الإرهاب هو الاحتلال بالمفهوم العام لخطاب الرئيس محمود عباس
تاريخ النشر : 2022-09-27
الإرهاب هو الاحتلال بالمفهوم العام لخطاب الرئيس محمود عباس
علي أبو حبلة


الإرهاب هو الاحتلال بالمفهوم العام لخطاب الرئيس محمود عباس
 
بقلم: المحامي علي أبو حبلة

لايمكن تجزئة خطاب الرئيس محمود عباس والتوقف عند مفردات وفقرات ما ورد في الخطاب حيث خاطب العالم بمفهوم الدبلوماسية وتوصيفها الطريقة المعمول بها للتأثير على قرارات وسلوكيات الحكومات والشعوب الأجنبية من خلال الحوار والتفاوض وغيرها من التدابير دون اللجوء إلى الحرب أو العنف،، وتاريخيًا فإن مفهوم الدبلوماسية يعني إدارة العلاقات الرسمية.

وبالتحليل الأعم والشامل لخطاب الرئيس محمود عباس لا يمكن للمحلل الموضوعي أن يتوقف عند قوله "كلي ثقة بأنكم سوف تتفهمون لماذا نقدم على هذه الخطوات الآن، فنحن لم نترك خلال كل السنوات الماضية بابا إلا وطرقناه من أجل إقناع إسرائيل بالعودة للجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ولكنها رفضت وترفض " وشدد على أن الشعب يريد الحماية، ولكن "لن نلجأ للسلاح ولا للعنف ولن نلجأ للإرهاب ".

وإذا عدنا إلى متن الخطاب  "حملة مسعورة" باستخدام المستوطنين أوضح الرئيس الفلسطيني أن إسرائيل تقوم "بحملة مسعورة" عبر مصادرة الأراضي ونشر المستوطنات فيها ونهب الموارد.

وقال: "تقوم (إسرائيل) بإطلاق يد الجيش والمستوطنين الإرهابيين الذين يقتلون أبناء شعبنا الفلسطيني في وضح النهار ويسرقون أراضيهم ومياههم ويحرقون ويهدمون بيوتهم ويجبرونهم على دفع ثمن الهدم أو يجبرونهم على هدمها بأيديهم.. كل ذلك بحماية رسمية".

وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية سمحت بتشكيل "منظمات إرهابية عنصرية يهودية تمارس الإرهاب ضد أبناء شعبنا ووفرت لها الحماية وهي تعتدي على الفلسطينيين وتنادي بطردهم"، وطالب المجتمع الدولي بوضع هذه المنظمات الإرهابية على قوائم الإرهاب.

بهذا المضمون وهذا المفهوم والتحليل أن الاحتلال هو الإرهاب وأن حكومة الاحتلال الصهيوني تخدع الاسرائليين والعالم اجمع بادعاءاتها ونعتها للشعب الفلسطيني بالإرهاب، وأن الممارسات والإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال ضد الأسرى والمعتقلين وأسر الشهداء تعد إجراءات غير قانونية وإرهاب ممنهج ضد الشعب الفلسطيني، لاخضاعه لمشيئة الاحتلال الذي يرسخ احتلاله ويطالب الإذعان للشروط التي تفرضها سلطات الاحتلال على السكان الفلسطينيين المدنيين العزل.

وتُعرِّف الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الموقعة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1999 الإرهاب في مادتها 2-1 ب بأنه “أي عمل يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر أو إصابته بجروح بدنية جسيمة عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح وعندما يكون غرض هذا العمل بحكم طبيعته أو في سياقه موجهًا لترويع السكان أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به”.

وأوضح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره 1566 الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2004 هذا التعريف إذ نص على أن الأعمال الإرهابية هي “الأعمال الإجرامية بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين، بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين أو لتخويف جماعة من السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به”.

 ويُذكِّر مجلس الأمن بأن هذه الأعمال “لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري أو أي طابع آخر من هذا القبيل”.

وأعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيد هذا التعريف في (القرار 60/43) الصادر في كانون الثاني/ يناير 2006 والذي يُعرِّف الأعمال الإرهابية بأنها “أعمال إجرامية يقصد أو يراد بها إشاعة حالة من الرعب بين عامة الناس أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين لأغراض سياسية”.

في عام 2004، أنشأت الأمم المتحدة الفريق رفيع المستوى المعني بالتهديدات والتحديات والتغيير. وفي تقريرهم إلى الأمين العام بعنوان “عالم أكثر أمنًا، ومسؤوليتنا المشتركة” في كانون الأول/ ديسمبر 2004 اقترح الخبراء في التقرير المعنون ”عالم أكثر أمنًا: مسؤوليتنا جميعا“ تعريف الإرهاب بأنه “أي عمل يقصد به التسبب في الوفاة أو الأذى البدني الجسيم بالمدنيين أو غير المقاتلين حينما يكون الغرض من مثل هذا العمل بحكم طبيعته أو سياقه هو تخويف السكان أو إجبار الحكومة أو منظمة دولية على تنفيذ أي فعل أو الإحجام عن تنفيذه”. (الفقرة 164(د) ص. 49). وهذا التعريف هو إلى حد كبير نفس الذي اقترحه مجلس الأمن الدولي ولكنه يضيف مفهومي المدنيين أو “غير المقاتلين” كهدفين محتملين للهجمات الإرهابية.

ووفق تعريف الإرهاب ومضمون خطاب الرئيس ومفهومه تحت أي مبرر يستباح الدم الفلسطيني ويبرر قتل الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم دون أي إدانة أو موقف يتخذ بحق إسرائيل من قبل مؤسسات المجتمع الدولي، إسرائيل ترتكب جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وتتخذ حكومتها من القرارات وإصدار الأوامر لقوات احتلالها ومستوطنيها لقتل الفلسطيني لمجرد الاشتباه.

رزمة القرارات، الأوامر والمناشير العسكرية التي اتخذتها حكومة الاحتلال الصهيوني جميعها تتعارض مع تعريف الإرهاب والقوانين الدولية واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة التي جميعها تتضمن قرارات وقوانين لحماية المدنيين وممتلكاتهم أثناء الحرب وتحت الاحتلال وقتل الفلسطيني تحت حجة محاربة الإرهاب هو مبرر غير محق، لأن الذي يمارس الإرهاب هو الاحتلال الإسرائيلي عبر قوات احتلاله والمستوطنين الذي يمارسون الإرهاب.

المجتمع الدولي الداعم للاحتلال الإسرائيلي يتحمل مسؤولية خرق إسرائيل للقوانين الدولية وارتكابها للجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وإن جرائم القتل بحق الفلسطيني لمجرد الاشتباه هو أمر مخالف لأخلاقيات التربية العسكرية التي يجب أن تتحلى فيه الجيوش استنادا للقوانين الدولية التي تحكم العلاقات أثناء الحروب.

قال الرئيس محمود عباس: إن إسرائيل ومنذ قيامها ارتكبت "جرائم وحشية بحق أبناء شعبنا عندما دمرت 529 قرية فلسطينية وطردت سكانها منها خلال وبعد حرب 1948، وهجّرت – وهو رقم كثيراً ما يحاول البعض التلاعب به - 950,000 فلسطيني لاجئ، أي نصف عدد السكان الفلسطينيين في ذلك الوقت، ليس كما تقول إسرائيل 250,000، بل 950,000 وهذه إحصاءات الأونروا"، كما قال إنها ارتكبت أكثر من 50 مجزرة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.

 ومضى قائلاً: "آخر المذابح: الاعتداء على غزة بالصواريخ. لا أريد أن أقول كم قتلت من الكبار، لكن (صحيفة) نيويورك تايمز الأميركية قالت إن 67 طفلا قُتلوا في غزة"، وأكمل متهكما: "هؤلاء كانوا يحملون صواريخ ويعتلون الدبابات ويضربون المدافع؟!

ووجه سيادته تحية الاكبار لشهداء الشعب الفلسطيني الأبرار "الذين أناروا طريق الحرية والاستقلال بدمائهم الزكية، الذين سيبقون رموزا تذكرها الأجيال الفلسطينية بالعرفان والإجلال جيلاً بعد جيل، وستبقى مسؤوليتهم أمانة في أعناقنا".

وأضاف الرئيس: "أما أسرانا البواسل، ضمير شعبنا الحي، الذين يضحون بحريتهم من أجل حرية شعبهم، فهؤلاء تعجز الكلمات عن وصفهم، هم شهداء أحياء، هم أبطال وقادة راسخون، وستظل حريتهم أمانة في أعناقنا، ولن نتركهم حتى ينالوا حريتهم. ولن نترك أبناءهم وبناتهم وأسرهم وأهليهم. نقول لهم ولأسرانا الأطفال وللأسير البطل ناصر أبو حميد ورفاقه إن الفجر آتٍ، وقد آن للقيد أن ينكسر".

وإذا ما أخذنا بالاعتبار والتحليل لهذا الذي قاله الرئيس محمود عباس بحق الشهداء الأبرار والأسرى القابعين في سجون الاحتلال، فإن الفلسطينيون وفق القانون الدولي والمعاهدات الدولية واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة هم تحت الاحتلال، وهم في حالة دفاع عن النفس وأن مقاومة الاحتلال حق مشروع أقرته القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية، استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 اللذين يضعان الأساس القانوني في تحديد أن إسرائيل قوة محتله لقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية ويطالبانها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الرابع من حزيران 67.
 
حكومة الاحتلال بتعليماتها لبعثاتها الديبلوماسية لشن حملة ضد الشعب الفلسطيني ووصمه بصفة الإرهاب، أمر يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية وإن حكومة الاحتلال قد تعودت على نشر الأضاليل والأكاذيب، وتعودت على تضليل الشعوب لتظهر أمام دول العالم أنها تخضع للإرهاب وإن أمن كيانها الغاصب للحقوق الفلسطينية معرض للخطر.

إن الإرهاب الحقيقي وفق منطق ومفهوم خطاب الرئيس محمود عباس هو الذي مارسته كل حكومات إسرائيل المتعاقبة، وإن الإرهاب بحقيقته وواقعه هو من صناعة الكيان الإسرائيلي، إن مغتصب الحق هو الذي يمارس الإرهاب وإن من يحتل أرض فلسطين ويخضع أهلها للاحتلال ليمارس عليهم كل صنوف العذاب والتعذيب هو الإرهاب بعينه.

الفلسطينيون ينبذون كل أنواع وأشكال الإرهاب؟ هذا ما قاله الرئيس محمود عباس وبالوقت نفسه يقاومون الإرهاب الممارس بحقهم من قبل الاحتلال كقوه نافذة على الأرض، وإن الفلسطينيين هم أصحاب حق ويناشدون العالم أجمع للانتصار لحقوقهم ويطالبون العالم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وكف يد الغاصب المغتصب للحق والأرض الفلسطينية عن اغتصابه.

لا يعقل أن يتهم الشعب الفلسطيني لمجرد مطالبته بحقوقه المشروعة على أنه إرهابي، بينما المغتصب للحق الفلسطيني يمارس أعمال القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي وتهويد الأرض الفلسطينية والتوسع الاستيطاني ويعفي نفسه من الإرهاب الذي يمارسه لا بل يحلل لنفسه الإرهاب ويحرم على الآخرين حقوقهم المشروعة، وحقهم الذي كفلته القوانين والمواثيق الدولية وقد منحت لسكان الأقليم المحتل مشروعية مقاومة الاحتلال وضمنت له كافة الحقوق التي تضمنتها اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة واتفاقية لاهاي. 

هذا هو الفهم الحقيقي والتحليل الموضوعي بمضمون خطاب الرئيس محمود عباس، إن العالم اجمع عليه التحرك لوضع حد للمشروع الصهيوني العنصري والتعامل بسياسة الكيل بمكيالين فيما يخص الكيان الإسرائيلي وضرورة وضع حدود لتمادي سلطات الاحتلال في استباحتها للدم الفلسطيني.

الإرهاب وفق تعريف الأمم المتحدة هو الاستيطان والإرهاب ما يمارسه المستوطنين بحق العزل والآمنين من الشعب الفلسطيني لترهيبهم وتخويفهم و الإرهاب هو بهدم البيوت والكنائس والجوامع، وإن الإرهاب هو بالترويج للعنصرية ومطالبه العالم للاعتراف بيهودية الدولة وهي أصولية متطرفة، وإن الإرهاب هو السعي للضم القسري وفرض السيادة على أراضي دولة فلسطين بوجه غير شرعي وغير محق.

الإرهاب هو ما تم ارتكابه من جرائم عبر الحروب التي افتعلتها إسرائيل، إنه الإرهاب الذي على العالم أن يوثقه ويشهد عليه عبر التاريخ من كفر قاسم إلى كل بقعه من فلسطين إلى قانا إلى مدرسة بحر البقر إلى قتل الأسرى في حرب 67 إلى التشريد للفلسطينيين إلى سياسة التعذيب للأسرى إلى سياسة الاغتيالات إلى العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني من اجتياح وقصف بالطائرات، إنه الاحتلال والعدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني، وهذا ما تطرق إليه الرئيس محمود عباس بخطابه.

وإذا كانت الوحدة الفلسطينية تشكل بنظر إسرائيل إرهاب وتصدي الفلسطينيين للممارسات العدوانية على أبنائهم وممتلكاتهم، فماذا تسمي إسرائيل نفسها وهي من تملك القوه بكل أنواعها وتحتل بالقوة أرض فلسطين وتخضع الشعب الفلسطيني لاحتلالها وتمارس عليهم كل أصناف التعذيب والقهر وتحاصر الشعب الفلسطيني في كافة أماكنه وتخضع غزه لحصار خانق؟، أليس هذا هو الإرهاب بعينه خاصة وأن الفلسطينيين لا يملكون من القوة سوى وحدتهم وإرادتهم لمقاومة كل أساليب الاحتلال بالوسائل السلمية المشروعة وشرعتها القوانين والمواثيق الدولية.

وآن الأوان للعالم أن ينتصر للحق الفلسطيني وينتصر لمشروعية قرارات الشرعية الدولية ونيل فلسطين لكامل عضويتها في الأمم المتحدة ونيل استقلالها وسيادتها، مما يتطلب وضع للاحتلال وللأوامر والمناشير العسكرية وجميعها تتعارض والقوانين والمواثيق الدولية، وهذا ما خلص إليه الرئيس محمود عباس في ختام خطابه.