النصر دائماً للمقاومة
تاريخ النشر : 2022-09-22
النصر دائماً للمقاومة
بهائي راغب شراب


النصر دائماً للمقاومة

بقل: بهائي راغب شراب

الشعب الأصيل لا يمل من المقاومة، وبالنسبة للشعب الفلسطيني فالمقاومة لا تمثل قدرا يتبعه فقط ، بل هي خيار أصيل له ، ينبع من إرادته الحرة الواعية ، وينبت من جذوره الإيمانية المسلمة، ومن انتماءه الحضاري والوطني لفلسطيني، كمهد للديانات السماوية، وكرمز ديني إسلامي يقع المسجد الأقصى فيه في قلب الفعل الملتهب والمنجذب إلى رسولنا العظيم محمد صاحب رحلة الإسراء والمعراج.

الشعب الأصيل أيضاً لا يستنكف عن تقديم التضحيات الجسام ، بل يندفع نحو الفداء في سبيل بناء وطنا حرا في تقرير مصيره، وتوجيه إمكانياته وموارده لخدمة الشعب كله .. والشعب الفلسطيني هو أهم بل وأفضل شعب يقدم هذه التضحيات، وينخرط فردياً وجماعياً في معارك الفداء والموت في سبيل إعلاء كلمة الله وتثبيت الحق الإلهي والوطني للشعب الفلسطيني فوق أرض فلسطين العربية المسلمة.

الهجمة الصهيونية الجامحة ضد قطاع غزة وفي الضفة الغربية ضد المقاومة والمقاومين الحقيقيين الشرفاء تستمر بوتيرة متصاعدة استهدافا لوهم أن المقاومة الفلسطينية ستركع في النهاية، وإنها ستقبل بالاستسلام كخيار ساقط ، كما فعل بعض المحسوبين المندسين على المقاومة الفلسطينية والذين انكشفوا عندما تخلوا عن سلاح الشرف والكرامة والمقاومة وسلموه مختارين للعدو الصهيوني.

طوال تاريخ الشعب الفلسطيني فإنه لم يشتك يوما من المقاومة، ولم يتأفف من تبعاتها، وهو لم يشتكِ من عظم تضحياته في الأرواح والأموال، ومن آلام التشرد وعذابات الحدود العربية، وبؤس سجونها وزنازينها، التي بنيت لحبس آمال الفلسطينيين وإرادتهم الكريمة في الجهاد والمقاومة بلا جدوى، وبدون أن يحققوا هدفا خاسئا من أهدافهم المرسومة في واشنطن وتل أبيب.

لم يستكن الشعب الفلسطيني أمام قهر الحصار العالمي ضده، ولم يستسلم أمام رغبات الخونة والمنافقين من حكامه ومن حكام العرب على السواء، ممن جعلوا من سيد البيت الأبيض الأمريكي ربا لهم يحجون إليه أو يستقبلونه ليأخذوا منه التعليمات والأوامر والمدد لمحاربة الإسلام والمسلمين الأقوياء الذين يدافعون عن الحقوق وعن الأوطان وعن الشعوب وعن الوجود وعن الدين الذي هو قوام أمر الأمة الإسلامية جمعاء.

المقاومة الفلسطينية ليست فعل أمر وقتي مؤقت وليست طارئا يمكن تجاوزه والمرور عنه، وهي ليست مجرد فكرة عقيمة يتبعها المخلصون من المؤمنين المجاهدين، ولا هي ظل لسراب يعشش في صدور الناس بلا أسس تسندها، تقوم عليه وترتفع من فوقه إلى آفاق السماء، المقاومة الفلسطينية أيضا لم تبدأ وتنمو وتكبر بفعل عمل صبياني منفرد، ولا بفعل عصابة منبوذة كل همها أن تجمع المال والمكاسب الدنيوية.

لقد جمعت المقاومة الفلسطينية بين جوانحها التاريخ الفلسطيني الحضاري والسماوي كله فهي متمسكة به ومتعلقة بماضيه ومستقبله ، وهي مستقرة فوق عمل جمعي شامل شيدته الأمة الإسلامية المؤمنة طوال قرون الفتح والنصر والتمكين ، وطوال قرون الظلم والحروب المغولية والصليبية، وطوال قرون الاحتلال الغربي للوطن العربي، وطوال قرون الجهاد والمقاومة والصبر والصمود والبناء والمناورات والمبارزات .. وطوال عقود الحلول والمبادرات والتنازلات والتفريط والمفاوضات المخزية التي يجريها البعض إلى اليوم بلا طائل وبلا هدف.

المقاومة حق أصيل للشعب الفلسطيني ، لا يغيبها أن يكون العدو بمثل قوة إسرائيل ولا بقوة أمريكيا ولا بقوة الخونة والعملاء والمنافقين .. فقوة أولئك جميعا لا تصبر ساعة واحدة أمام قوة الله الذي تكفل بنصر عباده المجاهدين في سبيله.. والمقاومة الآن لا تمثل شأناً فلسطينياً خالصاً  منعزلاً عن مكوناته الدينية ، حيث الإسلام هو المرتكز الوحيد الرئيس لها، وهو الدافع والحافظ والمسير لها، وحيث الإسلام هو الشخصية الذاتية التي تميز الإنسان الفلسطيني المجاهد عن غيره من الناس .. فالإسلام لا يقبل القسمة ولا يقبل التجاوز عن الحقوق ، ولا يقبل المساومة .. والإسلام يرفض التنازل والتفريط والاستسلام، ويحارب التبعية والخنوع والذلة أمام أعداء الله وأعداء فلسطين.
 
المقاومة المسلمة اليوم هي عنوان الفعل المقاوم الجدي المثابر، جاءت بعد غياب قسري طويل عن ساحة المعركة ضد التخلف والاحتلال ، جاءت لتعيد تصويب الأمور إلى جادة الحق والصواب بعدما وضح من مستويات الخزي والمذلة والتضييع للحقوق وللدين وللأوطان ولمصالح الأمة جمعاء لصالح أعداء الدين والأمة على يد المنبطحين من الخونة والحكام المنافقين الذين يحاربون الدين واتباعه لصالح الكافرين.

المقاومة الإسلامية التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية حماس وإخوانها من المقاومين الشرفاء لم تدع لأي أحد أن يتأول أو يفسر ما يجري فوق أرض فلسطين على هواه ، لأنها قامت بتفسير كل شيء يحدث فوق الأرض بالثبات وبتقديم التضحيات والفداء ، والذي ليس أقله توالي ارتقاء الشهداء ، وليس أقله استمرار الحصار الظالم على قطاع غزة المقاوم المجاهد.. فالمقاومة لن تهين ولن تستسلم لقوة الغازي وهي لن تعطي الدنية في دينها ووطنها وشعبها ، والمقاومة الآن ليست ملكا لا لشخص ولفصيل ولا لحزب بيده تقرير إنهائها والقضاء عليها قبل تحقيق أهدافها نحو إعلاء كلمة الله ونحو تحري فلسطين والمسجد الأقصى المبارك.

وارتقاء الشهداء بالجملة كما حدث في مجزرة الزيتون كافية لتعطي الجواب العزيز الشريف لكل إنسان فلسطيني ما يزال يعتقد انه بولائه لحكام رام الله، وبخنوعه للصهيونية ولأمريكيا فإنه بذلك يحفظ نفسه وماله وعرضه .. لأنه ليس بعد الدين مال، وليس بعد الوطن عرض، وليس بعد الروح حياة .. حكام رام الله يعتقدون من خلال تشبيك مصالحهم مع مصالح العدو بأنهم بذلك يملكون الحكم، ويجعلونه في أياديهم ، وهم في ذلك يخرفون، حيث إسرائيل تستخدمهم، وهم يدركون ذلك، لتنفيذ مطامعها وخططها ضد المقاومة والمقاومين، لتسهيل سيطرتها على الوطن الفلسطيني من خلال إحداث تغييب قسري آخر للدين ولروح الجهاد الإيمانية عن معركة تحرير فلسطين ، لتستفرد بعدها بالفلسطينيين تستعبدهم أو تطردهم أو تقتلهم، حيث لا أحد يحاسب ولا شعب يقاوم ولا حاكم يغار ويغضب.

يسقط الشهداء الفلسطينيون كل يوم .. وبدلا من أن يفت ذلك في عضدهم ، وإذا به يمثل مددا آخر لهم يقويهم ، ويَجْبُرَهُم ، ويهبهم روحا جديدة ، تقاوم وتجاهد ، تصبر وتصمد ، وتواصل الحياة.

يسقط الشهداء وفي هذه المرة بالذات ليكتشف ضعاف النفوس والمتخاذلين سوءة ما هم فيه من الخزي والعار الذي يتلبسهم بإساءتهم لرموز الخير في فلسطين، فيعيدون اكتشاف أمرا ليس جديدا ولا نادرا، أن المقاومين الحقيقيين يضحون بالغالي والنفيس، وأن القادة فيهم مثل أصغر مقاوم، لا يهربون من ميدان المعركة ولا يتأخرون عن تقديم واجب الجهاد .. فهم أول من يضحي بأنفسهم ، وبأولادهم ، فلذات أكبادهم، وبمنازلهم وأهليهم ومصالحهم وأموالهم.. لا يبخلون بشيء صغر أو كبر ، فكل ما يملكون في سبيل الله مقدم مقدم مقدم.
 
وربما في هذا المقام تجدر الإشارة إلى مدعي النضال والمقاومة من حكام سلطة أوسلو المتهربين دائما بأنفسهم، والمهربين دائما لأولادهم وأموالهم بعيداً عن ميادين النزال والبناء في فلسطين.. وبعد ذلك لا يستحي الواحد منهم من إيقاع القذف والسب بحق القادة والجنود من رجال المقاومة الصامدين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

إن رجالاً مؤمنين أقوياء محصنين بالإيمان بالله ورسوله لا ينكثون أبدا، ولا تضعضعهم خسارة أخ مجاهد عزيز هنا أو هناك .. فكلهم على طريق التضحيات يسيرون بثبات الواثق بربه مقدمين أرواحهم وراحتهم.. وهل بعد ذلك يبقى شيء لم يقدموه..
 
هؤلاء هم المنتصرون في النهاية ، لأنهم يستحقونه ، ولأنهم من يصنعون النصر بأياديهم الضاغطة على الزناد .. ولأنهم رفضوا الوصاية عليهم خلعوها عنهم ، فقد كبروا، وعرفوا أنه.." لا يحك جلدك مثل ظفرك".

والنصر دائماً للمقاومة.. هكذا علمنا التاريخ، وهكذا نضالات الشعوب.. الشعوب تنتصر وتبقى.. والغزاة يندحرون.