الوَطَنُ فِي لَوْحَةِ فَنّان
تاريخ النشر : 2022-09-12
الوَطَنُ فِي لَوْحَةِ فَنّان
أ. خَالِد الزَّبُون


الوَطَنُ فِي لَوْحَةِ فَنّان

بِقَلَم: أ. خَالِد الزَّبُون، كاتب فلسطيني

يَعِيشُ فِي مَنْزِلٍ أَنِيقٍ فِي جُزِر السَّلَامِ وَيَذْهَبُ أَبْنَائَه
إلَى أَفْضَلِ الْمَدَارِسِ ، تنقلُهم الحافِلَةُ وَيَعُودُونَ بِهَا،
رَفَاهِيَة الْعَيْشِ تَذْهَبُ بِهِمْ كُلَّ عَامٍ إلَى جَوْلَةٍ سياحيةٍ
يَطُوفُونَ بِهَا الْبِلَادَ يتعرفونَ عَلَى جَمَال طَبيعَتِهَا ، امْنٌ
وَهُدُوء وَسَلَامٌ وَاطْمِئْنَانٌ ، لَقَدْ وَصَل أَجْدَادَه إلَى هَذِهِ
الْبِلَادِ قَسْرًا بَعْدَد هُجُومٍ مُباغِتٍ عَلَى قَرْيَتِهِم الَّتِي
تَقَعُ عَلَى الْبَحْرِ ، كَانَت السَّاعَةُ تَدُقُّ بَعْدَ مُنْتَصَفِ
اللَّيْلِ وفجأةً تَحَوَّل اللَّيْلُ إلَى نَهَارٍ حَيْثُ كَانَ القصفُ
عَنِيفًا شَمَلَ كُلَّ مَنَازِلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَسْتَنِدُ بَعْضَهَا
إلَى بَعْضٍ مِمَّا أَدَّى أنْ يَكُونَ الدَّمَارُ كَبِيرًا ، فَلَمْ
يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ شَيْئًا سِوَى مِفْتَاح مَنْزِلهِ
لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِه وَحَيَاةِ أَبْنَائِه فَقَدْ كَانَتْ حَيَاتَهم حَيَاة
الْفَلَّاحِين الَّذِين يدافعونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِوَسَائِلَ بَدائيَّةٍ
لَا تَرْقَى لِلْوُقُوفِ والصُّمودِ امَامَ هَذَا السِّلَاح المتطوِّر،
فَكَانَ الْخُرُوجُ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلَام فَقَدْ سَقَطَ الْكَثِيرُونَ
شُهَدَاء ضَحَايَا الظُّلْمِ والاستبدِاد ، لَقَدْ كَانَتْ رِحْلَة الْخُرُوج
قَاسِيَة وَصَعْبَة ، وَلَكِنَّهَا مَشِيئَةُ اللَّهِ أَنْ يَصِلَ أَجْدَادَه
إلَى الْغُرْبَةِ وَأن يعيشوا فِي الْمُجْتَمَعِ وَلَكِنْ مَعَ الْحِفَّاظِ
عَلَى مَا تَبَقَّى لَهُمْ مِنْ إرْثٍ يَحْمِلُ رَائِحَةَ الْأَرْض وَالْوَطَن
وَالْإِنْسَان ، مِفْتَاحٌ وعقالٌ وكوفيةٌ وأحلامٌ تعَانَقُ النُّجُومَ،
مَوْطِنهَا الْقَلْب وَالْوَرِيد ، فَمَا زَالَ عَلَى ذِكْرَى وَالِدِهِ مِنْ
السَّلَفِ إلَى الْخَلَفِ ، حَيَاةٌ تَتدافَعُ عَاطِفَتهَا كُلَّمَا هَبَّتْ
مِن الْشرق تَحْمِلُ مَعَهَا الْأَزْهَار وَرَائِحَةَ الْوُرُود وعطرَ
الْيَاسَمِين ، ذِكْرَيَات تَمْر كَالسَّحَاب ، أَيْقَظَه مِنْهَا مُهَنَّد
ابْنَه الصَّغِير ، لَقَد اشْتَرَكَتُ يَا وَالِدِي فِي مُسَابَقَةٍ لِرَسْم
الَعَلم ، اُنْظُر وَأَعْطِنِي رَأْيِك، هَل سأفوزُ؟ سيعطونَ الفَائِزَ
جَائِزَةً كَبِيرَةً ، رَحْلة إِلىَ الجَامِعَةِ ، نَظَر وَالِده إلَى
اللَّوْحَة ، هِي بِرِيشَة فَنّان ، تَكْشِف عَن رَسّام تَشْكِيلِي سَيَكُونُ
لَهُ مُسْتَقْبِلٌ بَاهِر بريشته الَّتِي تتقن نَقْش الْأَلْوَان
وَتَوْزِيعهَا ، فَكَمْ كَانَتْ فَرَحة الْوَالِد كَبِيرَة بِابْنِه وعنفوانه
وَإصْرَاره عَلَى الفَوْزِ ، لَكِنَّه أَخَذَه جَانِبًا وَقَالَ لَهُ هُنَاكَ
عَلَمٌ آخَرُ عَلَيْكَ أَنْ تَحْفَظَهُ فِي قَلْبِك وَعَقْلك وَأن ترسمَهُ
فَفِيه حِكَايَة جَدك وَرِوَايَة أَبِيك وقصتك الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَفُوزَ
بألوانكِ وَلَك جَائِزَةٌ كَبِيرَةٌ أَنْ تَرَاهُ فِي كُلِّ امنياتِكَ
وَنُورًا لحياتِك.