تداعيات الاعتقال السياسي على السلطة
تاريخ النشر : 2022-09-22
تداعيات الاعتقال السياسي على السلطة
خالد صادق


تداعيات الاعتقال السياسي على السلطة

بقلم: خالد صادق

في أعقاب أحداث نابلس المؤسفة التي جاءت نتيجة اعتقال أجهزة أمن السلطة للمجاهد مصعب اشتية، وأدت لاستشهاد المواطن فراس يعيش برصاص أجهزة أمن السلطة وإصابة خمسة آخرين بجراح، أعلنت لجنة التنسيق الفصائلي في مدينة نابلس في ساعات الفجر الأولى من أمس الأربعاء عن التوصل لاتفاق بين المطلوبين والأجهزة الأمنية لإنهاء الأحداث في المدينة، بعد تكفل السلطة بجرحى الأحداث الأخيرة المؤسفة، والعمل على إنهاء ملف المجاهد مصعب اشتية بصورة مرضية وتشكيل لجنة من المؤسسات والفعاليات وشخصيات نابلس للعمل على زيارته ومتابعة ظروف احتجازه والعمل على سقف زمني للإفراج عنه.

ويبدو أن هناك محاولة للتسويف والمماطلة هدفها احتواء الشارع في نابلس وتهدئة الأوضاع، فنقل المجاهد مصعب اشتية إلى سجن أريحا (غوانتنامو) يعني إما تسليمه للاحتلال الصهيوني، أو تصفيته بعد الافراج عنه، فهذا مشهد متكرر وفاضح، ويدل دلالة قاطعة على أن أجهزة أمن السلطة نفذت المطلوب منها حرفياً مع المجاهد مصعب اشتية، أما الباقي فسيتكفل به الاحتلال.

وقد تم الاتفاق على اعتبار حالة المطاردين حالة وطنية دون العمل على ملاحقتها بدواعٍ أمنية إلا في حالة الخروج عن القانون، والإفراج عن الأشخاص الذين تم اعتقالهم على خلفية الأحداث الأخيرة عدا المعتدين على الأملاك الخاصة والسرقة، وعدم ملاحقة أي شخص على إثر هذا الحدث على مستوى الوطن، ولكن لم يقل لنا أحد ماذا يعني الخروج عن القانون، هل استهداف الاحتلال خروج عن القانون؟، هل حماية المدينة والمخيم خروج عن القانون؟، وماذا يعني اشتراط الافراج عن المعتقلين على خلفية أحداث نابلس بعدم الافراج عن المعتدين على الأملاك الخاصة و»السرقة»؟، إنها اشتراطات تعطي السلطة مساحة للمناورة والتملص.

تداعيات الاعتقال السياسي خطيرة جداً، خاصة إنها تأتي وفق خطة ممنهجة واضحة تحدث عنها الاحتلال الصهيوني، بضرورة تقوية السلطة ومدها بأدوات القمع اللازمة للقيام بدورها بمنع كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال.

الأحداث في نابلس ستتكرر، لأن هذه رغبة الاحتلال الصهيوني، وستنتقل من نابلس الى جنين، حيث منبع المقاومة ومركزية العمل المقاوم، جنين التي استعصت على الاحتلال، وأصبح لزاماً على السلطة أن تقوم بدورها في قمع المقاومة وخنقها، فأجهزة أمن السلطة تقوم بدورها معتمدة على وعي المقاومين الذين يحاولون تجنب إشعال مواجهة داخلية فلسطينية فلسطينية، رافضين أن تنحرف بوصلتهم عن وجهتها نحو الاحتلال، فمن يضمن استمرار ذلك في حال تغولت أجهزة أمن السلطة على المقاومين وحاولت اعتقالهم أو استهدافهم لا سمح الله.

كان الواجب على لجنة التنسيق الفصائلي أن تأخذ ضمانات كافية على عدم تكرار حدث نابلس مجدداً، وأن تطالب بإطلاق سراح مصعب وإخوانه دون قيد أو شرط، وأن تتعهد بحماية المجاهدين من أي عمليات ملاحقة صهيونية بغرض التصفية أو الاعتقال، ووقف كل أشكال التنسيق الأمني، وتشكيل فريق مشترك بين المقاومين وأجهزة الأمن مهمته الأساسية الرباط على حدود المدينة والمخيم، لمنع أي عمليات تسلل للمستعربين الصهاينة أو الجيبات العسكرية، لكن ما حدث كان دافعه الرئيسي هو احتواء الأحداث التي اندلعت في أعقاب إطلاق سراح المجاهد مصعب اشتية، دون انتزاع أي ضمانات بعدم تكرار هذا المشهد.

فالأمور باتت واضحة، والسلطة بأجهزتها الأمنية لا تستطيع التنصل من جريمة التعاون الأمني مع الاحتلال، خاصة بعد أن ربطت إسرائيل وجود السلطة في الضفة بقدرتها على احتواء الشارع الفلسطيني ومنع كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال بأي شكل كان.

رحم الله الشهيد فراس يعيش الذي ارتقى متأثرًا بإصابته برصاص أجهزة أمن السلطة خلال احتجاجات غاضبة بنابلس، فقد شاركت جموع غفيرة في تشييع جثمان الشهيد «يعيش»، وسط تكبيرات وهتافات منددة بجريمة قتله برصاص أجهزة السلطة، وصدحوا بكلمات: «التنسيق ليش ليش.. مرة السلطة ومرة الجيش»، و «يا سلطة مالك مالك.. شو هذا اللي جرى الك «واندلعت مواجهات بين أجهزة السلطة ومئات من المواطنين الذين خرجوا في مسيرة رفضًا لاعتقال المطارد مصعب اشتية، من قبل قوات أمن السلطة.

ودعت مؤسسات حقوقية إلى المحاسبة الفورية لمن قتل المواطن فراس يعيش، ونادت بإنفاذٍ عاجل لنتائج لجان التحقيق السابقة وتوصياتها الداعية إلى كفِ الأجهزة التنفيذية سلاحها عن المواطنين، فهل نحن أمام جريمة أخرى على شاكلة جريمة قتل وتصفية الناشط السياسي الشهيد نزار بنات، والذي قتل على يد أجهزة أمن السلطة دون أن يحاسب القتلة حتى الآن على جريمتهم.

رغم أن المشهد يتكرر والمجرم واحد؟، فمن قتل نزار بنات هو نفسه الذي قتل فراس يعيش، وهو الذي أطلق النار على الشيخ المجاهد خضر عدنان وهو الذي يلاحق المقاوم عميد طبيلة ويلاحق كتيبة نابلس ويلاحق كتيبة جنين، وسيبقى يلاحق الفدائيين الأبطال أينما كانوا وأينما حلوا، لأنه مكلف بذلك من الاحتلال، لذلك كان على لجنة التنسيق الفصائلي أن تتشدد في مواقفها، وتلزم هؤلاء بقرارات صارمة تضمن سلامة المقاومين، وتضمن أمنهم وأمانهم، وأن لا تتجرأ السلطة عليهم، ولا يتجرأ سلاح السلطة على أبناء شعبنا.