متى تنتهي الحرب يا بوتين؟
تاريخ النشر : 2022-11-27
متى تنتهي الحرب يا بوتين؟


هدير الضمير

متى تنتهي الحرب يا بوتين؟

بقلم: ياسين عبد الله السعدي

نوجه التساؤل إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه هو الذي بدأ الحرب وقال عنها إنها: (عملية عسكرية خاصة) أي (قرصة أذن) تتوقف عندما يحقق أهدافه من هذه العملية السريعة، كما ظن؛ وإذ به يجد نفسه وجيشه كأنه يغوص في مستنقع من الوحل عندما هبت دول الناتو لتزويد اوكرانيا بوسائل قتالية مختلفة وبكميات كبيرة تزداد كلما اشتدت وتيرة المعارك التي أرهقت الأطراف المشاركة والداعمة مما حدا بهذه الأطراف أن تستعين بغيرها من الدول لكي تستطيع مواصلة المشوار الصعب الذي هز مجتم دول الناتو حيث بدأت المظاهرات الشعبية تجتاح المدن الأمريكية والأوروبية وحتى الروسية كلها تندد بهذه الحرب التي جلبت الدمار في اوكرنيا وتدني مستوى المعيشة في كل دول حلف الناتو، بل وزرعت الخوف من مجاعة دولية تصيب المجتمعات والدول الفقيرة بسبب عدم تصدير الحبوب من اوكانيا وروسيا لأنهما تعتبران المصدر الأساسي لإنتاج الحبوب وملحقاتها.
 
لم يكن بوتين يظن أن الغرب جميعه سوف يقف إلى جانب أوكرانيا ويمدها بالمال وبمختلف الأسلحة التي كان لها التأثير الكبير في تغيير ميزان الحرب مما أجبر بوتين على تغيير خططه بعد أن أصيب بنكسات متعددة، بالرغم مما صبه من الصواريخ التي جعلت أوكرانيا تعيش في عصور الظلام الذي كان يسود العالم قبل الثورة الصناعية والاهتداء إلى مرحلة النور باختراع الكهرباء.

بوتين يكابر ويواصل متابعة الحرب حتى تحقيق أهدافه غير المحددة ب(العملية العسكرية الخاصة) كما أعلن في بداية هجومه على المقاطعات الأوكرانية الأربعة التي اجتاحها في بداية الهجوم ثم إعلان اعتبارها جزءا من الأراضي الروسية بعد إجراء الانتخابات في هذه المناطق لكي يؤكد أن الشعب في هذه المناطق ينادي بانضمامه الى روسيا الأم كما أعلن بوتين نفسه وقام بتغييرات ديموغرافية لكي يشعر المجتمع الدولي بصحة عمله.

لكن ما هي حقيقة ما قام به بوتين في أوكرانيا؟ إن السبب الحقيقي المباشر لهذه الحرب المجنونة هي إحساسه بأن حلف الناتو يعمل جاهدا على تطويق روسيا وتحجيمها بعد أن استعادت عافيتها وبدأت نهضة علمية وعسكرية وتطورا اقتصاديا بحيث استعادت مكانتها الدولية التي اهتزت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانضمت معظم كياناته السابقة الى حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة وذلك في مسعى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لتعزيز سيطرتها واستمرر تحكمها بالعالم اقتصاديا وسياسيا باعتبارها القوى العالمية الكبرى مجتمعة واعتبار الولايات المتحدة زعيمة العالم.

في السنوات العشرين الأولى من القرن الواحد والعشرين الذي نعيشه حدثت طفرة مذهلة في تطور الصين مما جعلها تفكر بتحالفها مع روسيا والدول المتطورة الأخرى كإيران وتركيا والبرازيل وحتى الهند وباكستان تسعى لتغيير النظام العالمي القائم الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الى نظام عالمي جديد يتخلص من سيطرة الدولار في المعاملات المالية الدولية وعملة جديدة تسود المعاملات المالية بين الدول. وقد بدأت بعض تلك الدول بتطبيق هذا النظام المالي بينها كما حدث بالتعامل بالعملة المحلية في التبادلات التجارية كما فرضت روسيا نظام تصريف البترول بالروبل وفعلت الصين الشيء نفسه في تعاملاتها، وقد أعلنت تركيا انها سوف تطبق هذا المبدأ.

يشعر الغرب بمخططات الدول المتطورة بانها تحاول الخروج من سيطرة الولايات المتحدة وتحكمها بالعالم اقتصاديا وسياسيا؛ وهكذا بدأت المؤتمرات الدولية تتوالى في كل البقاع والأصقاع وكلها تدور في هدف واحد هو استمرار الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة بقيادة العالم والسيطرة عليه ولذلك رأينا كيف تمردت بعض الدول على إملاءات الولايات المتحدة ورفضت إدانة الحرب الروسية على اوكرانيا في الأمم المتحدة وكيف رفضت منظمة اوبك الاستجابة لطلب بايدن تعويض البترول الروسي بزيادة انتاج النفط، لكنها رفضت بل قررت تخفيض الانتاج للمحافظة على أسعار النفط بالأسواق العالمية مما كان لطمة لإملاءات امريكا التي كانت تمارسها قبل زعزعة الأوضاع في العالم عامة وفي الدول الغربية خاصة، مما جعل بايدن يلجأ الى الاستعانة بمخزون النفط الاحتياطي بينما الغرب يتوجس خيفة من موجة البرد في موسم الشتاء المقترب لأن درجة الحرارة تتدنى الى الدرجات المهلكة التي تصل في بعض الدول إلى 20% تحت الصفر أو اكثر وفي اوكرانيا خاصة حيث يعيش السكان حياة الظلام بسبب انقطاع الكهرباء نتيجة الصواريخ التي دمرت كثيرا من البنية التحتية لمولدات الطاقة إلى نقص البترول الذي شحت موارده في اوروبا وإن تم الحصول عليه فبأسعار لا يقدر عليها إلا الأثرياء من الشعب والدول الغنية كألمانيا مثلاً التي استطاعت تأمين حاجتها من النفط.

يعيش العالم كله حياة الخوف من حدوث أمور تسبب كارثة انسانية لا يستطيع المرء أن يتصور فعلها في العالم الذي يعيش على كف عفريت تتراخى كفه عن صمام الأمان الدولي فتحدث الكارثة التي يحذر منها العلماء من كلا الطرفين وعندها نقول: على البشرية وعلى الدنيا العفاء ولن تنفعنا عبارات الشجب والاستنكار و(الإدانة الدولية) فهل ينقذ بوتين البشرية من الفناء؟
 
وأختم مقالي اليوم: كنت قد نشرت مقالا في جريدة القدس الغراء يوم السبت بتاريخ 18/12/2003م؛ صفحة 16بعنوان: متى تنتهي الحرب يا فوش؟ بدأته:

وفوش هذا ليس الرئيس الأمريكي الحالي؛ جورج بوش الابن؛ ولا هو بوش الأب؛ الرئيس الأسبق، كما قد يتبادر إلى أذهان بعض القراء الكرام. فلم أخطئ بالتهجئة، وليست غلطة مطبعية، وإنما هذا هو اسم المارشال الفرنسي الذي قاد جيوش الحلفاء إلى النصر النهائي في الحرب العالمية الأولى.

كان لفوش سائقه الخاص؛ كما هي الحال مع أي قائد ذي رتبة متقدمة. وقد تعود السائق في كل صباح أن يسأل المارشال فوش عن مجريات الحرب التي أمتد أمدها واشتد لهيبها، وعظم وقودها وحصدت أرواح الملايين من البشر، بالإضافة إلى ما حدث من الدمار في الممتلكات والبنيان.
 
كان السائق يسأل المارشال عندما يجلس في مقعده، ويستوي في جلوسه: متى تنتهي الحرب يا سيدي المارشال؟ لكن المارشال كان يظل صامتاً بعد أن ينفخ نفخة التأفف والضيق من السؤال والتبرم بالسائل؛ لأن المارشال لا يعرف نهاية للحرب. فيفهم السائق أن المارشال مثله تماما في هذا الموضوع؛ لا يعرف متى تنتهي الحرب، فيصمت بدوره؛ دلالة العجز عن استيعاب الأمر أو فهمه.
الحرب والنار: إشعال سهل وإطفاء صعب
بل يكون الأمر مستحيلاً أو شبه ذلك في أحيان كثيرة، حتى تأتي النار على كل ما في طريقها وتلتهم الأخضر واليابس. 

فالنار يمكن إشعالها بمجرد حك عود الثقاب، أو قدحة من ولاعة صغيرة أو حتى من إلقاء عقب سيجارة. وقد تكون متعمدة، أو قد تكون بسبب الإهمال، أو من خلل ما، فتبدأ صغيرة متواضعة، ولكنها تكبر حتى تصل إلى مرحلة تصعب السيطرة عليها؛ كما يحدث في حرائق الغابات في البلاد التي بها نعمة الغابات، وكما حدث قبل أسابيع في أمريكا؛ وما حدث في الصين؛ حيث اعتبرت أكبر الحرائق عبر التاريخ؛ لأن النيران الأمريكية أتت على مساحات واسعة جداً منها، والتهمت حتى المساكن، وقتلت أناساً زادوا عن المائة من البشر، وتمت السيطرة عليها، بعد جهد جهيد، وبعد أن تركت خلفها آثار الدمار، وخلفت الأرض قاعاً صفصفاً، وجعلت الغابات أرضاً بلقعا، فغدت (كأن لم تَغْنَ بالأمس).