذي يعيش في هذا المكان، فنجده يقف على حكايته وتطوره وفق معطيات جسدها المكان، ولا مرية في أن متعلقات الإنسان في علم اللغة الأنثروبولوجي لها دور في الكشف عن سيرورة حياته، وإلى أين باتت صيرورتها، ويتكامل علم الاجتماع مع علم النفس عندما يدرس علم النفس الألفاظ التي تبوح بها الشخصية من النسج اللغوي الكاشف عن ثقافته من حيث تلون المفردات، والمفردات تحمل في طياتها ذاكرة الزمان والمكان، وهنا يعمد القاص إلى توظيف المفردات الدائرة في الشارع اللغوي ومعمول بها، فلا يعقل أن يجعل الشخصية تتحدث عن مواقع التواصل الاجتماع، وترسل رسائل إلكترونية في زمن لم يكن قد عرفت فيه تلك التقنيات، أو أن يوظف مصطلحات تاريخية على لسان شخصية عصرية ما عادت موظفة في معرض الكلام العادي، إلا إذا اختلف زمن الكتابة عن الزمن الذي يريد الكاتب التحدث عنه، كأن يتحدث عن شخصيات عاشت عصر النكبة في أيامنا هذه ، فيلجأ إلى استحضار الشخصية في زمنها التاريخي ومكانه وجرس لغته.

وحتى تتكامل المعرفة في القصة نجد الكاتب يتحدث عن الواقع الاقتصادي والسياسي المحيطين بالشخصية أو بالشخصيات، وفي الأغلب الأعم نجد القاص يركز على الشخصية الدائرية أو النامية، وتكون الشخصيات الثانوية معززة للشخصية الرئيسة أو النامية أو الدائرية، وأطلقنا عليها الشخصية الدائرية لأننا نراها من وجوهها كافة في الرواية، ونراها بوجه أو وجهين في القصة.

وإذا مخرنا بسفينة المعرفة نجد تكامل المعرفة في آلية التعاطي مع البحث العلمي الذي يعد ركيزة التطور، فالبحث يقوم على الإحساس بالمشكلة ويبحث لها عن حل، وما القصة إلا عقدة أو مشكلة يبحث لها عن حل، وتكون نهاية القصة كاشفة عن حل للعقدة، كما هو الحال في البحث العلمي ونتائجه.

ومن هنا نجد أن اللغة وعاء الفكر يتجلى فيها التكامل المعرفي، ويجعل القاص أو الأديب يخوض في كل بحار المعرفة أنى كان مشربها، ويرعف بقلمه كي يكتب عن قضية اجتماعية يخرجها نفسياً وعاطفياً شعراً يدغدغ العاطفة أو يكتبها خاطرة، ولكن تكامل النظرة الأدبية تبرز في كتابتها قصة التي تكون في لغتها تقترب من الشعر سجعاً وموازنة، أو إلى الخاطرة رؤية ورسالة أو إلى ميدان المعرفة تكاملاً وفكراً.