لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
تاريخ النشر : 2022-09-21
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
أ.د.مُحمّد حافِظ الشّريدة


[تَذكيرُ الجُندِيّ وَالمُوَظّف وَعالِمِ السّلطان المُنافِق بِوَصِيّتهِ ﷺ لا طاعَة لِمَخلوقٍ بِمَعصِيَة الخالِق]

بِقَلم: أ.د.مُحمّد حافِظ الشّريدة

بمُناسبَة الأحداثِ الأليمَة التي وَقَعت أمْس في مَدينَتِنا الحَبيبَة نابلس أقولُ وَبِاللّهِ التّوفيق: لَقَد بَعَثَ رَسولُ اللّهِ ﷺ جَيْشاً وَأَمَّرَ عَلَيْهِم رَجُلاً فَأوْقَدَ نَاراً وَقالَ: ادْخُلُوهَا فَأرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا وَقالَ آخَرُونَ: إنَّما فَرَرْنَا مِنْها فَذَكَرُوا ذلِكَ لِلرّسول ﷺ فَقالَ لِلَّذِينَ أرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا: {لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ} وَقالَ ﷺ لِلْآخَرِينَ: {لا طَاعَةَ في مَعصِيَةِ إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ}.

وَمِن المَعلوم لكُم أيّها المُسلمون أنّ مِن أُصولِ دِين الإسلام: {لَا طاعَةَ لمَخْلوقٍ في مَعصِيَة الخالِقِ} وَيَدخُلُ تحتَ هذا الأصلِ الدّينيّ كُلُّ مَن أُمِرَ بِطاعَةِ أحَدٍ مِن النّاس: فَيَجب على الزّوجَة طاعَة زَوجها في غيرِ مَعصِيَة، وَيَجب عَلى الابنِ طاعَة والِديه في غَيرِ مَعصِيَة وَيَجب عَلى الجُندِيّ وَالمُوظّف وَالشّرطيّ طاعَة مُديرهِ في غَيرِ مَعصِيَة، وَيجب عَلى المُواطنين طاعَة المَسؤولين عَنهم في غيرِ مَعصِيَة وَيجبُ عَلی المَسؤولين أن يَتَحاكموا إلی دِين اللّهِ رَبّ العالَمين.

إنّ المُراد بِقولهِ ﷺ: {إنَّما الطَّاعةُ في المَعروفِ} أي: في طَاعةِ اللّهِ وَرَسولِه وَهذا نَهْيٌ مِن النّبيّ ﷺ عَن طاعَةِ أيّ مَخْلوقٍ كان في مَعصِيَة الرّحمن حتّى وَإن كانَ السّلطان أوْ مِن أصحابِ الشّأن.

وَمِن المَعلوم كذلكَ أنّ النّصوص الدّينيّة مِن الكِتاب الكَريم وَالسّنّة النّبويّة التي وَرَدت في وُجوبِ طاعَة الرّعيّة: هِي لِمن يَحكُم مِنهم بِالشّريعة الإسلاميّة وَليسَت طاعَة مُطلَقة إجباريّة وَإنّما هيَ مُقيَّدةٌ بِما لَم يَكُن فيها مُخالَفة لِأوامرِ اللّهِ رَبّ البَرِيّة أوْ أوامِر رَسولِه خَيرِ البَشريّة ﷺ قالَ اللّهُ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَيَنبغي أن نُذَكّر في هذا المَقام بِأنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَمْ يَقُل: [وَأطيعوا أولي الأمْر]، وَإنّما قالَ: {وَأُولي الْأمْرِ مِنْكُمْ} لِأنّ طاعَة اللّهِ جَلّ وَعَلا وَطاعَة رَسولهِ ﷺ مُطلَقة تامّة وَطاعَة ما سِواهُما مُقَيّدَة بِما لا يَتعارَض قَطّ مَع أحكامِ الشّريعة الإسلاميّة.

وَنُلاحِظ أنّ اللّهَ ﷻ قالَ: {وَأولي الْأمْرِ مِنكُم} أيْ: مِن المُسلمين وَليسَ مِن اليَسارِ وَاليَمين العَلْمانِيّين! وَأهمسُ في هَذا المَقام في أذُن كُلّ مُوَظّف: إيّاكَ يا عَبدَ اللّهِ أن تكونَ سَبباً في ظُلمِ أوْ إهانَةِ أوْ تَعذيبِ أوْ قَتلِ أيّ مُواطنٍ حَتّى لَوْ طَلَب ذلكَ مِنكَ المَسؤول عَنك: فَلا طاعَة لِمَخلوقٍ في مَعصِيَة اللّهِ الخالِق.

وَلن يُغني عَنك مُديركَ مِن رَبّك شَيئاً بَل سَيَتبَرّأُ مِنكَ في الدّارَين وَالظّلمُ ظُلُماتٌ يَوْم الدّين وَكما تَدينُ تُدان وَلو بَعد حِين إنّي لَك وَاللّهِ مِن النّاصِحين {وَمَتى استَعبَدتمُ النّاسَ وَقَد وَلدَتهُم أمّهاتهُم أحراراً؟!}

إنّنا نُناشِد كُلّاً مِن الرّاعي وَالرّعِيّة وَالفَصائل الوَطَنيّة: ألّا تَحرِف البوصلَة عَن المَسری وَالأسری وَالقَضِيّة الفِلسطينيّة! وَأقولُ في الخِتام وَأجري عَلی اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {بَشّر القاتِل بِالقَتل وَلوْ كانَ مُدَجَّجاً بِالسّلاحِ وَمُحاطاً بِالْجُندِ وَالأهْل}، وَنَعوذُ بِاللّهِ مِن الفِتَن ما ظَهرَ مِنها وَما بَطَن.