نحن الفلسطينيون نقاوم حتى بمشاعرنا
تاريخ النشر : 2022-11-24
نحن الفلسطينيون نقاوم حتى بمشاعرنا
منى الفارس


نحن الفلسطينيون نقاوم حتى بمشاعرنا
 
بقلم: منى الفارس

ليلة البارحة كتبت على صفحتي تهنئة لابن عمي لخطوبة ولده واستقبلت المهنئين بالفرح والابتسامة، وكان علي الرد على كل التعليقات بفرح وسعادة. بعدها بلحظات أُفاجأ بخبر ارتقاء شقيق زميلتي الشهيد أبو حمدي حرز الله، بعد رحلة معاناة مع الألم جراء إصابته بعيار ناري أثر اشتباكات مسلحة في حارة الياسمين في مدينة نابلس ألمني وأوجعني الخبر كثيراً، فكتبت الخبر لتعزية زميلتي، وكذلك استقبلت التعليقات المعزية التي تدعوا له بالرحمة والصبر لذويه وقابلت تلك التعليقات بحزن واسى وكان لا بدٍ من شُكر المعلقين المعزين.

هنا اختلطت المشاعر ما بين الفرح وما بين الحزن أو بالأحرى مشاعر الحزن سرقت مني مشاعر الفرح.
هنا في فلسطين وطننا الذي المكلوم والذي تأتي الينا مشاعر الفرح برهةً لتاتي مناسبة حزنٍ تسرقها وتصهرها. لتسيطر علينا مشاعر ربما يطلق عليها أو يتهم صاحبها بالازدواجية والتناقض أو النفاق، فيشاهدك من حولك فرحاً تهنئ، وبعد لحظات تشاهد وانت تعزي وتحزن. لا نحن لسنا متناقضين ولا منافقين في مشاعرنا، نحن شعب كتب علينا القدر أن نتألم مع كل الم يوجعنا، في نفس اللحظة نرزق ببسمة تُحينا وتزرع فينا الإرادة والعزيمة لنقوى ونستمر في ركبنا المقاوم.

فيك يا وطني تعددت المشاهدة المؤلمة والمشاهد المفرحة وخير دليلاً على تلك المشاهد مشهد يتكرر مع أسرانا البواسل اللذين يمضون في المعتقلات الاحتلالية سنين من العزل والحرمان عن احبابهم وعائلاتهم فجاءت لهم الأقدار ببسمة أمل فرحة، تتشكل في تهريب نطفهم لتزرع في ارحام زوجاتهم ليبعثوا الحياة بأطفال يرزقون بهم يجلبون لهم السعادة والامل في زنازينهم وتقوي ارادتهم وتبشرهم بحياة جميلة تنتظرهم خارج القضبان تريدهم ان يحيوا بعزيمة لينتصروا على هذه المحنة التي يعيشونها ليحظوا بالفرج الذي سيجمعهم بأحبائهم اللذين ينتظرونهم خارج المعتقلات. 

ونقيس على هذا المشهد مشهداً آخر وهو مشهد عقد قران وخطوبة أسير لحظة إصدار الحكم عليه لسنين طويلة، لتجد خلال هذه اللحظة بإطلاق الزغاريد لوجود فتاة في جلسة الحكم متيمة به تصرخ باعلا صوتها إنها تهبهُ نفسها زوجةً ستنتظره كل هذه السنين بحب وإخلاص لأنهُ يستحقها بجدارة الفارس البطل. فهي بهذا القرار تزرع به العزيمة والآمل وتبشره أن له حياة سعيدة وأناس يعشقونهُ ستحقون أن يكون لأجلهم قويا صامداً لينتصر على سطوة السجان وظلمه.

هنا في وطني تشاهد جنازة مهيبة لشهيد تسير بها وتهتف للشهيد وتزغرد له وتواسي اهله بدموعٍ حزينة لوجع اهله، لتنتهي مسيرة الجنازة، لتواصل بركبيك عائداً لمنزلك لتحضر نفسك للذهاب الى زفاف ولدك او قريباً لك يستحق الوقوف معه في هذا اليوم لتسانده في فرحه او أن تذهب لمباركة جار او قريب لتهنئته بمناسبة ان الله رزقه بمولودِ بعد فترة من الانتظار المشوق.

نحن في وطني نحتفل بشهدائنا فنصفق ونغني ونزغرد احتفاءً بهم كاحتفائنا بزفاف شبابنا لأن الشهادة لا تعني لنا الموت والنهاية، بل تعني لنا الحياة الخالدة والفوز العظيم في الجنة، وذكرى فخرٍ لذويهم وأبناء وطنهم.

فرغم تعدد المشاهد وتلونها فنحن لسنا متناقضين لكننا شعبا تجاوز مرحلة الوقوف والثبات على مشاعر قد تحبطنا وتشل إرادتنا وتقتل عزيمتنا، نحن شعبُ نقاوم بكل ما نمتلك من عتاد لنصل لأعلى درجات المقامة وهي المقاومة بمشاعرنا التي لن نتركها رهينة لمحتل يسيطر عليها وتكن سبباً في خنوعنا وإذلالنا، بل حولناها مصدراً نقوي بها عزيمتنا لنحقق ما نصبوا إليه من نصر واستقلال إن شاء الله.