الحاكمُ الاسلامِيُّ بينَ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَشْروعِيَّة
تاريخ النشر : 2022-10-04
الحاكمُ الاسلامِيُّ بينَ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَشْروعِيَّة
زعيم الخيرالله


الحاكمُ الاسلامِيُّ بينَ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَشْروعِيَّةِ

بقلم: زعيم الخيرالله

هناكَ اِشكالاتٌ تُثارُ حولَ أَئِمَّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام الذينَ حكموا المسلمين وأخصُّ منهم علياً (ع)، والإمام الحسن (ع)، والإمام الرضا(ع)، النصوصُ التي وردت عن الإمامِ عليٍّ عليه السلام الذي جاء إلى الخلافة من خلال ثورةٍ شعبِيَّةٍ أسقطت الخليفة عثمان وجاءت بعلي عليه السلام، في الكتاب الذي بعثهُ (ع) إلى معاوية، يقول عليٌّ عليه السلام: (اِنَّهُ بايعني القومُ الذينَ بايعوا أَبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ على مابايعوهم عليه، فلم يكن للشاهِدِ أَن يختارَ، ولا للغائبِ أَنْ يَرُدَّ، وانَّما الشورى للمهاجرينَ والأنصار، فإن اجتمعوا على رجُلٍ وَسَمَّوهُ إماماً كانَ ذلكَ لله رضا). "شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد،ج14،ص35".

قد يَظُنُّ البعضُ أَن هذا الكتاب إلى معاوية يرينا أن الإمامَ علياً (ع) يقول بأنَّ شرعِيَّةَ الحاكمِ الإسلامي شرعية انتخابية؛ وبالتالي ينتفي القولُ بالنص على الإمام علي (ع) وبقية أئمة أهل البيت عليهم السلام، كما تقول الشيعةُ.

ولكنَّ هذا الكلامَ ليسَ دقيقاً؛ لأن الكتاب جاء في سياق الرد على معاوية الذي كان يؤمن بخلافة من سبقوا علياً عليه السلام؛ فهو من باب "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم"، هذا أولاً، وثانياً: هناك خلطٌ بين الشرعيَّةِ والمَشروعيَّةِ، الشرعيَّةُ مصدرُها عُلويٌّ سماويٌّ الهِيٌّ، والمشروعية مصدرُها سُفْلِيٌّ أَرضِيٌّ بَشَرِيٌّ، الشرعيَّةُ مصدرُها اللهُ تعالى، بينما المَشروعِيَّةُ مصدرُها البشر، وأعني بالمشروعية، المقبولية ودعم حكمه من قبل الأمة، اصطلاح المشروعية أعني به المقبولية، ولامشاحة في الإصطلاح.

كانت في الماضي أَنظِمَةٌ تستند الى نظرية الحق الالهي في حكمها للناسِ، أي: انها تستند الى الشرعيةِ في حكم الناس، وتفرض سلطانَها وسطوتها وهيمنتها على الناس على أَساسِ هذهِ الشَّرعِيَّةِ، وهذه هي الانظمةُ الثيوقراطِيَّةُ، وهناك انظمةٌ تستندُ الى ارادة الامة والانتخابِ الشعبي أي: انها تستندُ الى المشروعيّةِ، وهذه هي الانظمة الديمقراطية.

وإن كانت الانظمَةُ الديمقراطِيَّةُ ترى في إرادةِ الناس شرعيَّةً للحكم؛ لأنها إما أنها ألغت الآله نهائياً من تفكيرها أو أَنَّها حددتهُ في مساحةٍ معينة ، كالكنيسة والمسجد والمعبد، إنها عزلت الله تعالى عن التدخل في شؤون الحكم وقضايا الحياة، وأعطت صلاحيات الله للشعب، بينما الرؤية الاسلامية لأهل البيت عليه السلام واتباعهم تقول: انَّ الامامَ(ع) يكتفي بشرعيته أن لم يكن حاكماً ، فيمارس دورَ التوجيه والارشاد والأمر بالمعروفِ والنَّهي عن المُنْكَرِ . 

أما إذا مارس الحكم فلابدَّ ان تجتمع لهُ الى جانب شرعيته، المشروعيَّة، وهي قبولُ الامةِ لهُ، فالإمام علي رغم شرعيته الالهية لم يفرض حكمه على الناس بالقوة والاكراهِ استناداً إلى هذه الشرعيَّةِ، حينما ادارت الامةُ ظهرَها لهُ بقي جليس داره، وحينما جاءته الامة مطالبةً بهِ حاكماً تصدى للحكم. 

وهكذا مع الإمام الحسن الذي ثبتت شرعيتَهُ بنص الرسول (ص): ( الحسن والحسين امامان قاما أَو قعدا)، ولكن عندما تصدى الامامُ الحسن للحكم ، جاء تصديه بعد بيعة الامةِ له، ونهض الامام الحسين عليه السلام في مواجهة الطغيانِ الاموي، لان رسائل البيعة أتته من الكوفة وبعض وجهاء البصرة، وكذلك الحالُ معَ الامامِ الرضا(ع) ، َفقد بايعهُ الناسُ ليكون ولياً للعهدِ، أما الائمة بعد الامام الحسين عليه السلام فاكتفوا بشرعيتهم فقط دون الحاجة الى المشروعيَّةِ (المقبولِيَّة) ، لانَّهم لم يكونوا حاكمين،  خلاصة هذه الفكرة : إنَّ الامامَ المعصومَ (ع) لابد لهُ من مقبولية الناس له (المشروعية) ليكون حاكماً ، أما إذا لم يتصد للحكم فيكتفي بشرعيته من خلال النصوص على إمامته ويمارس دور التوجيه والارشاد وحل الازمات التي تواجهها الأمة.

الأمة لاتعطي شرعية للحاكم؛ لأن الشرعية مصدرها الله تعالى بل تعطي حاكميةً، وتعطي سلطةً ؛ ولذا قيل: أن الأمة مصدر السلطات لامصدراً للتشريع، لانها تعطي سلطةً، وتعطي حاكميةً ولا تعطي شرعيةً. هذه الفكرة تفيدنا في التصدي للحركات التكفيرية المتطرفة التي تريد ان تفرض هيمنتها من خلال ادعاء الشرعية عبر تطبيقها للشريعة التطبيق المشوه وتفرض وجودها بالقوة والنار والحديد، نقول هذه لاتنسجم وروح الاسلام ، الذي يريد من الحاكم أن يأتي إلى الحكم على اساس المقبوليَّة له من الجماهير، هناك انظمةٌ تستند الى مشروعياتٍ مزيفة كالبيعةِ التي تؤخذ قهراً من الجماهير، وكالانتخابات المزيفة.

وما أريد قولهُ: إن الحاكمَ الذي يأتي إلى الحكم عبر انقلابٍ عسكري وقوة الحديدِ والنارِ لامشروعيَّةِ له، في نظام الجمهورية الاسلامية المستند إلى ولاية الفقيه، الفقيه فيه يستند إلى شرعية المعصوم بالنصب العام ولكنه مع ذلك لم يكتف بشرعيته من نص المعصوم، وإنما استند إلى المشروعية أيضاً، وطالب الجماهير بالحضور إلى الساحة، وانتخاب حكامها وولاتها.