حاجاتنا الصناعية في ظل الواقع المتأزم.. حوار مع عميد الصناعيين في الجنوب الفلسطيني الحاج حامد القواسمي
تاريخ النشر : 2022-11-10
حاجاتنا الصناعية في ظل الواقع المتأزم.. حوار مع عميد الصناعيين في الجنوب الفلسطيني الحاج حامد القواسمي
حامد القواسمي


حاجاتنا الصناعية في ظل الواقع المتأزم.. حوار مع عميد الصناعيين في الجنوب الفلسطيني الحاج حامد القواسمي

حوار: د. نزار الحرباوي - مستشار إعلامي 

مع استمرار الأزمة العالمية في خريطة تمتد يوماً بعد يوم، وبعد تكاثر أشكال الصراعات الدولية على مستوى خريطة العالم، كان لا بد من لقاء الخبراء وأصحاب المعرفة والتجربة لنتحاور معهم حول ظروف الواقع الذي نعيشه، وحالة الخوف من المستقبل التي باتت تعتري العديد من الأشخاص حول العالم بسبب الأخبار المتتالية عن احتمالات تمدد الصراعات واتخاذها أشكالاً أكثر قسوة على الشعوب القريبة والبعيدة عن جغرافيا هذه الصراعات القائمة.

وفي هذا السياق؛ جمعنا لقاء طيب وصريح مع عميد الصناعيين الفلسطينيين في الجنوب الفلسطيني الحاج حامد الجدع القواسمي، حاورناه حول رؤيته للواقع العام، ومستويات التحيات القائمة، ورؤيته للمخارج الممكنة من هذه الأزمات الكبيرة والممتدة، وبعد ضيافته الكريمة والمعتادة، طرحنا عليه المحاور الآتية لقراءة موقفة ورؤيته منها:

-  بعد شكرك مجدداً على قبول القاء، نريد أن نعرف موقفك وتقييمك للواقع الحالي في المجال الاقتصادي؛ لا سيما في ظل المستجدات اليومية على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي؟

أهلا ومرحبا بكم مجدداً ، ودائما الإعلام شريك فاعل في مسارات التنمية، وهذه الزيارة الكريمة من طرفكم تعبير عن اهتمامكم ومسؤوليتكم تجاه مجتمعكم.

وإجابة على سؤالك الكريم ، فإن الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا على وجه التحديد، وما تبعها وسيتبعها على المستوى العالمي من حروب وصراعات وأزمات سيفرض على شعوب العالم واقعاً جديداً ، واقعاً متأزماً وصعباً بلا شك، حيث ارتفاعات الأسعار والتضخم والخلل في سلاسل التوريد والنقل البري والبحري والجوي، وحرب المعادن والموارد، وصراعات عمالقة المال والشركات العابرة للقارات.صورة لازمة.

من المهم أن يعلم الجميع أننا أمام عالم متغير بشكل سريع ، فأوروبا بكاملها على شفير الانهيار بداية بألمانيا وبريطانيا والدول الراسخة في أوروبا وانتهاء بالدول الصغيرة وذات الموارد المحدودة جداً ، وهذا معناه وجود تحالفات دولية جديدة ، ومراكز قوى جديدة ، ومواقع نفوذ اقتصادي جديدة كلياً، وهذا بالطبع سيؤثر على الواقع الاقتصادي لدينا ولدى كل الشعوب في العالم .

-  عذرا على المقاطعة، ولكن الكل يتحدث عن أهمية الالتفات للصناعة وتوطينها لتغطية احتياجات الواقع، بعيداً عن المجاملات والكلام الدبلوماسي والعام؛ هل يمكن فعلاً تحقيق ذلك؟

أشكرك على طرح هذا السؤال وعلى الصراحة فيه، توطين الصناعة أمر مهم بكل تأكيد، ولكن هذا الشعار الكبير يحتاج جهوداً كبيرة، وتنسيقاً حقيقياً بين وزارات الدولة ، لتأمين الموارد الأساسية للسلع والمنتجات التي يمكن لهذه الصناعة أن تنتجها للاستغناء عن الاستيراد الخارجي، وهناك دور للجامعات والمعاهد وكليات البحث العلمي، ولاتحادات رجال الأعمال والغرف التجارية، لتشكل الرؤية الجماعية والجامعة لكيفية ترجمة هذا الشعار بشكل يجعل التوطين الفاعل للصناعة ممكناً وقابلاً للتطبيق.

وحتى أكون صريحاً في هذا المجال فإن هذا التنسيق مفقود بشكل كبير، لا سيما في التنسيق المباشر بين هذه المسميات والوزارات والاتحادات والغرف التجارية والقطاع الصناعي والزراعي مفقودة أو تكاد، وهي جهود مبعثرة غير مجدية، ولا يمكن لها برأيي أن تحقق أي شكل من أشكال الكفاية للشعوب في ظل أي أزمة قادمة.

-  من أين نبدأ برأيك، بواقع خبرتك الممتدة على مدى أكثر من أربعين عاماُ في مجال المعدات الصناعية والمولدات ومجالات الطاقة البديلة؟ وكيف ننجح في ظل المعيقات الكثيرة؟

البداية بكل تأكيد تكون من خلال أيقاد شمعة التفاؤل، والبدء بمشروع تنسيقي جامع لكل العقليات الموجودة في كل بيئة ومجتمع، بحيث تلتقي المؤسسات الأهلية والرسمية والعقول الأكاديمية والمبتكرون والشباب ، للبدء بصناعة الرؤية المتكاملة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعرفي الذي يمثل المنطلق للخطوات العملية على أرض الواقع.

-  هل هناك في فلسطين قدرة على تحقيق نجاحات حقيقية في مجال صناعة المعدات الصناعية أو توظيف المعدات الممكن استيرادها من الخارج؟

قد تستغرب إذا قلت لك إن حجم وكمية العقول الفلسطينية المبدعة لا تكاد تجدها في بيئات عالمية كبرى، ولكن التمكين لهذه العقول في المجالات التي تبدع فيها، من خلال احتضانها في المؤسسات الأكاديمية والحكومية والمؤسسات الصناعية يحد من قدراتها على الإنتاج.

لماذا لا نركز على توظيف هذه العقول في مجال الصناعة العصرية، وتأممين المعدات الصناعية والتكنولوجيا العصرية التي تحمينا من أزمات الطاقة القادمة، أو مجال الصناعة والزراعة والتحول الرقمي، بغير هذا الخطوة التي تدمج بين هذه العقول والبيئة الصناعة سنبقى نزرع في الهواء، ونحرث في الماء، ولن نحقق أي شيء عملي مثمر.

في مؤسستنا على سبيل المثال، ومن خلال تفاعلنا مع الجامعات الفلسطينية في استقبال المتدربين والراغبين بتطوير قدراتهم وخبراتهم، أقول بكل ثقة أن الجيل الشاب اليوم ينتظر الفرص الحقيقية للدمج بين عقولهم وبين المؤسسات الحاضنة لهم لتطوير عقولهم وإمكاناتهم ليبدعوا في فلسطين في كل المجالات.

-  لماذا لا نسمع عن مشروعات وحدة العقول الصناعية لتأسيس نقابات فاعلة تفرز مجتمع مهتم في المجال الصناعي الذي هو العمود الفقري في الحياة؟

سؤال ممتاز وعقلاني، ولكني أظن أنن توجيهه للجهات الرسمية وحاضنات الأعمال وملتقيات واتحادات رجال الأعمال يكون أجدى عزيزي، فهؤلاء هم المسؤولون والمعنيون بالإجابة عن هذه التساؤلات.

- هل الكليات الجامعية والمؤسسات التعليمية والمدارس الصناعية التي تتعاملون معها منذ أكثر من أربعة عقود تعطي الجيل المنشود في مجال فهم المجال الصناعي وقادر على التعامل مع متطلبات اليوم؟

بكل تأكيد، ولكن مع التشديد على أهمية دمجهم الفعلي بين ما أخذوه في الجامعات من العلم النظري وبين المؤسسات الصناعية التي تعطيهم الفرصة لتحصيل التجربة العملية وربط ما تعلموه في الجامعات وتجربته بأيديهم بشكل عملي، فهذا يؤهلهم لدخول السوق بكل ثقة وقوة. 

-  قابلت عدداً كبيراً من الشباب خلال الفترة السابقة من الأصدقاء والمعارف وطلبة الجامعات، وسؤالهم الاقتصادي الكبير كان: كيف ننجو من القادم؟ فهل يرى الحاج حامد سليمان القواسمي أن المسؤولية هنا بالإجابة على هذا السؤال المنطقي فردية أم مؤسسية؟

للنجاة من الظروف القاهرة لا بد من البحث عن الحلول الابتكارية والاستثنائية، والبعد عن الارتجال والعمل الفردي، وعنصر الشباب هو أساس نهضة أي مجتمع، ومجتمعنا الفلسطيني مليء بالطاقات الشبابية كماً ونوعاً، ولهم جميعاً أقول: لا بد من التخصص، ولا بد من القوة في تخصصاتكم الجامعية، ولا بد أن تدمجوا ذلك كله بعلاقات قوية وحقيقية مع القطاع الخاص والمؤسسات الصناعية والتنموية الحقيقية وذات الرؤية، لا يمكن أن نصل لمرحلة السلامة في المستقبل ولو بالحد الأدنى إلا من خلال تكامل الجهود بين الجامعات والوزارات والمؤسسات الأهلية ومؤسسات الصناعة، وأن لا نكرر التجارب الفاشلة، بحيث نكون سوياً نعمل لتحقيق رؤية واحدة في النهضة والتقدم ، وبها فقط يمكن النهوض بالواقع نحو تأمين السقوف الدنيا لمتطلبات المستقبل المزدحم بالتقلبات.

-  كعميد للصناعيين في الجنوب الفلسطيني؛ وبواقع خبرتك وتجاربك؛ ما هو دور الحكومة في تعزيز الدعم الخاص بالأسر على المستوى الزراعي والصناعي وتأمين المواد الخام اللازمة لتوطين الصناعة والزراعة لتلافي ما يمكن تلافيه من الأزمات؟

سؤال وجيه وفي وقته، الحكومة مسؤولة بشكل مباشر كونها العنوان للمجتمعات والقادرة على التواصل مع الدول والمجتمعات العالمية في تأمين فرص العمل النوعية، وفتح المجالات أمام التقنيات ووسائل الإنتاج والتعريف بالواقع العالمي بكل مجالاته بما يحقق مصلحة الشعوب.

الحكومة مسؤولة عن البعد المعرفي، ونشر الوعي بالمستجدات وتقلبات السوق والمحاذير والمخاطر الموجودة عالمياً وإقليميا، والتنويه لمجالات الحاجة المجتمعية في المجال الاقتصادي، وإبرام الاتفاقيات التي يحتاجها المجتمع في مجالات تأمين الموارد والمواد الخام وتيسير العمل أمام المؤسسات الصناعية من خلال تطبيق برامج الحوكمة المؤسسية الرشيدة وأنظمة صناعة التحول الرقمي والتكنولوجيا العصرية وهو ما ينقل المجتمعات لمستويات تفكير مميزة، وتجعلها قادرة على تحقيق كفايتها المعرفية والخبراتية والصناعية التي تشكل العمود الفقري للمجتمع في كل حالاته، لا سيما في ظل التقلبات الدولية الحاصلة.

- الحاج حامد سليمان الجدع القواسمي عميد الصناعيين في الجنوب الفلسطيني، لك كل التقدير على هذا الوقت الذي خصصته لنا وعلى هذا الحوار الشيق والممتع والمفيد، والذي يسعدنا أن نوجه للشباب الفلسطيني على وجه التحديد ليكون منارة له في مستقبله؛ لا سيما في ظل الظروف الحالية.