الطفلة الحزينة
تاريخ النشر : 2022-11-28
الطِّفْلَةُ الْحَزِينَة

قِصَّةٌ قَصِيرَة

بقلم: علا حسب الله غازي أبو العطا

كَانَتْ هُنَاكَ طِفْلَةٌ اسْمُهَا نَدَى وَهِيَ طِفْلَةٌ حَزِينَةٌ دَائِماً صَامِتَةٌ لَا تَتَكَلَّمُ مَعَ أَحَدْ وَلَكِنَّهَا دَائِماً تَتَأَلَّمُ وَلَا تَذْكُرُ سَبَبَ هَذَا الْأَلَمْ  هَلْ هَذا الْحُزْنُ نَابِعٌ مِنْ مَرَضْ ؟! أَوْ مِنْ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ أُخْتِهَا الْكُبْرَى ؟! كَانَتْ هَذِهِ الْأُخْتُ مُتَسَلِّطَةً عَلَى الطِّفْلَةِ الْحَزِينَةْ وَ كَانَتْ دَائِماً تَصْرُخُ فِي وَجْهِهَا وَتَقُولُ لَهَا : " اِفْعَلِي هَذَا وَ هَذَا وَذَلِكَ -  بِصَوْتٍ عَالٍ -  وَمَا عَلَى الطِّفْلَةِ الْحَزِينَةِ إِلَّا أَنْ تَقِفَ صَامِتَةً وَتَفْعَلَ كُلَّ مَا تَقُولُهُ لَهَا أُخْتُهَا فِي صَمْتٍ وَحُزْنْ تَفْعَلُ هَذَا لَيْسَ بِدَافِعِ الْحُبِّ لِأُخْتِهَا وَلَكِنْ بِدَافِعِ الْخَوْفِ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَمِسْكِينَةٌ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لَهَا : " لَا لَنْ أَفْعَلَ مَا تَقُولِينَهُ لِي " وَالْأُمُّ حَزِينَةٌ لِهَذِهِ الطِّفْلَةِ الْمِسْكِينَةِ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ شَيْئاً وَتََقُولَ لَهَا : " يَا ابْنَتِي تَحَدَّثِي مَعَنَا تَكَلَّمِي عِيشِي حَيَاتَكِ مِثْلَ بَقِيَّةِ الْبَنَاتِ اللَّائِي فِي سِنِّكِ يَلْعَبْنَ وَيَمْرَحْنَ وَيَتَكَلَّمْنَ مَعَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ بِكُلِّ جُرْأَةٍ وَشَجَاعَةٍ لِمَاذَا أَنْتِ هَكَذَا يَا ابْنَتِي ؟!!

لِمَاذَا لَا تَكُونِينَ مِثْلَهُمْ تَلْعَبِينَ وَتَتَكَلَّمِينَ وَتَفْرَحِينَ ؟!!! " كُلُّ هَذَا وَمَا زَالَتْ نَدَى صَامِتَةً لَا تَتَكَلَّمُ بَلْ كُلُّ مَا عَلَيْهَا أَنْ تَبْتَسِمَ فَقَطْ مَعَ أَنَّهَا حَزِينَةٌ مِنْ دَاخِلِهَا وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ ذَهَبَتْ نَدَى الْحَزِينَةُ لِتَنَامَ فِي فِرَاشِهَا بِجِوَارِ أُخْتِهَا كَعَادَتِهَا وَكَانَتْ أُخْتُهَا نَائِمَةً فَاسْتَيْقَظَتْ فَجْأَةً وَصَرَخَتْ فِي وَجْهِ نَدَى بِصَوْتٍ عَالٍ قَائِلَةً لَهَا : " لَا تَنَامِي بِجِوَارِي لَا أُرِيدُكِ أَنْ تَنَامِي بِجَانِبِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ اِذْهَبِي وَنَامِي فِي مَكَانٍ آخَرَ اذْهَبِي " فَوَقَفَتِ الطِّفْلَةُ الْحَزِينَةُ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَلْفُظَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ حَتَّى بِحَرْفٍ وَاحِدٍ ظَلَّتْ تُفَكِّرُ وَتَقُولُ : -  فِي نَفْسِهَا – " مَاذَا أَفْعَلُ ؟! أَيْنَ أَنَامُ ؟! هَلْ أَنَامُ عَلَى الْأَرْضِ فِي هَذَا الْبَرْدِ ؟! أَمْ أَنَامُ بِجِوَارِهَا ؟! وَلَكِنْ رُبَّمَا تَضْرِبُنِي وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهَا : لَا " دَخَلَتِ الْأُمُّ فَجْأَةً فَوَجَدَتْ نَدَى سَاهِمَةً كَالزَّهْرَةِ الْحَزِينَةِ فَصَرَخَتْ فِي وَجْهِ ابْنَتِهَا الْكُبْرَى وَقَالَتْ لَهَا : " لِمَاذَا تَفْعَلِينَ بِهَا هَكَذَا ؟! هَلْ لِأَنَّهَا مِسْكِينَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْكِ الْكَلَامَ ؟!

"وَحَذَّرَتْهَا قَائِلَةً: " إِيَّاكِ أَنْ تَفْعَلِي مَعَهَا ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتِ هَذَا لَأَضْرِبَنَّكِ ضَرْباً شَدِيداً إِنَّهَا مِثْلُكِ هُنَا لَهَا مِثْلُ مَا لَكِ وَلَيْسَ لَكِ الْحَقُّ فِي مُعَامَلَتِهَا بِهَذِهِ الْقَسْوَةِ فَأَنَا أُمُّهَا وَلَمْ أَفْعَلْ مَعَهَا مِثْلَكِ " وَقَالَتِ الْأُمُّ لِابْتِهَا الْحَزِينَةِ نَدَى : " تَعَالَيْ وَنَامِي فِي مَكَانِكِ وَأَنَا أُرِيدُ أُخْتَكِ أَنْ تَتَكَلَّمَ مَعَكِ وَاللّهِ إِنْ تَكَلَّمَتْ مَعَكِ لَأَفْعَلَنَّ مَعَهَا كَذَا وَكَذَا " فَجَاءَتْ نَدَى الْمِسْكِينَةُ وَنَامَتْ فِي فِرَاشِهَا بِجِوَارِ أُخْتِهَا وَأُخْتُهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ مَعَهَا وَنَامَتْ نَدَى فِي هُدُوءٍ وَسَلَامٍ وَمِنْ يَوْمِهَا تَعَلَّمَتِ الْأُخْتُ الْكُبْرَى كَيْفَ تَتَعَامَلُ مَعَ أُخْتِهَا الْحَزِينَةِ وَتَتَعَاطَفُ مَعَ حَالَتِهَا حَتَّى أَحَبَّتْهَا وَصَارَتَا تَلْعَبَانِ وَتَمْرَحَانِ وَتَعِيشَانِ فِي حُبٍّ وَسَعَادَةٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْأُمِّ الَّتِي حَرَصَتْ عَلَى أَنْ تَعِيشَ طِفْلَتُهَا فِي حُبٍّ وَوِئَامٍ وَأَمْنٍ وَسَلَامْ.