أحمد صبري أبو الفتوح.. بقلم سمير الأمير
تاريخ النشر : 2022-09-22
أحمد صبري أبو الفتوح.. بقلم سمير الأمير
سمير الأمير


أحمد صبري أبو الفتوح

بقلم: سمير الأمير

في أزمنة طبيعية كان لابد أن تحتفل مصر كلها بعيد ميلاد هذا الروائي العظيم، الذي يؤرخ لتاريخ شعبنا روائيا، بلا أدنى افتعال أو انتقاص من منجز الرواية التي كتبها من يعتبرهم من الأنبياء وأولي العزم، وفي قلبهم طبعا شيخه المشدوه بعظمته نجيب محفوظ، ثم فتحي غانم وأدريس وأبو المعاطي أبو النجا، وغيرهم من الذين يعتبرهم هو علامات في الطريق.

وكذلك أبناء جيله الذين يقرأهم جيدا ليعرف أين موضعهم وموضعه في الجملة الروائية المصرية والعربية، كتب أحمد صبري ما لم يكتبه أحد من قبل عن الريف في تطوره الطبيعي المرتبط بتطور الملكية وقواعدها وعلاقاتها، فكانت ملحمته الكبري "السراسوة" المتتالية الروائية المكونة من خمسة أجزاء.

وتخللها جمهورية الأرضين التي كانت في المجمل استباقا لكارثة التوريث، و"أجندة سيد الأهل" الرواية الأعظم عن أحداث يناير التي لم يستلب فيها الروائي لصالح الأحداث أو ضدها وانما كان يتبع فيها القاعدة النقدية الجوهرية، التي يمكن تلخيصها في أن الفن الجيد لايكمن في: "ماذا حدث"؟ وإنما في:" كيف حدث ما حدث"،
ولأن الرجل يتبع مشروعا متسقا لرواية أكبر من كل الروايات ولأنه ربما كان قد سكنه هاجس الخوف من أن يُقال: إنه فقط يؤرخ لعائلته وللبرجوازية الريفية المصرية التي صعدت على اكتاف اللائحة السعيدية.

راح أحمد صبري أبو الفتوح يحفر عميقاً في الحراك الطبقي الناجم عن ثورة يوليو، ويرصد تاثيره على مجمل حياة الناس الذين قدموا من هامش الريف إلى متنه بتأثير الزلزال الأكبر في تاريخ الحركة الوطنية.
 
ثم قرر إعادة النظر لتفاصيل أزمة قطاع هام من البرجوازية الريفية ذات الاصول الوافدة وإن كان هذا طبعاً ليس جوهرياً باعتبار أن الازمة تشمل البرجوازية بشكل عام، بسبب عجزها عن استيعاب الحراك الاجتماعي بشكل يجعل الحياة العامة ممارسة ممتعة وليست تعذيباً وانحطاطاً ينعكس على القاهر قبل أن يطال المقهور.

وهذا هو جوهر "الحزن" الذي تجسد رمزياً في ابن الطبقة المترهل والمتضخم، الذي اخفوه كالعار حيا وعجزوا عن إخفائه ودفنه، في إشارة عبقرية إلى أن نتائج هذا الوجود الشائه للطبقة هو تشوه أضخم لا بد من تقطيعه وحمله إلى مقلب النفايات البشرية على دفعات، ليتمكنوا من التخلص منه.

ولأن أبو الفتوح مثقف عضوي ومنتمي فلم يغفل عن هذا التغير الارتكاسي الذي أصاب الشخصية المصرية حتى في قمة الانتلجنسيا، ليجعل جاك شهاب الدين في الرواية البديعة "حكايات من جنازة بوتشي" خاضعاً رغم كل تعليمه لخرافات تنتمي للقرنين الثاني والثالث الهجري، ناجمة عن تزييف الدين لصالح أحط تفسيراته، فينتصر للحياة بببساطة عبقرية.

وأزعم أنها من المرات النادرة التي قرأت فيها عن الكلاب في الأدب العربي بعيدا عن وضعها استعاريا في سياق روائي وتحويلها الي منطق بشري، ولعل أبو الفتوح فعلها من قبل في نحت شخصية "الصهباء" وهي مهرة سيد احمد ذات الحضور الطاغي والجوهري كشخصية محورية قادرة على أن تعبر عن تعاطفها ومحبتها، تماماً كما فعلت "بوتشي" في نضالها الحقيقي من أجل اقناع جاك شهاب الدين بوحدة الوجود.

لم أغفل طبعاً رواية أبو الفتوح الأولى "طائر الشوك" التي شكلت منبع النهر، وأعتقد أن الرجل مازال مهموماً بنصنا العام الذي سيفرض عليه كتابة أخرى ساعية لسد الثغرات اللازمة لكي تنطلق روايتنا الكبرى مرة أخرى.
 
كل سنة وكاتبنا الكبير يمتعنا بهذا المدد العذب المتدفق من محكم الإبداع الروائي الفذ والعظيم.