ويل لأمة تأكل مما لا تزرع
تاريخ النشر : 2022-11-26
ويل لأمة تأكل مما لا تزرع
علي أبو حبلة


ويل لأمة تأكل مما لا تزرع

بقلم: المحامي علي أبو حبلة
 
كان جبران خليل جبران رحمه الله يقول: "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع". رحل جبران عن هذه الدنيا قبل تسعين عاما، وما زال الويل يلاحقنا، لأننا لم نأخذ بكلام جبران الذي نسج للعالم نهجا اقتصاديا سليما، سلِمت الدول التي أخذت به وأعزت شعوبها، وسقطت دول تجاهلته وأذلت ناسها.

والمعنى من هذا الكلام واضح لا لبس فيه ولا يحتمل التأويل والالتباس، وينطبق على أمتنا العربية التي تواجه مصاعب غذائية واقتصادية وبطالة مستشرية وركود وتدهور اقتصادي رغم امتلالك أمتنا للثروة المالية ومقومات التكامل الاقتصادي، وكل هذا بسبب سوء التخطيط المتوارث الذي لم تفلح أي حكومة عربية في معالجته كما لم تفكر حكومات الدول العربيه في توحيد الجهود نحو التكامل الاقتصادي.

ولا شك أن الأمة لن تستقل بنفسها وتملك قرارها وبقيت محتاجة للغرب في كل شيء من طعامها ولباسها، بل سيظل التهديد بالحصار الاقتصادي واقعًا عليها دائمًا وتظل خاضعة لما يملى عليها من طرف المستعمر. وللأسف بعد تطبيع بعد الدول مع الكيان الإسرائيلي باتت سوقا استهلاكيا للمنتجات الصهيونية، وقد شاهد المواطن العربي كيف أن المنتوجات الصهيونية تغزو أسواق الخليج العربي وأسواق عربية.

فويل لنا إذا وجدنا أنفسنا مرهونين بنجاح أو فشل محاصيل الأرز والشاي في الهند وباكستان وسيلان، وارتفاع أسعار البن في البرازيل والقمح في أمريكا.. ولنفترض أن حربًا قامت في هذه الدول وتعطل تصدير هذه المواد الأساسية إلينا فماذا سنعمل؟ وماذا سنأكل؟ وهل سنعود لأكل «التوت والمتوت» كما يقول المثل السائر. في السابق وقبل أكثر من ثلاثين سنة كنا نعتمد على أنفسنا في المأكل والمشرب، فقد كانت في حدائق بيوتنا نخلة أو نخلتان وشجرة لوز، وفي ركن الحدائق والاراضي كنا نزرع بعض الخضروات.. فكنا نأكل من هذه الثمار، وكانت في بعض البيوت أو أكثرها تربى الأغنام والدجاج والبط وما شابه ذلك وكنا نأكل من لحومها وبيضها ونشرب حليبها، لكن اليوم في ظل ما نسميه التكنولوجيا اختفت تلك الأمور من منازلنا، وأصبحنا نعتمد على اللحوم المستوردة والألبان المبسترة والتي تسبب الكثير من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل.

أي أننا بعبارة أخرى أصبحنا أبعد ما نكون عن الاستقلال الاقتصادي الذي يعني تحقيق إنتاج حقيقي في السلع والبضائع لتغطية حاجات المجتمع وتصدير الفائض منه.. لكن - للأسف - أن معظم دولنا العربية إن لم تكن جميعها مازالت تعتمد على الشرق والغرب في توفير كل شيء، بعد أن كانت قبل سنوات ليست بالبعيدة تنتج وتنسج وتحصد، وأصبح المواطن العربي يبحث عن لقمة العيش ولو كانت مغموسة بالدم والفساد.

ولم يكن ليصل الشعب العربي لهذه الحال، إلا بسبب سياسات اقتصادية وتنموية خاطئة وخطط واستراتيجيات مشوهة وفاشلة! ومن الطبيعي أن يصل حال العرب إلى ما آل إليه وضعهم، حيث انعدام الاستقرار الاجتماعي، وتفشي الفقر والبطالة والجوع، وكان ذلك سببًا مباشرًا للثورات التي شهدتها بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة. كما أن تفشي الفساد المالي والإداري، وغياب القوانين والتشريعات الاقتصادية، جعل من البيئة الاستثمارية بيئة طاردة لرؤوس الأموال الوطنية قبل الأجنبية، وهذا أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية والمعيشية، كما حد من تحقيق الاستقلال الاقتصادي المنشود وباتت التبعيه عنوان المرحله الراهنه تبعها مصادرة القرار السيادي والقبول بلاملاءات كتلك التي شهدناها مؤخرا في فرض التطبيع على الدول العربيه التي طبعت مع الكيان الصهيوني قسرا حيث انصاعت الامارات والبحرين والسودان لعقد اتفاقات التطبيع مع الكيان الغاصب.

من هنا فإن الدعوه لاستنهاض الأمة العربية من سباتها من خلال مشروع قومي يعيد للأمة العربية أهميتها وتعيد لها كرامتها وعزتها باتت أولوية وتتطلب الخروج من حالة التردي والاستبداد، وتعيد وضع استراتيجيات اقتصادية وسياسية جديدة وناجحة تخرجها من هذه الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة؟. وكل ذلك ضمن مجهود ما يبذله نادي القوميين العرب بمشروع قومي نهضوي ويتطلب تعبئه فكرية ووعي وإدراك سياسي لضرورة توحيد عالمنا العربي يحفظ له كينونته ويعيد له هيبته واحترامه بين دول العالم.