بقلم: بسّام عليّان
تقف الحروف حيرى عاجزة عن أن تنتظم بمديح يليق بمقام الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي؛ أو أن تنبئ بوصف بحجم عذاباتهم اليومية، هم رجال عز نظيرهم، هم عطر القضية الفلسطينية وعنوانها الأبرز؛ هم نبض البطولة وأنشودة النخوة والمروءة، وتراويد الشجاعة والتحدي، هم العيون المرابطة الرابضة التي باتت حارسة لرفعة الوطن وعزته.
يتفق الأسرى الفلسطينيون في السجون الاسرائيلية؛ أن للسجن زمن خاص لا يدركه إلا من خاض التجربة عن قُرب أو سمع بها، وتراوح تلك التجربة بحسب فترة الاعتقال والمشهد السياسي والاجتماعي خارج الأسر، والذي بدوره، ينعكس على البنية الاعتقالية والتنظيمية داخل سجون الاحتلال.
إن زمن السجن مع ثبات المكان؛ ونضال الأسرى، يدفعنا إلى التأكيد أكثر من أي وقت مضى على ضرورة إعطاء قضية الأسرى في سجون الاحتلال بعداً قانونياً وسياسيا وإنسانياً وأخلاقيا وأدبيا. وأن تتصدر قضية الأسرى الفلسطينيين جدول العمل الوطني على الصعيدين الرسمي والشعبي، جراء ما يعانونه من إجراءات وتدابير من قبل سلطات السجون والمعتقلات الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عدد منهم بسبب التعذيب المنهجي والوحشي، وإبعاد تعسفي لبعضهم، ووجود بعضهم في شبه حالة احتضار بسبب الإهمال الطبي، ومعاناة الأغلبية الساحقة منهم من إضراب الأمعاء الخاوية الأسطوري الذي لا يزال سارياً حتى كتابة هذه الدراسة.
فمنذ عام 1967 شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بافتتاح العديد من السجون والمعتقلات لتضييق الخناق على حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية؛ فلجأ الاحتلال إلى اعتقال العديد من الشخصيات الوطنية وأبناء المقاومة الفلسطينية وزج بهم في سجونه ومعسكرات اعتقالاته.
وبالنسبة إلى ظروف الأسر والاحتجاز، فإن عملية احتجاز الأسرى من الأراضي الفلسطينية تتم في سجون ومراكز اعتقال عسكرية إسرائيلية تقع داخل الأراضي المحتلة العام 1948، فهناك خمسة مراكز تحقيق وستة مراكز احتجاز وتوقيف، وثلاثة مراكز اعتقال عسكرية، وعشرون سجناً مركزياً تابعاً لمصلحة السجون الإسرائيلية. فلا تزال حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحتجز وتعتقل في سجونها ما يقارب (6500) معتقل فلسطيني، بينهم (360) طفلًا، و(61) امرأة، و(6) نواب في المجلس التشريعي. ويبلغ عدد الأسرى المرضى (1200) أسير تقريبا (هذا الذين يبلغ عن حالات مرضهم)، من بينهم (130) حالة مزمنة، كأمراض السرطان والسكري والإعاقة الكلية أو الجزئية.
بالإضافة إلى ما تقترفه إدارة السجون الإسرائيلية من انتهاكات جسيمة بحق الأسرى والمعتقلين، تتمثل في ممارسة التعذيب، والعزل، والحرمان من الرعاية الطبية، وإجراء التجارب الطبية عليهم، الأمر الذي أدى إلى وفاة العشرات منهم أثناء الأسر أو بعده. كما تشمل الانتهاكات احتجاز الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون سرية، ومحاكمتهم بصورة غير قانونية، والاعتقال الإداري غير المشروع، إضافة إلى اقتحام المعتقلات والسجون، التي تتخللها عمليات القمع والتنكيل والتفتيش، وإجراءات استفزازية، وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية، وعمليات تخريب متعمدة لأقسام الأسرى.
كما تسعى سلطات الاحتلال إلى "قوننة" المزيد من الانتهاكات عبر قيام "الكنيست الإسرائيلي"؛ بسن مجموعة قوانين عنصرية تنطوي على إجراءات عقابية، مثل قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، ومشروع القانون الخاص بمنع الإفراج عن الأسرى المحكومين مدى الحياة، ومشروع قانون إعدام الأسرى. ووصلت الانتهاكات حد تعذيب الأطفال وفرض العقوبات عليهم من خلال محاكم لا تتوفر فيها أدنى مقومات العدالة.
أمام هذه الاجراءات غير الأخلاقية؛ والخارجة عن القانون الانساني؛ والتي توصف بالمجرمة؛ يواصل فيه قرابة 1700 معتقل وأسير فلسطيني إضرابهم المفتوح عن الطعام، مطالبين بوقف ممارسة الاعتقال الإداري التعسفي وسياسية عزل الأسرى، والسماح لذويهم بحق الزيارة، وممارسة حقهم بالتعليم، وقف الإجراءات العقابية وغيرها من المطالب العادلة. إلا أن الفعاليات التضامنية مع الأسرى لا تتعدى المظاهر التضامنية الشعبية بعيدًا عن الفعل الرسمي الجدي الذي ينتظره الأسرى والمعتقلون وذووهم، سواء بالإسناد الكفاحي والنضالي، أو الفعل الديبلوماسي والسياسي الرسمي، أو التحرك القانوني والحقوقي بتفعيل الآليات الدولية ذات الصلة والاختصاص، ومحاسبة وعزل ومقاطعة الاحتلال، وفرض ضغوط جادة عليه للاستجابة إلى مطالبهم.
وعلى الرغم من الجهود المقدرة التي بذلتها هيئة الأسرى والمحررين، وجهود المنظمات الأهلية الفلسطينية، والفصائل المختلفة، وبعض الجهود العربية والدولية، غير أن القاسم المشترك بينها يتمثل في الإخفاق ببلورة استراتيجية متكاملة تتوزع فيها الأدوار والمسؤوليات، وتتكامل بما يسمح بإحداث تراكم حقيقي لإسناد قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، فضلًا عن إغفال هذه الجهود للتطورات التي حصلت ما بعد حصول دولة فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وانضمامها لجملة من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يقتضي سرعة العمل على بلورة استراتيجية وطنية لدعم قضايا الأسرى والمعتقلين، بحيث يتم تبنيها من المسؤولين والكل الفلسطيني، وتعزيز الشراكات بموجبها مع الأجسام والمنظمات والشخصيات الداعمة لنضال الأسرى عربيًا ودوليًا، بما يضمن تقاسم الأدوار والمسؤوليات وتكاملها حتى لا يتشتت الجهد ويضيع في انشغالات المسؤولين وأعبائهم.
ويُصنف الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني من منظور القانون الدولي باعتباره نزاعًا مسلحًا دوليًّا بحكم وجود الاحتلال، لذا تعد الأراضي الفلسطينية مناطق محتلة، ولم تغير اتفاقيات أوسلو والاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب من حقيقة خضوعها للاحتلال، وبات مركزها القانوني دولة مراقب في الأمم المتحدة تحت الاحتلال.
ويعتبر المركز القانوني للمعتقلين والأسرى الفلسطينيين محل اجتهادات متنوعة، يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات وهي:
الاتجاه الأول: يعتبرهم أسرى حرب يخضعون لاتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب.
الاتجاه الثاني: يتعامل معهم باعتبارهم معتقلين يتمتعون بحماية اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين.
الاتجاه الثالث: يرى أنهم مختطفون بطريقة غير شرعية، كون الاحتلال غير شرعي.
وللتأكيد؛ فإن اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة اعتبرتا أن أفراد المقاومة المسلحة المشاركين في الأعمال القتالية الذين يقعون في قبضة قوات الاحتلال هم أسرى حرب، يستمدون حمايتهم من اتفاقية جنيف الثالثة والبروتوكول الإضافي الأول. أما الذين لا يشاركون في الأعمال المسلحة والقتالية، فيخضعون لحماية اتفاقية جنيف الرابعة.
إلا أن السلطة الفلسطينية بدل أن تستفيد من بنود واتفاقات القانون الدولي؛ تتعامل مع ملف الأسرى ضمن القضايا المرتبطة بالحل النهائي مثل الحدود والأمن واللاجئين والمياه، أي عدم التعاطي مع ملف الأسرى باعتباره ملفًا حقوقيًا وسياسيًا ودوليًا، وخضوع قيادة السلطة المتنفذة لتحكم وسيطرة حكومة الاحتلال.
ونظراً لأن السلطة الفلسطينية المتنفذة، ليس بيدها ما تفعله حيال ملف الأسرى؛ فإن الأسرى الأبطال داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي يقاومون ويتحدون الاحتلال ويتحدون عنجهية الاحتلال وحكومته العسكرية الصهيونية، خاصة في غياب استراتيجية وطنية لدعم نضال الحركة الأسيرة فيقومون بالإضراب عن الطعام رغم قسوته وصعوبته كأحد أهم الأسلحة التي يستخدمها الأسرى وأقوى أشكال النضال المشروعة التي تلجأ إليها الحركة الأسيرة خلف القضبان لانتزاع الحقوق الأساسية الخاصة بالفرد أو الجماعة، حيث استطاع الأسرى من خلاله تحقيق الكثير من الإنجازات، وانتزاع جزء من حقوقهم المسلوبة، وكان آخر هذه الإضرابات التي تركت أثرًا واضحًا، واستطاعت أن تغير واقع السجون هو إضراب الكرامة في نيسان من العام 2012 الذي أنهى العزل الانفرادي في حينه، وأعاد برنامج زيارات قطاع غزة بعد انقطاع لمدة 6 سنوات متواصلة. وما يميز هذه الركيزة أنها تُسهم في تحسين ظروف الاعتقال، ولا يثمر عنها تحررهم من الأسر.
وهنا نقول بأنه لا بدّ بل من اللازم والواجب، إعطاء أهمية قصوى لبناء استراتيجية وطنية لدعم قضايا الأسرى والحركة الأسيرة، تقوم على استعادة وحدة الشعب الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة في سياق إعادة بناء الوحدة الوطنية، وبما يضمن إعادة بناء نظام فلسطيني سياسي موحد على أسس ديمقراطية، وبرنامج وطني واستراتيجية نضالية ورؤية قانونية وسياسية لوضع الآليات الكفيلة بتوفير الحماية للمعتقلين الفلسطينيين، بالاستناد إلى قواعد وأحكام القانون الدولي، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية وإملاءات القوة العسكرية للاحتلال.
كما تسعى سلطات الاحتلال إلى "قوننة" المزيد من الانتهاكات عبر قيام "الكنيست الإسرائيلي"؛ بسن مجموعة قوانين عنصرية تنطوي على إجراءات عقابية، مثل قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، ومشروع القانون الخاص بمنع الإفراج عن الأسرى المحكومين مدى الحياة، ومشروع قانون إعدام الأسرى. ووصلت الانتهاكات حد تعذيب الأطفال وفرض العقوبات عليهم من خلال محاكم لا تتوفر فيها أدنى مقومات العدالة.
أمام هذه الاجراءات غير الأخلاقية؛ والخارجة عن القانون الانساني؛ والتي توصف بالمجرمة؛ يواصل فيه قرابة 1700 معتقل وأسير فلسطيني إضرابهم المفتوح عن الطعام، مطالبين بوقف ممارسة الاعتقال الإداري التعسفي وسياسية عزل الأسرى، والسماح لذويهم بحق الزيارة، وممارسة حقهم بالتعليم، وقف الإجراءات العقابية وغيرها من المطالب العادلة. إلا أن الفعاليات التضامنية مع الأسرى لا تتعدى المظاهر التضامنية الشعبية بعيدًا عن الفعل الرسمي الجدي الذي ينتظره الأسرى والمعتقلون وذووهم، سواء بالإسناد الكفاحي والنضالي، أو الفعل الديبلوماسي والسياسي الرسمي، أو التحرك القانوني والحقوقي بتفعيل الآليات الدولية ذات الصلة والاختصاص، ومحاسبة وعزل ومقاطعة الاحتلال، وفرض ضغوط جادة عليه للاستجابة إلى مطالبهم.
وعلى الرغم من الجهود المقدرة التي بذلتها هيئة الأسرى والمحررين، وجهود المنظمات الأهلية الفلسطينية، والفصائل المختلفة، وبعض الجهود العربية والدولية، غير أن القاسم المشترك بينها يتمثل في الإخفاق ببلورة استراتيجية متكاملة تتوزع فيها الأدوار والمسؤوليات، وتتكامل بما يسمح بإحداث تراكم حقيقي لإسناد قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، فضلًا عن إغفال هذه الجهود للتطورات التي حصلت ما بعد حصول دولة فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وانضمامها لجملة من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يقتضي سرعة العمل على بلورة استراتيجية وطنية لدعم قضايا الأسرى والمعتقلين، بحيث يتم تبنيها من المسؤولين والكل الفلسطيني، وتعزيز الشراكات بموجبها مع الأجسام والمنظمات والشخصيات الداعمة لنضال الأسرى عربيًا ودوليًا، بما يضمن تقاسم الأدوار والمسؤوليات وتكاملها حتى لا يتشتت الجهد ويضيع في انشغالات المسؤولين وأعبائهم.
ويُصنف الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني من منظور القانون الدولي باعتباره نزاعًا مسلحًا دوليًّا بحكم وجود الاحتلال، لذا تعد الأراضي الفلسطينية مناطق محتلة، ولم تغير اتفاقيات أوسلو والاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب من حقيقة خضوعها للاحتلال، وبات مركزها القانوني دولة مراقب في الأمم المتحدة تحت الاحتلال.
ويعتبر المركز القانوني للمعتقلين والأسرى الفلسطينيين محل اجتهادات متنوعة، يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات وهي:
الاتجاه الأول: يعتبرهم أسرى حرب يخضعون لاتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب.
الاتجاه الثاني: يتعامل معهم باعتبارهم معتقلين يتمتعون بحماية اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين.
الاتجاه الثالث: يرى أنهم مختطفون بطريقة غير شرعية، كون الاحتلال غير شرعي.
وللتأكيد؛ فإن اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة اعتبرتا أن أفراد المقاومة المسلحة المشاركين في الأعمال القتالية الذين يقعون في قبضة قوات الاحتلال هم أسرى حرب، يستمدون حمايتهم من اتفاقية جنيف الثالثة والبروتوكول الإضافي الأول. أما الذين لا يشاركون في الأعمال المسلحة والقتالية، فيخضعون لحماية اتفاقية جنيف الرابعة.
إلا أن السلطة الفلسطينية بدل أن تستفيد من بنود واتفاقات القانون الدولي؛ تتعامل مع ملف الأسرى ضمن القضايا المرتبطة بالحل النهائي مثل الحدود والأمن واللاجئين والمياه، أي عدم التعاطي مع ملف الأسرى باعتباره ملفًا حقوقيًا وسياسيًا ودوليًا، وخضوع قيادة السلطة المتنفذة لتحكم وسيطرة حكومة الاحتلال.
ونظراً لأن السلطة الفلسطينية المتنفذة، ليس بيدها ما تفعله حيال ملف الأسرى؛ فإن الأسرى الأبطال داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي يقاومون ويتحدون الاحتلال ويتحدون عنجهية الاحتلال وحكومته العسكرية الصهيونية، خاصة في غياب استراتيجية وطنية لدعم نضال الحركة الأسيرة فيقومون بالإضراب عن الطعام رغم قسوته وصعوبته كأحد أهم الأسلحة التي يستخدمها الأسرى وأقوى أشكال النضال المشروعة التي تلجأ إليها الحركة الأسيرة خلف القضبان لانتزاع الحقوق الأساسية الخاصة بالفرد أو الجماعة، حيث استطاع الأسرى من خلاله تحقيق الكثير من الإنجازات، وانتزاع جزء من حقوقهم المسلوبة، وكان آخر هذه الإضرابات التي تركت أثرًا واضحًا، واستطاعت أن تغير واقع السجون هو إضراب الكرامة في نيسان من العام 2012 الذي أنهى العزل الانفرادي في حينه، وأعاد برنامج زيارات قطاع غزة بعد انقطاع لمدة 6 سنوات متواصلة. وما يميز هذه الركيزة أنها تُسهم في تحسين ظروف الاعتقال، ولا يثمر عنها تحررهم من الأسر.
وهنا نقول بأنه لا بدّ بل من اللازم والواجب، إعطاء أهمية قصوى لبناء استراتيجية وطنية لدعم قضايا الأسرى والحركة الأسيرة، تقوم على استعادة وحدة الشعب الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة في سياق إعادة بناء الوحدة الوطنية، وبما يضمن إعادة بناء نظام فلسطيني سياسي موحد على أسس ديمقراطية، وبرنامج وطني واستراتيجية نضالية ورؤية قانونية وسياسية لوضع الآليات الكفيلة بتوفير الحماية للمعتقلين الفلسطينيين، بالاستناد إلى قواعد وأحكام القانون الدولي، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية وإملاءات القوة العسكرية للاحتلال.