ماذا لو كانت هذه النهاية؟
تاريخ النشر : 2022-09-27
ماذا لو كانت هذه النهاية؟


ماذا لو كانت هذه النهاية؟

بقلم: رسل جمال

نحن نشهد حالة من ذبول، تصيب كرتنا الأرضية فحالة العطش العالمية التي ضربت العالم والتي أدت إلى جفاف بحيرات وأنهر كانت متدفقة منذ قرون، يجعلنا نستدرك أن الأمر لم يعد موجة جفاف عادية، أو ارتفاع بدرجات الحرارة أدت إلى تبخر مياه تلك المسطحات، بل هي مرحلة جديدة تواجه البشرية عليهم الاستعداد لها، وتغيير بوصلة اهتمامهم لقضايا تعد مصيرية وتعد تهديداً واضحاً للوجود الانساني، أكثر من تلويح البعض باستخدام السلاح النووي!

لأن الارض لن تنتظر جنون البشر لأنهاء العرض، هي من ستبادر بذلك، إذ تشير التضاريس الحديثة للأرض أننا أمام عصراً من التغيير يكاد يكون الأكثر ضراوة، من كل العصور الجيولوجية السابقة التي شهدتها أرضنا، من العصر الجليدي، مروراً بالعصر الحجري وصولاً لعصرنا الحالي، والذي يبدو أن الحضارة الانسانية ستقف عاجزة عن صد عواصف هذا التغيير، مثلما خذلتنا الحضارة بالتصدي لكورونا.

إن الخطر المحدق الذي ينتظر الأرض يجعل باقي التهديدات لا قيمة لها، أجزم لن يكون للسلاح النووي هيبة امام التصحر وانحسار الأراضي الصالحة للزراعة، ولن يكون للنفط أهمية أمام انعدام الأراضي الخصبة، بل سيشكل عبئ على البيئة، في عالم يبحث عن مصادر الطاقة النظيفة، وسيعود الدولار كقطعة من الورق لن يعطي لحامله الأمان الاقتصادي، سيعود عهد المقايضة.

ستكون البشرية وجه لوجه أمام مجاعة عالمية، كذلك سيكون هناك تهديد آخر بسبب ارتفاع منسوب المياه في العالم، بسب ذوبان ثلوج القطبين، الذي سيؤدي إلى غمر الكثير من المدن الساحلية وتقليص اليابسة وحشر البشرية في بضع كيلو مترات.

سيكون الوضع أشبه بوضع عشرة أشخاص في صندوق صغير، لن يصمدوا في تحمل بعضهم، ولو كانوا أصدقاء مقربين، ستضيق علينا بلا شك.

إن ما يدور وما يجري من تغييرات جغرافية ومناخية، كبيرة ومصيرية، تسخف حجم خلافاتنا وتهديداتنا ومناوشتنا وتكسر عنجهيتنا نحن البشر، وتجعلنا أشبه بنملتين تتصارعان على سطح حبة السكر، وهن لا يعلمن أن تلك الحبة وما عليها من معارك طاحنة وصراعات ووعود لبعضهن بتدمير الأخرى في طريقها لفهم حيوان أكبر.

هكذا هو الكون كبير جداً، لكن ليس إلى ما لا نهاية، ويبدو أن النهاية قريبة، إن الأمر لم يقتصر على التغيير البيئي الذي يعيشه الإنسان، بل رافقه تغيير في سلوكيتنا جميعاً، وفي علاقاتنا الإنسانية، إذ أصبحت أكثر هشاشة من الواقع المناخي، ولم تعد تصمد بل تتساقط على الدوام مثل أوراق الخريف، كأن العلاقة الإنسانية أصبحت تخضع لمدة صلاحية محددة، وتصبح بعدها عديمة الفائدة والوجود، لأننا في تحديث مستمر لمنظومة علاقاتنا، ولم يستمر معنا إلا من صدق.

هذا الانزواء والعزلة الذي يعيشه الإنسان رغم كل وسائل التواصل، جعلت منه إنسان يستريح بالوحدة، ويستثقل الاجتماع مع الآخرين، ويستسهل القاءات الافتراضية المزيفة، لذلك فإن التواصل الشبكي يغنيه عن مواجه العالم على الطبيعة أو تجنبه على الأقل.

إن الشعور (بالنهاية) الوشيكة يجب أن يجعلنا أكثر قرباً من بعضنا، وليس العكس، يجب على الإنسان أن يتزود من أحبابه قدر ما يستطيع، ويصنع ذكريات جميلة معهم، كم من مشاعر جميلة لم نجرؤ على البوح بها على أمل الاعتراف المؤجل، كم من المتخاصمين يكابرون ولا يمد أحدهم يد الصلح للآخر، إن الفكرة (النهاية ) بقدر ما تحمل من خوف من المجهول، بقدر ما تدفعنا إلى ترتيب الأولويات والاسراع في تعويض ما مضى، فليس هناك أسوأ من أن تغادر الحياة ولم تجازف لتجربة كل ألعابها.

رغم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، كما يقول ابن خلدون، إلا إنه ليس اجتماعي على طول الخط كما يبدو، بل قد يسعى لانقراض نفسه بنفسه، كما يحدث ويعمل عليه دول العالم الغربي بتشجيع (زواج المثلية) وهو طور ومنحى آخر تنحاه الإنسانية لكن نحو الأسفل.

ويعد حلاً تطرحه بعض السياسيات الشيطانية، للكثافة السكانية العالمية بحجة أن موارد الأرض لن تكفي الجميع، فعلى الرجل أن يتزوج الرجل، حتى يضمنون أنهم لن يستطيعوا أن ينجبوا فرداً جديد ينافسهم على الخبز!

يبدو أننا وصلنا متأخرين ولن نشهد إلا النهاية، فهل هذه نهاية الأرض والجنس البشري حقاً؟ أم هنالك مخرج طوارئ آخر؟