الحرمان
تاريخ النشر : 2022-09-15
الحرمان

بقلم: على حزين - مصر  


استيقظتْ لتجد شخصاً غريباً نائماً بجوارها حينها جن جنونها, وطار عقلها من رأسها , وأصيبت بحالة من الذهول ودوار شديد أرادت أن تصرخ بكل صوتها لتستغيث ولكن الموقف عقد لسانها ,, فحاولت النهوض لتجري سريعاً من المكان, لكنها شعرتْ وكأن قدماها قد شُلت ولم تقوى على الحركة, حاولت أكثر من مرة ولكنها فشلت فشلاً زريعاً وكأنها لصقت في الفراش فالصدمة كانت أكبر من كل توقع , وأكبر من كل تخيل, حاولت أن تتذكر ما حدث معها ولكنها فشلت, فهي لم تستطع حتى أن تقوم من مكانها, ولفت الدنيا برأسها ودارت, راحت , وجاءت , وهي تسأل نفسها في ذهول:

ــ ما الذي حدث , وكيف حدث ..؟!, ومن هذا الشخص الغريب الذي يرقد بجواري في اطمئنان وسِلْم داخلي هكذا..؟!!, ومن أين جاء..؟!! , وكيف جاء ..؟!! , وكيف ينام بجواري هكذا في سبات عميق ..؟!, وكيف وصل إلى هنا..؟!!, وكيف نام بجواري هكذا ..؟! وماذا حدث معي وأنا نائمة..؟!!.. وماذا لو جاء زوجي الأن ورآه على سريره..؟!, أو علم حتى بوجوده ..؟!!, يا للهول .. كيف أتصرف أنا الأن ..؟!!.. ولماذا .. وكيف.. ولما ..؟! ," .......

كل هذه الاسئلة وغيرها الكثير دارت برأسها التي تكاد تنفجر في ثواني معدودة وهي تحاول أن تلملم بقايا نفسِها المبعثرة في المكان من هول الذي تراه..

" زوجها رجل على خلق ودين, مهذب, يقدس الحياة الزوجية, ويكبرها بعشر سنين , يعمل جاهداً ليوفر لها لقمة العيش والحياة كريمة المريحة, ودائماً كان يسعى ويسارع في ارضائها بكل الطرق الممكنة والغير ممكنة, بّيْد أنها لم تشعر به كحبيب, ولم تشعر بالسعادة معه في يوم من الأيام, وعلى الرغم من الحياة الكريمة المرفهة وطول العشرة إلا أنها كانت تعيسة معه , وكانت تشعر بالحرمان العاطفي, والخواء الروحي , وبعدم السعادة والاستقرار النفسي برغم أنها أنجبت منه أطفالاً إلا أنها كانت غير سعيدة معه, وكانت تشعر دوماً بأن شيئا ما ينقصها فهي ترغب في الحب والاهتمام "..

كانت من حين لأخر ترن في أذنها كلمات المدح والثناء والإطراء عليها من معارفها وأصدقاء العمل المحيطين بها من الرجال مع نظرات الإعجاب والانبهار التي تلاحقها أينما ذهبت , أو حلت , أو رحلت , وكانت ترى الرغبة في عيونهم, فهي لم تزل شابة صغيرة وعلى قدر كبير من الجمال, ومازالت محَطّ إعجاب واهتمام الكثير من الرجال المحيطين بها من كل جانب, وكل من تلقاهم من الرجال:

ــ وردة جميلة ودبلت .. شمعة وانطفأت .. جوهرة ثمينة ولا تجد من يقدرها...

وكانت دائماً تشعرها تلك الكلمات بالراحة النفسية والسعادة المنشودة ..

فكانت تهرب من كل هذا إلى أحلام اليقظة ..

في أحايين كثيرة كانت تندمج في خيالِها الواسع لدرجة أنها كانت تتخيل شخصاً غريباً يجلس مها في الغرفة , تستدعيه من الذاكرة المجهدة , تتخيله وهو يلاطفها , يحادثها, يراقصها, يُسمِعُها كلمات الحب والغزل, ثم تتخيله وهو يقبلها, يحضنها .. وهو ... وهو ... وهو..

وفي الصباح, تستيقظ , تذهب إلى الحمام .. تغتسل , ثم تخرج لتندمج مع العالم , وتنغرس في مشاغلها اليومية, وهموم الحياة التي لا تنتهي إلا بانتهاء العالم , وشياطين الإنس الذين يحيطونها من كل جانب..

أكثر من مرة حاولت أن تتقرب من زوجها لتبعد عنها هذا الوسواس القهري, وهذا الخيال المريض الذي سيطر عليها تماماً , وأفسد عليها حياتها , وفي كل مرة كانت تتعرض له فيها

كان يُعرض عنها , وينصرف , وربما تهرب منها بأسباب وعلل هي تراها واهية, فتتشاجر معه , فيرميها بالهوس, والجنون, ثم يتركها وينصرف إما إلى الشارع أو النوم..  

"الرقص والغناء والطرب هم عزاءها الوحيد , تدخل غرفتها .. تقف أمام المرآة , تتجرد , تستعرض مفاتنها, برهة من الوقت, وتشرع في الرقص حتى منتصف اليل , وحتى تنهد قواها , وتشعر بالإرهاق , والتعب, ثم تنام على انغام الموسيقي الصاخبة, بعدما تشعر بالراحة, وتكون قد نضت ثيابها عنها بعيداً كالعادة ,".

وظلت هكذا فترة من الزمن , لكنها لا تدري بأن هناك عيون ناظرة كانت تتلصص عليها من مكان خفي , وكانت تنتظرها كل ليلة حين تخلو بنفسها, وكانت تحب أن تراها بالملابس الداخلية وهي تتراقص في الغرفة أمام المرآة وهي عارية تماماً , وكانت ترغب فيها, وكانت تلتهمها كل ليلة في صمت..

" كانت تظن بأن القدر يعاندها ــ من وجهة نظرها طبعاً ــ ولم يعطها ما كانت تتمناه وكانت تقول هكذا لنفسها دئماً, فهي شابة صغيرة وعلى قدرٍ كبير من الجمال والنضارة وكانت تنشده وتبحث عنه في كل شيء فهي رومانسية جداً وعاطفية بطبعها ومع ذلك تزوجت زواجاً تقليدياً زواج صالونات , ومع ذلك لم يُنسها حبها الأول الذي ضاع منها في زحمة الحياة , فحبيبها تزوج غيرها , خلع, فلسع, انسلخ, وخلى وتخلى عنها, فتزوجت بهذا الرجل الثري الذي طرق عليهم الباب ذات مساء ..  فوجدت فيه الخلاص , والمناص, لترد القلم لحبيبها فهي لم تظل العمر كله في انتظار رجوعه إليها , فهي لم تنساه في يوم من الأيام , ولكن أرادت أن ترد الصفعة التي أخذتها وتشعره بالندم على ضياعها من يده وخاصةً أن الأهل أقنعوها بهذا الرجل الذي به مواصفات تتمناها أي فتاة وعلى مبدأ:

ــ  عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة , ظل راجل ولا ظل حيطة..

ومع مرور الوقت عرفت طريقها للخروج والسهر خارج المنزل, بل وتعاطت الشراب أيضاً"

في البداية كانت العلاقة بسيطة جداً, وسطحية, ولا تتعدى تحرش أو ملامسة على غفلة منها, فتستيقظ من نومها فزعة, خائفة, متوترة , قلقة لما يحدث لها, وهي تشعر بقوة خفية تحيط بها من كل جانب , وشعرت وكأن جسداً ما لامس جسدها العاري الذي أحس بنشوى ولذة خادرة كانت مفتقداها..

وفي كل مرة كانت تقاوم تشعر بالعجز أمام تلك النشوة الغريبة, والرغبة الجامحة المكبوتة التي كانت تغزو كل جسدها الممتلئ , كلما جاءها هذا الأمر لكنها لم تستسلم له ..

يصدر الهاتف نغمة مميزة تعشقها, تسرع إليه .. يهاتفها , تكلمه بلهفة وشوق, يسأل عن أخبارها , يطلب منها أن تفتح الكاميرا , ترفض , يلح عليها في الطلب , تغلق الهاتف, ترميه من يدها بعيداً عنها على السرير , فيقع على المجوهرات اللامعة التي اشتراها لها زوجها ..  تجلس بجوارهم على السرير تشرد قليلاً , ثم تمسك بالهاتف تتصل بزوجها , حادثته وقتاً قليلاً , طلبت منه أن يعود إليها سريعاً , فواعدها بهدية ثمينة حال عودته من السفر قريباً , أخبرته بما يحدث لها في غيابه, وأنها في حاجة إليه, يهدئ من روعها.. يطمئنها, ويخبرها بأن كل هذا مجرد أوهام , وبأنه سيعود إليها قريباً جداً, ترمي الهاتف من يدها مرة أخرى.

تقف , تتأفف , تخرج تطمئن على أولادها , ثم تعود إلى غرفتها وفراشها..

" عندما يغفل عنها الجميع تدخل حجرتها تغلقها بإحكام , تضيء مصباح الغرفة , تنضي عنها ثيابها , تقف أمام المرآة عاريةً تماماً, تستعرض جسدها الغض البض الطري تعبث فيه تتحسسه برفق ثم ترمي به في كل اتجاه, وهو جاحظ العينين يلتهمها بكل تفاصيلها الجميلة المبعثرة في فضاء الحجرة المغلقة في صمت وترقب"...

في ذات مرة من المرات شعرت وكأن يداً في تلك الليلة قد امتدت من مكان خفي لتمسكها بلطف , وراحت تعبث بجسدها المنهك المتعب فأحست بارتعاشه خفيفة سرت في كل جسدها, ثم شعرت بحركة غريبة مريبة حدثت وهي نائمة, تحسست أبعاضها الساكنة بلطف, فشعرت بارتعاشه خفيفة تسري في جسدها, خافت, نهضت , فزعت, قاومت , وقامت مسرعة , وهي تسأل نفسها بصوت خافت , عما حدث لها:

ــ ما هذا الذي يحدث معي؟!

وغرقت في سديم من الافتراضات , وتاهت في سراديب من الفكر القاسي , ولكنها لم تعثر على إجابة مقنعة, أو تفسير منطقي لما حدث لها , غير أنها أقنعت نفسها بأن هذه أوهام وخيال , أو ربما كانت تهيؤات وفقط , وراح شيئا ما بداخلها يقنعها ويخبرها ويطمئنها بأن كل هذا ما هو إلا حلم أو ربما كانت هلاوساً وأوهاماً .. وأحلام يقظة كاذبة من كثرة التفكير في الجنس ليس إلا خاصة وأنها منذ فترة طويلة تعاني من الاهمال والحرمان العاطفي , وافترضت أن تلك اليد التي امتدت في الخفاء ما هي إلا محض خيال مريض , وأقنعت نفسها بذلك, ولم ترد أن تخبر أحداً بما يحدث معها , حتى لا يرمونها بالمس, أو الجنون , أو المرض النفسي..

"أحبَها حُباً شديداً فسكن فيها وسكنَتْ فيه, فلم يقوى علي فراقها , فكان يأتيها كل ليلة بما لذ وطاب وهي نائمة فتعطيه كل شيء بعدما تكون قد نضت ثيابها بعيداً عنها وهي لا تدري بأن الذي يأتيها ليس من بني البشر , أو تدري ما  يحدث معها لكنها تتجاهله"..

ومع التكرار بدأت تشعر بالسعادة والفرح ..واستسلمت لما يحدث لها, واعتبرته خيالاً ليس إلا فهي محرومة من حقها الطبيعي كأنثى, بحكم أن زوجها كان مشغولاً عنها بالسعي على لقمة العيش, وخاصة فكرة ممارسة الحب كانت تسيطر عليها تماماً, فزوجها قد أهملها منذ فترة ليست بالقليلة , ولم يعد يرغب فيها, أو يدعوها للفراش, وهي مازالت شابةً صغيرة في العقد الثالث , أو الرابع من عمرها, بل كان يتهرب منها لأنه كان يهتم بأشياء أخرى كثيرة يعتبرها أهم , وهذه واحدة منها وليست كل شيء..

" تنهض, تقف أمام المرآة مرةً أخرى, تستعرض جسدها على فساتينها الفخمة التي مازالت بشوكتها , تخرج علبة مصاغها والمجوهرات التي أهداها لها زوجها ترميها على السرير , تنظر إليها في شرود وتضحك في هستيريا , ثم تبكي"..

دام زواجهما فترة طويلة من الزمان, إلا أنها لم تشعر معه بالراحة ولا السعادة من أول يوم من الأيام, أنجبت له ثلاثة أطفال لكن الأطفال لم يعوضوها عن الحب الذي كانت تبحث عنه وتنشده مع هذا الزواج التقليدي ...الفراغ والملل والحرمان شيءٌ قاتل..

استرخت على سريرها .. سرحت بخيالها بعيداً .. استرجعت ذكرياتها القديمة..

تذكرت ليلة زفافها , وكيف رقصت وسهرت معه حتى الصباح , وكيف جاءت إلى هنا , وكيف تخلى عنها حبيبها وهو الذي كان يُحبها حباً شديداً وهي أيضاً أحبته بجنون, وكيف أسلمت له نفسها  حتى أسعدته ...  وكيف .. وكيف .. وكيف..

قاومت وعاد لها عقلها الواعي , فارتدت ثيابها سريعاً واندست تحت الغطاء, ثم نامت "..

ومرت الأيام تعقبها أيام وقد ضعُف جسدها وهزلتْ قواها وسيطر على عقلها الأوهام والخيالات وانهارت تماماً , وكاد عقلها أن يتلف, وأسرفت في الشراب , والخروج , والسهر والفكر .. كل ذلك وزوجها غير موجود معها فعمله يقتضي السفر إلى بلاد بعيدة لمدة أيام وأحاناً شهور , والفراغ والملل مع الحرمان أخطر على الإنسان من مثلث برمودا..

كثيراً ما كانت تشرد بذهنها وتعيش هذا الخيال المريض, تُحدث نفسها كثيراً وتخلو بنفسها كثيراً , وهي تنتظر زوجها يهتم بها, أو يدنو منها كما كان يفعل من قبل , أو يغدق عليها كلمات المدح والثناء والغزل كما كان يفعل معها في الماضي , ليشعرها بأنوثتها وجمالها, فهي تحب ذلك منه وترغب فيه كأي أنثي , وكباقي النساء اللاتي تحب أن يحتضنها زوجها ويسمعها كلام الحب والغرام, والغزل والعشق والهيام ومن ثمَّ يمارس معها الحب , ويعطيها حقها الشرعي , كلما استدعتها غريزتها ونداء الطبيعة

وتتخيل كما لو كانت تقف أمام زوجها, أو رجل آخر, ولكن زوجها بحكم وطبيعة عمله لا يستطيع أن يفعل ذلك..

وطال انتظارها, ومرت الشهور, والسنون حتى أدى ذلك إلى يأسها والنفور منه وعدم الرغبة فيه وعدم الكلام معه إلا فيما ندر, وانطوت على نفسها, ولزمت الصمت , ولزمت خيالها حتى دخلت في نوبة اكتئاب حاد وألى أن وصل الأمر بأن انتهت الحياة الزوجية بالانفصال النفسي , والطلاق النفسي الصامت..

وفي ذات ليلة من ليالي الصيف الخانق وقد نضت ثيابها بعداً عنها وبدأت في وصلة رقص طويلة على أنغام الموسيقى الصاخبة أمام المرآة أخرجت فيها كل طاقتها المكبوتة الكامنة وحتى وصل الرقص بها مداه ففوجئت بذات اليد الغريبة وهي تلامس جسدها الطري اللدن العاطش للري الذي لم يرتوي بعد , وهي لم تستطع المقاومة أو الصبر..

ليلتها نامت دون أن تستر جسدها..