سلسلة نور المشكاة في الرد على أبرز الشبهات
تاريخ النشر : 2022-10-04
(سلسلة نور المشكاة في الرد على أبرز الشبهات).. الحلقة (3)

شبهات حول السنة المطهرة / مع الدكتور حلمي الفقي

إعداد وحوار: أحمد الحاج 
 
*من الشبهات التي تثار بين الحين والآخر، مسألة الأحاديث التي وردت في الوصية والميراث على وصفهم، ومن شبهاتهم الأحاديث التي تعارضت - بزعمهم - مع نصوص القرأن الكريم ومنها " مسألة نجاسة ريق الكلب، حديث الميت يعذب ببكاء أهله عليه، مع أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وارضاع الكبير، ونحوها، نتمنى عليك توضيح هذه المسائل والرد على تلكم الشبهات.

- أولًا: لا يمكن وجود تعارض بين آية وأخرى، ولا بين حديث وحديث، ولا بين آية وحديث، لأن الله تعالى قال: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء/82 ).

قال "الشاطبي" في " الاعتصام " (3/ 272): "لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية ولا بين أحدهما مع الآخر، بل الجميع جار على مَهْيَع واحد، ومنتظمٌ إلى معنى واحد، فإذا أداه بادئ الرأي، إلى ظاهر اختلاف: فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف، لأن الله تعالى قد شهد له أن لا اختلاف فيه، فليقف وقوف المضطر، السائل عن وجه الجمع، أو المسَلِّم من غير اعتراض، إن كان الموضع مما لا يتعلق به حكم عملي. فإن تعلق به حكم عملي، التمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين، أو يبقى باحثا إلى الموت، ولا عليه من ذلك، فإذا اتضح له المغزى، وتبينت له الواضحة، فلا بد له من أن يجعلها حاكمة في كل ما يعرض له من النظر فيها، ويضعها نصب عينيه في كل مطلب ديني، كما فعل من تقدمنا ممن أثنى الله ورسوله عليهم" انتهى.

وإذا حصل إشكال في فهم بعض الناس، فإن العلماء يلجأون إلى طرق لدفع الإشكال، منها:

1- تحرير وجه الإشكال.

2- معرفة سبب النزول.

3- رد المتشابه إلى المحكم، وإلى العالم به مع الإيمان والتصديق.

4- جمع الآيات ذات الموضوع.

5- النظر في السياق.

6- تلمس الأحاديث والآثار الصحيحة لدفع الإشكال.

7- إعمال قواعد الترجيح.

فهذه طريقة أهل العلم قديماً وحديثاً، أما طريقة أهل الأهواء بالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم وطريقتهم هذه مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وهم إنْ لم يُعملوها في القرآن وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي وكلاهما حق.

وأما بالنسبة لحديث رضاع الكبير:  
فحديث رضاع الكبير جاء في الشرع مقصورًا على حالة واحدة، هي حالة سالم مولى أبي حذيفة، والقصَّة كما جاءت في صحيحِ مسلم والسُّنن: "أن أبا حذيفة كان قد تبنَّى سالِمًا، وكان مَن تبنَّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثَه، حتى أنزل الله - سبحانه وتعالى - في ذلك قوله: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ (الأحزاب:5)

فلما أُلغي التبنِّي صار أبو حذيفة يجد حرَجًا من دخول سالم إلى بيته وزوجتُه فيه؛ حيث إنه لم يعُدِ ابنًا لها؛ ولهذا اشتكت سهلةُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقَل ما عقَلوا، وإنه يدخل علينا، وإنِّي أظن أنَّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا، فقال لها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم (( أرضعيه تحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة" فرجعت فقالت: إنِّي قد أرضعتُه، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة"  فهي حالة خاصَّة في ظروف خاصة.

ولكن هل يوجد تعارض هنا بين الحديث الشريف الصحيح وبين القران الكريم ، لا يوجد أدنى تعارض, ولا يوجد شبهة تعارض، كيف ذلك والقران الكريم يخبرنا ان الرضاع لا يكون الا دون الحولين، وأكثر من حديث صحيح يقول بهذا، ففي الحديث { إنما الرضاعة من المجاعة } وفى حديث آخر عند أبي دواد والدار قطني وغيرهما عن ابن مسعود { لَا رِضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ}، وهذا يفيد أن الرضاعة التي يثبت بها التحريم لا بد وان تكون دون الحولين.

فهل حديث رضاع الكبير يتعارض مع هذه النصوص الشريفة؟ لا، لا يتعارض، كيف نفهم ذلك، أولاً: لم يقل أحد من العلماء إطلاقاً أن سهلة بنت سهيل بن عمرو أرضعت سالما مولي أبي حذيفة بأن ألقمته ثديها في فمه، جاء في ترجمه سهلةَ في "الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر أنها: "كانت تحلُب في مِسعط أو إناء قدرَ رضعتِه، فيشربه سالم في كلِّ يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعدُ يدخل عليها وهي حاسر؛ رخصةً من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – لسهلة.

بل إنَّ الإمام ابنَ عبدالبر قد نقل اتفاق العلماء على عدم جواز أن تكون الرضاعةُ هنا بالتقام الثدي، حيث قال: "هكذا إرضاعُ الكبير كما ذُكر: يُحلَب له اللبن ويُسقاه، وأما أن تُلقمه المرأةُ ثديها كما تصنع بالطفل، فلا

وللعلماء ثلاثة أوجه في توجيه حديث رضاع الكبير ذكرها ابن القيم في زاد المعاد:  قيل إنه منسوخ ، وقيل هي حالة خاصة بسالم فقط ، وقيل هي حالة خاصة لمن يجد ضرورة فى الدخول عليهن كحالة سالم.

وحكى ابن عبد البر في التمهيد إجماع العلماء علي عدم جواز رضاع الكبير وأن هذه حالة خاصة بسالم ولا تجوز لأحد بعده، والله أعلم.

وأما بالنسبة لحديث الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ،فقد ذكر الله سبحانه وتعالي المحرمات من النساء في قوله تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ }(النساء:23، 24 )

وقوله تبارك وتعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} عام يفيد حل كل النساء التي لم يرد تحريمها فى الآية الكريمة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لم يرد في الاية الكريمة، ولكن هذا من باب تخصيص العام، وجمهور الأصوليين على أن السنة تخصص العام في القرآن وفي السنة.

وخلاصة الأمر نقول مستعينين بالله: إذا ورد ما يوهم التعارض فى نصوص القرآن والسنة والعلماء الأجلاء وضعوا قواعد تعرف بقواعد التعارض والترجيح نصير إليها ونأخذ بها، ومن أهم هذه القواعد ما يلي:

وليس لدينا في ديننا أي تعارض بين النصوص، ولا حتي شبهة تعارض، وهذه الشبه التي أوردها البعض ليست ناتجة إلا عن سوء نية أو قصور فهم.

*من الشبهات التزويرية والاستشراقية شبهة" قولهم بتعارض بعض الأحاديث النبوية مع بعض ما ورد في كتب الطب التجريبي الحديث " ويوردون أحاديث عدة نحو: {غمس جناحي الذبابة }، {العلاج بالحبة السوداء ،بالكمأ }، {العلاج بأبوال الابل}، بالعود الهندي، بالاثمد ، بالعسل، بالحجامة ،بالرقية الشرعية "فهل أن تعارض بعض الأحاديث النبوية مع بعض العلوم ظاهريا يدفعنا الى شطبها ، تصحيحها، ركنها جانبا؟

*في أطروحتي للدكتوراه والتي كانت بعنوان مدى مشروعية إجراء التجارب الطبية على الإنسان والتي نوقشت بجامعة الأزهر بالقاهرة فى العام 2010م تم التأكيد فيها على أن الإسلام يرحب بالجديد النافع في كل ميادين الحياة وخاصة في مجال الطب، وأن الإسلام يحث، ويشجع أهل كل فن، وأهل كل علم على التجديد والابتكار في المسار العلمي الذي يراه أهل كل علم هو الأنفع والأصلح لعلمهم وفنهم، هذا على العموم، وبالأخص في مجال الطب فالإسلام يشجع الأطباء علي تطوير علمهم حسب القواعد العلمية المعتبرة عالميا، والتي يراها أكابر أطباء العالم بصرف النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم، والإسلام يوجب علي الأطباء أن يبذلوا قصارى جهدهم في ابتكار العلاجات والأدوية للأمراض التي لم يهتد العلم لعلاج ناجح لها حتى حينه.

وأما هذه الأحاديث التي وردت في السؤال مثل {غمس جناحي الذبابة ، {العلاج بالحبة السوداء، بالكمأ ، {العلاج بأبوال الابل}، بالعود الهندي، بالاثمد، بالعسل، بالحجامة ،بالرقية الشرعية "فنعب على ذلك بالاتي:

1 - الإسلام أمرنا بالتداوي بما ينصح به الأطباء المتخصصون في الطب ويأمرنا بأن نسأل أهل كل علم، وأهل كل فن عن فنهم وعلمهم فيقول تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

2 - هذه الأحاديث ليست للوجوب ولم يقل أحد من أهل العلم بالشرع بوجوب غمس الذبابة أو بوجوب التداوي بأبوال الإبل، فمن عافت نفسه الشراب أو الطعام الذي وقعت فيه الذبابة فله طرحه بلا أية كراهة في ميزان الشرع ومن قبلت نفسه غمس الذباب قله ذلك.

3 - لم يثبت من خلال الأبحاث العملية لأطباء وعلماء ليسوا مسلمين وفي بلاد غير إسلامية، ما يتعارض مع ما جاء في الاحاديث النبوية الشريفة. والله أعلم.. يتبع