الأدب الأندلسي.. أبو البقاء الرندي أنموذجاً
تاريخ النشر : 2022-09-06
الأدب الأندلسي.. أبو البقاء الرندي أنموذجاً


الأدب الأندلسي.. أبو البقاء الرندي أنموذجاً

بقلم:  محمد جبرين صالح

تميز الأدب الأندلسي بظهور فن "الموشحات"، وهو نوع من النظم يختلف عن القصيدة العربية بأن الأصل فيه هو الغناء والتلحين الموسيقي، وأن توضع كلماته طبقا لأنغام سارية على الألسن والمقطع الأخير فيه يحسن أن يكون أشعارا مغناة بالفعل، سواء بالعامية الأندلسية أو بالإسبانية القديمة، أي إن قائل الموشح يختار جزءا من أغنية دارجة، ثم ينظم الموشح على أساسه.
والموشحات طورت في وزن الشعر العربي ونظام القافية، واعتبروها ثورة عروضية تجديدية كسرت عمود القصيدة التقليدية وابتكرت نظاما منضدا جديدا في الشعر.

وتطورت الموشحات في وزن الشعر العربي ونظام القافية، وهي ثورة عروضية تجديدية، سحقت عمود القصيدة التراثية، واخترعت انضباطا حديثا في الشعر، وفي أطوال الأشطار ونظام التفعيلات وتعتمد أحيانا على نظام "النبر" المعتمد في الشعر الإسباني، فيها أوزان عربية، وإيقاعات أندلسية أوروبية، وتجنيد أوزانها يرجع إلى الليونة العازفة الموسيقية.

وللموشحات مصطلحات عديدة: الفقرة في "الموشحة" تسمى بيتا، وتتركب من أشطار عديدة وأشطار الفقرة فيها جزأين أولهما يسمى الغصن و يأتي على قافية موحدة، والثاني يسمى قفلا و يجيئ على قافية واحدة فيما بينه، ومنسجمة مع أقفال بقية الفقرات، والقفل الأخير في الموشحة يسمى خرجة

والموشح ضرب من ضروب الشعر ابتكره المتأخرون ببواعث الطلوع على نظام القصيدة والانتفاضة على المسلك الغابر للشعر وتماثلا مع روح الماهية الحديثة في بلاد الأندلس والتحاما في تعدد التلحين والغناء.

الموشحات فن من فنون الشعر العربي اعتمد على نطاق تعدد الأوزان الشعرية، وكان ظهوره في في أرض الأندلس، وقد اتسعت الموشحات في كل موضوعات الشعر العربي وأهدافه ويعد الموشع واحداً من فنون الشعر كالقريض،والموشح،والدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان كان، والقوما.

الموشح فن شعري مستحدث، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي في أمور عدة، وذلك بالتزامه بقواعد معينة في التقنية وبخروجه غالباً على الأعاريض الخليلية، وباستعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية في خرجته،ثم باتصاله القوي بالغناء.
سبب تسميتها بالموشحات: لأناقته وتنميقه نعتا له بوشاح المرأة. إن الموشحات الشعرية إنما سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة.
 
والموشحات قد نشأت في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبدالله، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب، وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر.

فالموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً، ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانياً.أما كونها استجابة لحاجة فنية فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء.

وقد تطورت الموشحات في القرن الخامس الهجري أيام ملوك الطوائف، ثم تطور بعد ذلك الزجل وانتقل هذان اللونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيه الوشاحون والزجالون ، وعرفهما كذلك الأدب الأوروبي، فتأثر بهما شعراء جنوب فرنسا المسلمون (التروبادور) كما تأثر بهما كثيرون من الشعراء الأسبان الغنائيين، وانتقل التأثير إلى الشعر الايطالي ممثلاً في عدة أنواع مثل النوع الديني المسمى (لاوديس) والنوع الغنائي المسمى (بالاتا).

اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري، ويجيء اسم أحمد بن عبدربه صاحب العقد الفريد في مقدمة مبتدعي الموشحات في الأندلس، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخين فهو أبوبكر عبادة بن ماء السماء المتوفى عام422هـ، ثم يجيء بعد ذلك عبادة القزاز، ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات، وابن باجه الفيلسوف الشاعر المتوفى 533هـ، ولسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر بغرناطة المتوفى سنة 776هـ.

استمر هذا الفن في الأندلس منذ أن جددت مدرسة زرياب في الشعر،فأخرجت لنا الموشحات إلى أن سقطت غرناطة في القرن التاسع الهجري 879هـ،وفي المشرق كان الفضل لابن سناء الملك المصري المتوفى608هـ ـ 1212م في انتشار فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب موشحة:
كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
و اجعلي سوارها منعطف الجدول
ورئاسة فن التوشيح فهي لأبي عبدالله بن الخطيب صاحب الموشحة الشهيرة "جادك الغيث" توفي أبو عبدالله سنة 1374م في مدينة فاس شاعر الأندلس والمغرب تولى الوزارة بغرناطة عُرِف بذي الوزارتين(الأدب والسيف)وتعتبر موشحة ابن الخطيب من أشهر الموشحات وأغناها بالفكرة والصورة والإحساس والتلوين الكلامي.

درس الطب والفلسفة والفقه واللغة و الأدب وخدم الوزير علي بن الجياب واستوزره بنو الأحمر، ألّف حوالي ستين كتاباً معظمها في التاريخ والجغرافيا و الأدب والطب، أهمها (الإحاطة في تاريخ غرناطة) و( اللمحة البدرية في الدولة النصرية)،و(معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار)، و(خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف)،و(ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب)، وله خطب معروفة ورسائل مطنبة ومسجوعة،و موشحات رقيقة، وديوان شعر،ويعد لسان الدين من أعظم رجال الأندلس في عهدها الأخير.
يقول لسان الدين بن الخطيب: جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمـــان الـوصل بالأنــدلـــسِ
أغراض الموشحات:
بدأت الموشحات في خدمة الحب والغزل فإنه وبمرور الزمان مالبثت أغراض القول فيها أن تعددت ومافتئت موضوعاتها أن تشبعت فأصبح الوشاحون ينشئونها في فنون الغناء والخمر ومجالس اللهو و وصف الطبيعة والمدح والرثاء والهجاء وكثيراً ما كانت قصور الخلفاء و الأمراء تضم مجالس الغناء حيث يلتقي الشاعر و الوشّاح والمغنّي والملحن، فيطرب الخليفة وتكون الفرصة سانحة لأن ينال كل من الوشاح والمغنّي شيئاً من عطاء الخليفة.

على أن الموشحة مالبثت أن اتخذت طريقاً بعيداً عن الغرض الذي ابتُدِعت من أجله، فإذا كانت قد بدأت بالقول في الغزل ومجالس اللهو فإنها لم تلبث أن وصلت إلى موضوع القول في الزهد وهو أمر طبيعي فطالما أن الموشحة اتسعت لكي تشمل كل موضوعات الشعر العربي فإنه لايبدو مستغرباً إذا ما أنشئت الموشحة في الزهد، ويقول ابن سناء الملك:"إن ما كان منها في الزهد يقال له المكفر، والرسم في المكفر خاصة ألا يعمل على وزن موشح معروف وقوافي أقفاله،ويختم بخرجة ذلك الموشح ليدل على أنه مكفرة ومستقيل ربه عن شاعره ومستغفره".

أجزاء الموشحة:
تتعدد أجزاء الموشحة التي تتركب منها ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره، وحتى نستطيع توضيح الأجزاء على الطبيعة فإنه يحسن بنا أن نقدم موشحة ثم نشير إلى كل جزء من أجزائها في نطاق المصطلحات التي نمر على ذكرها. وقد وقع الاختيار على هذه الموشحة القصيرة لابن مهلهل التي يصف فيها الطبيعة وصفاً رقيقاً:
النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدّت عليه ظلال
والزهر شقّ كماما وجداّ بتلك اللحون
أما ترى الطير صاحا
والصبح في الأفق لاحا
والزهر في الروض فاحا
والبرق ساق الغماما تبكي بدمع هتون
1. المطلع أو المذهب: كلاهما اصطلاح يطلق على مطلع الموشحة الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشحة ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين هما:
النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق،وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:
فتق المسك بكافور الصباح و وشت بالروض أعراف الرياح

2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع، وإن كان الموشح أقرع فإن الدور يقع في مستهل الموشح، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لاتقل عن ثلاثة ولا مانع من أن تزيد عن ثلاثة بشرط أن تتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن تكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدت عليه ظلال

3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور،وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما هو في الحال في موشحنا هذا،وربما يتألف من فقرتين.

4. القفل: هو مايلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليست الموشحة مشروطة بعدد ثابت من الأقفال. والقفل في موشحنا هو:
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون

5. البيت:وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مُدّت عليه ظلال
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون

6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ـ وبالتالي في الأقفال والخرجة ـ اثنان، وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:
جادك الغيث إذا الغيث همى يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــس
لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً في الكرى أو خلسة المختلس

7. الخرجة: هي آخر قفل في الموشحة وهي قفل كل شروطه، غير أنها تقع في آخر الموشحة وهي مايسبقها من أقفال تشكل أجزاء أساسية في بناء الموشحة وبدون الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.
والخرجة نوعان:
أ. خرجة معربة وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
ب. خرجة رجلية أي عامية أو أعجمية الألفاظ وهي المفضلة المستحسنة.
نضرب مثالاً نستصوب أن نقدمها مع الدور الذي يسبقها والدور وخرجته اجتزأناه من موشح لابن القزاز: وغـــــادة لـم تــزل تشكو لمن لاينصف
ياويح من يتصــــل بحبل من لايعسف
لما رأته بــــطـــــل وهي غراماً تكلـف
غنت وما للأمـل إلا إليه مـصــــرف
مسيو سيدي إبراهيم يا نوامن دلج فأنت ميب دي نخت
إن نون شنون كارش بيريم تيــــب غـــرمي أوب لــقـــرت
ومعنى هذه الخرجة الأعجمية ياسيدي إبراهيم ياصاحب الاسم العذب أقبل إلي وفي المساء إن لم ترد جئت إليك ولكن أين أجدك؟.
موضوعات الموشحات:
بعد أن بدأ الفن الرفيع يتقبل الموشحة كفن ثابت ويفسح له في نطاق الشعر الراقي مكاناً رحيباً، رأى الوشاحون أن يجعلوا كل موضوعات الشعر المألوفة ميادين لتواشيحهم وقد وجدت موشحات في جميع الأنواع.

وسنعرض لنماذج من الموشحات الأندلسية تبعاً لأسبقية الموضوع الذي أنشئت فيه،بمعنى أن نبدأ بعرض الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة ولكن يظل للموشحة وجه متميز على الوجهين الآخرين، ثم نعرض لموشحات المدائح،ثم الرثاء ، ثم التصوف.

1. الغزل:
من أشهر الوشاحين الغزلين الأعمى التطيلي وموشحته تلك التي تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات عن وشاحي الأندلس الذين استولى هذا الفن على مجامع قلوبهم، وملك عليهم تفكيرهم فأخذوا يتأنقون في رصف الموشحات ويجرون المقارنات بينها، وقد ذكر أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في أحد المجالس في اشبيليه، وقد استحضر كل واحد منهم موشحة ألّفها وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي لإنشاد موشحته وماكاد ينتهي منها حتى قام كل وشاح بتمزيق موشحته إجلالاً للتطيلي وإعجاباً بموشحته وفيها يقول:
ضاحك عن جمان سافر عن بدر
ضاق عنه الزمان وحواه صدري

آه مــــــــما أجـــد شفني ما أجـد
قــــام بي وقـــــعـد باطــش متئــــد
كــلمـــــا قلت قد قال لي أين قد

وانـثنى خوط بان ذا مهـز نضير
عـــابثــــتــــه يــــدان للـصبا والقطر
2. توشيح الخمر:
الوشاحون الذين أجادوا في معاني الخمر هم أنفسهم الشعراء الذين رويت لهم مقطوعات في ذلك الميدان من القول أعجب بها النقاد والمتأدبون، ولا تكاد تخرج معاني الخمر في التواشيح عن معانيها في القصائد والمقطوعات الشعرية، وفي مقدمة الشعراء الوشاحين الذين أحسنوا القول في هذا السبيل يحيى بن بقي القرطبي الذي قضى حياته بين الكأس والوتر وحل العذار وله شعر رقيق وموشحات عذبة،ومن أرق موشحاته في الخمر قوله:
أدر لـــنــا أكــــــــواب ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس يلويهــــما الخد
3. وصف الطبيعة:
الأندلس باب الطبيعة الخلابة الرقيقة التي خلّد جمالها شعراؤها،فلم يكن معقولاً والأمر كذلك أن يختلف الوشاحون عن اللحاق بركب الشعراء في هذا المجال لقد لحقوا بهم حقاً لكنهم لم يستووا معهم في نفس المرتبة إنما جاءوا في مرتبة تالية ذلك لأن ملوك شعر الطبيعة في الأندلس رفضوا أن يكونوا وشاحين.
فمن الموشحات الجميلة التي قيلت في وصف الرياض موشحة الوزير الأديب الشاعر أبي جعفر أحمد بن سعيد، وموشحته قيلت في منتزه جميل في ضواحي غرناطة عُرِف بـ(حور مؤمل) حيناً،و (حوز مؤمل) حيناً آخر.

وموشحة الوزير الشاعر تجمع إلى وصف الروض وصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح عدداً من الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على مائه المفضفض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض التي توحي بالشراب والشراب في الغالب يمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل الساقي.

إن موشحة الوزير أبي جعفر موشحة رقيقة وهي من النوع التام لافتتاحها بالمذهب، ولكن خرجتها عامية يقول أبو جعفر بن سعيد:
ذهبت شمس الأصيل فضة النهر
أي نهر كالمدامة
صيّر الظل فدامه
نسجته الريح لامه
وثنت للغصن لامه
فهو كالعضب الصقيل حف بالشـفـــر
مضحكاً ثغر الكمام
مبكــياً جفن الغمام
منطقاً وِرق الحمام
داعــــياً إلى المدام
فلــــهذا بالـــقـــبــــول خط كالسطـــر
وعد الحب فـــأخــــلــــف
واشتهى المطل وسوّف
ورســـــــولي قد تعرّف
منـــــــه بما أدري فحرف
بالله قل يارسولي لش يغب بدري
كلمة حق يجب أن تقال في شأن موشحات الروضيات بالقياس إلى شعر الروضيات، إن الوشاحين الأندلسيين على مابذلوا من جهد وعلى ما أبدعوا من صور وعلى ما وفروا من موسيقى فإن كل موشحاتهم تنحني حياء أمام جلال شعر الروضيات وجماله ومافيه من إتقان وحلاوة ورقة وافتنان.

4. موشحات المديح:
أكثر الموشحات التي قيلت في المديح إن لم تكن جميعها قد مزجت بين الطبيعة والغزل قبل أن تدلف إلى صميم المديح،ولعل أشهر موشحة في هذا السبيل هي لسان الدين بن الخطيب في مدح الأمير الغني بالله صاحب غرناطة، وموشحة لسان الدين تعتبر من اللون الراقي المتماسك من هذا الفن رصعها بوصف الطبيعة،وزينها بالتوريات اللطيفة ورنقها بالصور البديعية، وداعب الورد ولاطف الآس،ويغزل وشكا والتاع كل ذلك حتى يجعل هذه المعاني مهاداً يلقي من خلالها بباقات المديح التي أراد أن يقدمها لأميره ولم ينس لسان الدين نفسه حين بسط عليها شيئاً من الفخر، كما لم ينس الرجل الذي سلك نهجه وهو يكتب موشحته ونعني به إيراهيم بن سهل الإسرائيلي في موشحته:" هل درى ظبي الحمى"فقد جعل لسان الدين هذا المذهب خرجة لموشحته،وكرم من خلالها في نطاق من العجب والخيلاء الوشاح الكبير ابن سهل.يقول لسان الدين الخطيب:
جادك الغيث إذا الغيث همى يازمان الوصل بالأنـــدلــــــس
لم يكــن وصـــــلك إلا حـــلماً في الكرى أو خلسة المختلس

5. الرثاء في التوشيح:
لقد أسهم التوشيح في الرثاء تبعاً لطموحه في تغطية كل موضوعات الشعر، ومن ذلك موشحة أبي الحسن علي ابن حزمون الشاعر الوشاح ذو المقدرة الخارقة على خلق الصورة البارعة اللاذعة من خلال شعره الذي عاش في أواخر القرن السادس و أوائل القرن السابع يقول ابن حزمون في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد قتله نصارى أسبانيا:
ياعين بكى السـراج الأزهر النيـــــرا اللامع
وكان نعـــم الــرتاج فكسرا كي تنثرا مدامع
من آل سعيد أغر مثل الشهاب المتـــــقد
بكى جميع البـــــشر علـــــيــــه لما أن فــقــــد
شق الصفوف وكر عـــلى العــــدو مــــــتئد
لو أنه منعاج على الورى على الورى من الثرى أو راجع
عادت لنا الأفراج بلا افترا ولا أمترا تضاجع

أوزان الموشحات:
كانت الموشحات ثورة على الأوزان التقليدية للشعر العربي وعلى نظام قوافيه وقد لاحظ ابن سناء الملك أن الموشحات تنقسم إلى قسمين:
1. ماجاء على أوزان أشعار العرب.
2. ما لاوزن له فيها ولا إلمام له بها.
خصائص الموشحات:
بالإضافة إلى الجمع بين الفصحى والعامية تميزت الموشحات بتحرير الوزن والقافية وتوشيح أي ترصيع أبياتها بفنون صناعة النظم المختلفة من تقابل وتناظر واستعراض أوزان وقوافي جديدة تكسر ملل القصائد،وتبع ذلك أن تلحينها جاء أيضاً مغايراً لتلحين القصيدة، فاللحن ينطوي على تغيرات الهدف منها الإكثار من التشكيل والتلوين، ويمكن تلحين الموشح على أي وزن موسيقي لكن عُرفت لها موازين خاصة غير معتادة في القصائد وأشكال الغناء الأخرى.

نعرج بعد الموشحات إلى فن الزجل ولقد ظهرا في وقت واحد مع ترجيح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها القديمة فالفرق بين الموشح والزجل يظهر في:
فن الموشح فن الزجل
احتضنت بعض العبارات العامية أو الأعجمية في خرجتها وأحياناً في كيانها وبنائها. فن الشعر العامي
إدخال العامية إلى الشعر مع تحوير في بناء القصيدة وتعدد الأوزان والقوافي لا يلتزم الإعراب أو الكلمات الفصيحة ويعمد إلى استعمال العبارات الشعبية
أخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه ظهوره جاء مستهدفاً إرضاء العوام بشعر يفهمونه ويطربون له، يعبر عن خواطرهم ، ويلتقي مع عواطفهم ويتسق مع قدراتهم على الفهم والتذوق والإدراك.

أبو البقاء الرندي في رثاء المدن الأندلسي
تعريف الشاعر: أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي (601 هـ -684 هـ الموافق: 1204 – 1285 م) هو من أبناء (رندة) قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس وإليها نسبته.
عاشَ في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وعاصر الفتن والاضطرابات التي حدثت من الداخل والخارج في بلاد الأندلس وشهد سقوط معظم القواعد الأندلسية في يد الأسبان، وحياتُه التفصيلية تكاد تكون مجهولة، ولولا شهرة هذه القصيدة وتناقلها بين الناس ما ذكرته كتب الأدب، وإن كان له غيرها مما لم يشتهر، توفي في النصف الثاني من القرن السابع ولا نعلم سنة وفاته على التحديد.

نظم أبو البقاء هذه القصيدة بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية ، بعد عدة حروب طاحنة..أدى ذلك إلى انهيار جزء كبير من جسد الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس.. وسقوطها بيد الأسبان فقال هذه القصيدة يستنصر أهل أفريقيا من بني مرين ، بعد أن أخذ بعض ملوك بني الأحمر بالتنازل عن عدد من القلاع والمدن للأسبان استرضاء لهم ، وأملا في أن يبقى له حكمه على غرناطة ، وكان ذلك نذيرا بسقوط الأندلس ، وزوال ملك المسلمين فيها ، بسبب تناحرهم واستعانتهم بعدوهم .وانشغال العديد من سكانها بأمور دنيوية.

القصيدة
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شانُ
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ
دار الزمان على دارا وقاتله وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصعب لم يسهل له سببُ يومًا ولا مَلك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزانُ
وللحوادث سلوان يسهلها وما لما حل بالإسلام سلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له هوى له أحدٌ وانهد نهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ حتى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ
فاسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيةٍ وأين شاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ
وأين قرطبةٌ دارُ العلوم فكم من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين حمصُ وما تحويه من نزهٍ ونهرها العذب فياض وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبقى أركان
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ كما بكى لفراق الإلف هيمانُ
حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ إن كنت في سِنَةٍ فالدهر يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ
تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدَّمها وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ فقد سرى بحديثِ القومِ ركبانُ

2. فن الرثاء في الأدب العربي
عرف العرب الرثاء منذ عصر ما قبل الإسلام ولا زالوا يعتبرونه من أهمّ أغراضهم الشعرية في عصرنا هذا، وكان من غاياته الرئيسة إبراز صورة صادقة عن الأسى والحزن الشّديدين لما ألمّ بالمرثي، وهذه الصورة تعكس عمق التلاحم الاجتماعي وواقع العلاقات الإنسانية المبنية على الإحساس بالآخر والتعاطي معه في مسراته وأقراحه. وعند قراءتنا لعدد غير قليل من القصائد الشّعرية الرثائية ألفينا الشاعر يسيطر عليه وقعٌ شعوري نتيجة تألمه لحال مفجوعه حيث تتفجر قريحته الأدبية والشّعرية، وتتوقد العواطف السّاكنة لتظهر إحساسا متدفقا ينبئ عن حسرة وافتقاد، ومن هنا يرسم لنا الشاعر بكلماته نظما يُعبر فيه عما يجيش بصدره، وكلما قوّيت هاته التّجربة الشعورية أبدع في نظمه وتفنن في رسمه، وليس هناك أقوى ولا أشد على الإنسان من موت حبيب أو فقد قريب أو هلاك صديق، لذا فالرّثاء من أصدق الفنون الشعرية نبلاً ومشاعرا وأشّدها عاطفة وأكملها وفاء.
تحديد المفاهيم: الفرق بين مصطلح الرّثاء والتأبين والنّدب والنّعي، لأنها ترد بعض المرات مترادفة ومتداخلة وتوحي لموضوع واحد هو "رثاء الميت"، لكن بينها فوارق لغوية ودلالية يجب الوقوف عندها عليها:
1- الرثاء:
الرّثاء في اللغة مُشتق من الفعل (رثى) يُقال: رثَى الميْتَ رثياً رثّاهُ، ورثيْتُ الميّتَ رثياً ورثاءً ومرثاةً ومرثيةً، ورثَيتُهُ مدحْتُهُ بعدَ الموتِ وبكيتُهُ ، ورثي له: أي رقَّ لهُ ورثا الميّتَ يرثوهُ رثواً: بكاهُ وعدَّدَ محاسِنَهُ .
والرثاء في الاصطلاح هو تأبين الميّت وذكر محاسنه وفضائل أخلاقه، وهو تصوير ما يترك فقده من أثر في القلوب من أسىوحسرة وفزع سواء بالشّعر أو بالنثر، ويرتكز الرّثاء خاصة على الجانب العاطفي؛بل يمكن القول أنه لصيق بالجانب الشّعوري وبمواجيد النفس الإنسانية، لأنّه يستمد مادته من أحاسيس القلب، ويجد فيه الراثي متنفساً عما يكنه قلبه من آلام وأشجان يؤطرها بأشعار ومقولات سامية عميقة، تتخلد كلما ذُكر المرثي.

2- التأبين:
عرّفه أهل اللغة بأنّه:"مدح الرّجل بعد موته" ، ويذكر ابن منظور في اللّسان:أبّن الرجل تأبيناً، أي مدحه بعد موته وبكاه" ، وقد اعتُبر شعر الخنساء مزجا بين التأبين والرثاء، ولا فرق بين المدح والتأبين ذكره قدامة فقال:" لا فضل بين المدح والتأبين إلاّ في اللفظ دون المعنى"
عرَف العربُ النّدب في جاهليتهم إذ كانوا يجتمعون لمشاركة أهل الميّت مصابهم، وقد أباحه الإسلام بشّرط ألاّ يصاحب البّكاء خمشُ ولطمُ للوجه وحلق للشّعر والضرب بالنّعال...مستندين بالحديث الذي يقول فيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ" ، وقد عرّف الجوهري النّدب فقال:"هو بكاءُ الميّتِ وتعداد حسناته والنواح عليه بألفاظ حزينة، وعبارات تُذيب الأكباد الغليظة مما يصاحبها من صياح وعويل" ، ومن هنا فالنّدب هو بكاء النفس وأسفِها على فقدان الأهل والأقارب.. بل يمتد إِلى رثاء العشيرة والوطن والدولة حين تصاب بمحنة من المحن المحزنة.

3- العزاء: المفهوم العام للعزاء هو الصبر على ما يصاب الإنسان من كوارث ومصائر وآلام، وقد تقيد مفهومها على كارثة الموت التي تنتزع الولدان والأحبة، والعزاء هو الصبر عن كل ما فقدت. تقول: عزّيت فلاناً أُعزيهُ تعزيةً، أي آسيتُه، وضربت له الأسى، وأمرته بالعزاء فتعزى تعزياً، أي تصبَّر تصبراً، وتعازي القوم: عزى بعضُهم بعضاً.

4- النّعي: النّعي هو الإخبار وإشاعة الموت المقرون بمدح الميّت وتعداد صفاته، فنعى الميّت ينعاهُ نعياً، ونِعياً، إذا أذاع موته، وأخبر به، وإذا ندبه ، والمشهور في العربية أنّ العرب كانوا إذا مات منهم شريف، أو قُتِلَ بعثوا راكباً إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول نعاء فلاناً، أو يا نِعاء العرب: أي هلك فُلان أو هلكت العرب بموت فلان" 

5- النياحة: النياحة هي إظهار الجزع والتسخط على موت الميت، والإحساس بالفاجعة،قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر: "النّوح: هو رفع الصوت بالنّدب، ومثله إفراط رفعه بالبكاء" ، وصورته كما ذكر القرافي (ت: 1286م):"أنْ تقول النائحة لفظًا يقتضي فرط جمال الميت وحسنه، وكمال شجاعته وبراعته، وأبهته ورئاسته، وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف، والضرب بالسّيف، والذّب عن الحريم والجار، إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها أن لا يموت، فإن بموته تنقطع هذه المصالح، ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات، ويعظم التفجع على فقد مثله، وأن الحكمة كانت بقاءه وتطويل عمره لتكثر تلك المصالح في العالم..." ، إذاً فالنياحة مثل ما تقدم هي رفع الصوت والإحساس بالحزن ومجارات المحزون وأهله ومواساته بالبّكاء والشفقة عليه.

ومن هنا نلاحظ ارتباطا كبيرا بين هذه المفاهيم:الرثاء،التأبين، النّدب، العزاء، النياحة.. ومدى التصاق معانيها بالحزن والأسى والصبر، على فقدان الميت ومدحه بذكر محاسنه وفضائله، وقد أدرك الشّعراء والبلغاء واللغويون هذه المعاني وفرقوا بينها لغويا، ولكن المعنى الاصطلاحي والدلالي واحد، وهذا الإحساس نابع من النظرة الإنسانية والعاطفية والأخلاقية التي يشترك فيها الفرد مع أخيه وعشيرته وأهل بيئته.

الرثاء في بلاد الأندلس:
اتخذ الرثاء في الأندلس نفسَ مسار الرثاء في المشرق العربي من وصف للمصيبة والأحزان، وتعديد لمناقب المفقود والأسى على فقدان الأخلة والأحباب.. وقد حافظ على نمطه التقليدي في سيرته الأولى في استهلال القصائد بالحِكَم، وختمها بالعبر والعظات؛ إلاّ أنّ في هذه الفترة بالذات(711-781م)، ظهر شكل جديد من الرثاء في الأندلس هو "رثاء المدن والممالك"؛ حيث أوجدته الظروف السياسية والحوادث التاريخية التي مرت بها الأندلس، وقد وفرت الظروف نشوء هذا النوع من الشعر، يقول مصطفى الشكعة:"فهو الغرض الأندلسي الذي نبعت سماته وأفكاره من طبيعة الاضطراب السياسي في الأندلس، وكان مجال إبداعٍ في الشعر الأندلسي" .

وقد افتن الشعراء بهذا الفن، تبعاً لتلاؤم السّياق الداعي لذلك، وتوطدت الصلات بين الشعراء ووُلاة أمورهم وصاروا يتبارون في مجالس الملوك ويتناثرون بأشعارهم خير النظم وأرقهِ، إذ لم يمت خليفة ولا وزير، ولا قائد ولا عظيم، إلا رثّوه رثاء حاراً وأبَّنوه تأبيناً رائعاً، مبرزين في قصائدهم كل ما كان يتحلى به الفقيد في حياته من مناقب وما كان له من فضل حتى أصبح تمدن الأندلس مختص بنوع أدبي معين، "فكانت أشعار الروضات ببلنسية وشرق الأندلس، وكثرت الموشحات والأزجال في اشبيلية لتخصصها في الغناء وآلات الطرب، وظهرت قصائد وصفا لحيتان وعواصف البحر في شرق الأندلس دونغربها لنشاط موانئه للتجارة والصيد البحري ، وكذا نشطت الحركة الأدبية الأندلسية على مستويات مختلفة.

رثاء المدن والماليك في نونية أبي البقاء الرندي
أهم الدول التي رثاها الشعراء "نونيةأبي البقاء الرندي" ، التي رثت حاضرة الأندلس بعد سقوطها أنشدها بالمغرب سنة665ه عندما تنازل ابن الأحمر(629-897ه) عن بعض القلاع والأمكنة والأسوار للمسيحيين) وقد خلطت القصيدة بين الحبو وصفا لطبيعة والحنين إلى موطنه الأصلي "قرطبة" متذكرا ذكريات الصبا ولوعة الفراق.

القصيدة الرثاء المدن الأندلوسية
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شانُ
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ
دار الزمان على دارا وقاتله وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصعب لم يسهل له سببُ يومًا ولا مَلك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزانُ
وللحوادث سلوان يسهلها وما لما حل بالإسلام سلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له هوى له أحدٌ وانهد نهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ حتى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ
فاسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيةٍ وأين شاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ
وأين قرطبةٌ دارُ العلوم فكم من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين حمصُ وما تحويه من نزهٍ ونهرها العذب فياض وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبقى أركان
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ كما بكى لفراق الإلف هيمانُ
حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ إن كنت في سِنَةٍ فالدهر يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ
تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدَّمها وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ فقد سرى بحديثِ القومِ ركبانُ

تحليل قصيدة الرثاء المدن الأندلوسية
بعد أن وضح الحقيقة التي لايختلف عليها اثنان ، انتقل إلى ذكر المصاب الذي أصاب الأندلس فهوى وسقط لهذا الجلل والمصاب جبل أحد وتكسر وتضعضع جبل ثهلان ذلك الجبل الواقع في نجد ولك أن تسأل بلنسية ما حال مرسية ، وأين هي شاطبة ، وقرطبة ، التي كم فيها من عالم قد سمت وارتفعت حاله ، نعم تلك العواصم التي كانت منارات للعلم ومعاقل الإسلام ، سقطت في أيدي النصارى فما ينفع البقاء إذا لم تبق أركان .

ثم انتقل إلى تصوير حال الإسلام بعد سقوط المعاقل الإسلامية حيث أصبح حزينا فهاهي الحنيفية تبكي من شدة حزنهاكما يبكي المحب لفراق إلفه وحبيبه نعم تبكي على هذه المعاقل التي خلت من الإسلام وأقفرت، فصارت الأندلس كلها نصرانية، عامرة بالكفر وجعلت النواقيس في الصوامع بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن... فيا لها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها، وطامة ما أكبرها" فحتى الجمادات تأثرت لما حدث فأخذت المحاريب والمآذن تبكي وترثي نفسها .
ثم أخذ الشاعر يتحدث ويذكر حال بالمسلمين حيث تحولت عزتهم وقوة منعتهم لما شاعت بينهم المنكرات بلا نكير إلى ذل وهوان وإنكسار، سامهم إياه النصارى حتى بيع سادة المسلمين آنذاك في أسواق الرقيق وهم يبكون وحالوا بين الأم وطفلها وفرقوا بينهما عند البيع كما تفرق أرواح وأبدان فلو رأيت هذا المنظر وتلك الذلة لراعك الأمر ولأحزنك ، فأي كربة وأي شدة مرت على المسلمين فلمثل هذا يذوب القلب من الكمد والحزن ، ذلك إن كلن في القلب إسلام وإيمان .

تحليل القصيدة تحليلا أدبيا :
أولا : المعاني والأسلوب : تدور هذه الأبيات حول رثاء الأندلس وما حل بها وبأهلها من ذل وهوان بعد أن كانوا يرفلون بثوب عز الإسلام ، وقد صاغ هذه المعاني بأسلوب قوي جزل واضح خل من التعقيد يميل إلى التدبر والعظة .

ثانيا : الألفاظ والعبارات : جاءت ألفظ الشاعر كما هي في الشعر الأندلسي واضحة ، سهلة معبرة عن الأسى والحزن بسبب ما حل للأندلس ومن تلك الألفاظ ، بكاهم عند بيعهم ، لمثل هذا يذوب القلب من كمد ، تبكي الحنيفية ، كما أنها تتميز بالقوة والرصانة والفصاحة كما جاءت العبارات مناسبة للموضوع في التزامه بحدة الوزن والقافية .

ثالثا : العاطفة : عاطفة إسلامية حيث يصور وينقل إحساسة وشعوره لما حدث لمعاقل المسلمين فلا غرو أن تكون صادقة أثرت فينا حين قرأناها فقد حركت إحساسنا خاصة ونحن نمر في هذا الزمن بأحداث مشابهة ، فما العراق عنها ببعيد .
رابعا : الصور الخيالية : الصور الخيالية قليلة في هذه الأبيات ولكن الشاعر حقيقة امتاز ونجح في تشخيص الأمور المعنوية وتجسيدها وبث الحياة والحركة في الجمادات ، التي جعلت كل من يقرأ هذه القصيدة يتصور حالهم وكأنه معهم . وأبرز تلك الصور : يارب أم و طفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان والاستعارة المكنية في قوله : تبكي الحنيفية البيضاء من أسف، كما بكى لفراق الإلف هيمان حيث شبه الحنيفية وهو أحد المذاهب ، بالإنسان ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو " البكاء . ومثلها في قوله : حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
والتشبيه في قوله : عليهم من ثياب الذل ألوان
كما يوجد الطباق والمقابلة في قوله : من سره زمن ساءته ازمان
وكذلك الاستفهام الذي خرج إلى معنى للتحسر في قوله : ما شأن مرسية ؟ ، وأين قرطبة دار العلوم ، فكم والقصيدة تحتاج الى وقفة طويلة لتأمل معانيها وعاطفتها الصادقة وأحاسيسها الجياشة ولا أظن الوقت يسمح بالحديث عنها ، ولعل ماكتبته
تعالج نونية أبي البقاء الرندي ندب بلاد الأندلس أو "الفردوس المفقود" ، وهي قصيدة رثاء مفعمة بأعمق المشاعر وأسمى الأحاسيس، بكى فيها أبو البقاء مصير الإسلام والمسلمين في اسبانيا بعد سقوط قرطبة واشبيلية بيد سان فرناندو، وقد احتوت على مواعظ وحكم وبيان أحوال الدنيا وتقلبات الدهر، لكونها من عيون الرّثاء التي قيلت في الدولة الإسلامية والممالك المنهارة، وقد اختار لها مطلعا من أجود ما قيل في الحكمة، ومع أنّ هذه الأبيات عبّرت عن فكرة الاعتبار في الماضي الزائل، إلاّ أنّ أبا البقاء استطاع أن يضفي عليها ألوانا وعبارات استخلصها من أعماق تاريخنا المجيد، فكانت هذه الأبيات خير مدخل وُفق فيه الشاعر للتمهيد لموضوعه، ونالت هذه القصيدة الشّهرة التي تستحقها سواء في القديم أو في الحديث ، وجاء مطلعها:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ
وقد اختار الشاعر ألفاظا جيدة السّبك واعتنى ببِّنائها الفني، فجاءت كلماته رشيقة معبرة، واستخدامه للوسائل البلاغية الملائمةكالاستعارة ورسم الصور البيانية، وهذا دليل على ثقافة الشاعر وإتقانه لصنعة الشعر، وقد "استطاع أبو البقاء أنْ يرتب أفكاره ويلون عباراته ويعطيها إيقاعا يميزها عن سواها، على الرغم من تشابه المضمون عند غير شاعر" ، فالشاعر الراثي في هذه الفترة كان يعقد مقارنة بين الماضي والحاضر؛ ماضي الإسلام في مجده وعزه، وحاضره في ضعف وهوان، ودور العبادةغدت كنائس وبيعًا للنّصارى وصوت النواقيس أضحى يجلجل مكان الأذان، واستبيحت حرمات الفتيات المسلمات وصارت الدويلات المسلمة تستعين بأعوان النّصارى.. وتمتلئ كل هذه المشاهد بشعور عميق يطفح بالحسرة والنّدم، وصارت لوحة أبي البقاء الرنديحزينة وريشته كئيبة، لفنان عاش النّكبة واكتوى بنارها، وهي نونية تربعت على عرش رثاء المدن في الشعر العربي المغربي القديم.

والظاهر أنّ غرض الرثاء في هذه المرحلة تطور من رثاء المدن، ورثاء الممالك إلى رثاء الأندلس كلها بعد أن سقطت، لأنّ الرثاء في العصر الجاهلي لم يكن له متخيلة عن المدينة أو المملكة يرثيها ويبكي على خرابها، كانت هنالك مراثي على فقد الأخلة والأحبة في وسط الصحراء الشاسعة من مكان إلى آخر، ولعل البُّكاء كان مركزا على الطلل الذي أندرس، وهو لون تعبيري نابع من العاطفة الحية.

معجم القصيدة: تندرج بنية الرّثاء لدى الشاعر في ثلاثة حقول دلالية:
• الموت والفناء:الحزن والأسى وما يتصل بها من ألفاظ مثل:
نقصانُ، الإساءة، القضاء، لا تبقي على أحد (الفناء)، دار الزمان، العينُ باكيةُ القلب حيرانُ، الفراق، الغافل، المصيبة، النّسيان، الظلام،الجور، طغيان...
طغت على القصيدة جو من الكآبة والحزن والفرار من الوقع، وهذه المفردات دليل على أنّ الشاعر انكسر خاطره وضعفت همته وخورت قوته، لما آل إليه الوضع، ومن هنا فدلالة هذه الألفاظ توحي بسواد وظلمة وعتمة لا تصيبها شمس الضحى، لأنّ الجرح غائر والمصاب جلل.
• التسميات: ذكر الأمجاد وأثار المدن
ذي يزن، اليّمن، أرم، ساسان، الفرس، قارون، عاد، شداد، قحطان، بلنسية، مُرسيةً، شاطبـة،جيـَّـانُ، الأندلس...
التفريض على ما فات، وذكر أمصار غابرة، وملوك عابرة ...توحي أنّ الشاعر لا زال قلبه يعيش في ماضيه الذي يتمنى أن يرجع برجاله وأبطاله وحصونه، وهذه المفردات فيها عنصر "التمني"؛ أي يتمنى أن يصطلح التّاريخ مع المكان وتعود الأندلس لسالف عهدها ؟!!

• الديني: الحساب والثواب
الاسلام، المساجد، الكنائس، النواقيـس، الصلبان، الكفر، عباد الله، إخوان، الياقوت والمرجان،
حشد الشاعر في هذا الباب تراكيبا دينية ومواعظ أخلاقية متناصة مع النّص القرآني، مع العلم أن الشاعر فقيه وحافظا للحديث النبوي الشريف، وقد استعان بالمعجم الديني لأنّه الأقرب إلى النّصح والوعظ وذكر العاقبة والمآل.
ومن هنا نلاحظ أنّ الشاعر لمَّ في قصيدتهألفاظا موحية بمعاني الحزن والأسى مستبغة بنزعة العزاء والتأبين والتسليم لقضاء الله والصبر على المكروه، كما غلب على النّص الأسلوب الإنشائي المتمثل في الاستفهام غرضه التمني المناسب لفن الرثاء، مثل: أين الملوك ذوي التيجانِ من يمنٍ؟ والنداء في: يا غافلاً وله في الدهر موعضةٌ؟

وقد وظف الشاعر أسلوب السّرد والقص والمحكيات عن حقائق التاريخ المرّ مثل: ذييزن، شـدادٌ، قحطـانُ ؟ كما نّوع في استخدام الجمل الفعلية والاسمية بغية تشخيص الحوادث ووصفها، وهذا دليل على وجدان الشاعر المحترق، والمشاعر المسحوقة بالألم والأسى مثل:أين قرطبةٌ دار العلوم؟ وأيـن شاطبـة أم أيـن جيـَّـانُ؟
كما لمسنا وضوحا في المعاني وسهولة في الأفكار، فأفكاره مباشرة وواقعية خالية من التكلف والتعقيد،لأنّ المقام يستدعى معاني صادقة ورؤية حقيقة، ومن هنا فقد "حوت قصيدة أبي البقاء الرندي التوظيف الأنسب للمقاطع اللغوية المنسجمة في المباني الإفرادية والتركيبية وتراوحت كميات نهايتها ما بين مقاطع مفتوحة وأخرى مغلقة ما يولد تنوعا صوتيا يتفاعل والحالة الشعورية للشاعر الرندي" .

3- الخصائص التعبيرية والفنية للقصيدة:
يلجأ الشاعر إلى توظيف التشخيص والتصوير، فالتشخيص حينما يصور حالة الثكلى والمصابين بهول المصيبة من أصوات النحيب والعويل وحيث المأساة والمعاناة والقتلى، وآهات المعذبين، وجاء التصوير مليئا بالألوان التي تستدعي من المتلقي استخدام الذهن للوصول إلى كنه هذه الصور المعبرة بحق وبعمق عن الدهر وأرزاءه، مثل قوله: يُمزق الدهر حتماً كل سابغةٍ وقوله: دارَ الزّمانُ على دارا وقاتلـهِ... ومن هنا فبكاء الأطلال من بكاء الشاعر، وهذه الحالة النفسية الشعورية استدعت هذه الصور المتكاملة، وهي بطريقة أخرى تشكل لنا التجربة الشعرية والفنية التي عاشها الشاعر.
• اهتمامه بالصورة اللغوية المجرد وبالصورة التشبيهية لتقريب الفهم، مثل قوله: ولا مَلكَ الدُّنيـا سُليمـانُ.. إلى جانب توظيفه للاستعارة كركن بلاغي مهم في بيان معاني الألفاظ. وكأني بالشاعر يسعى إلى تحقيق التوازن بين عواطفه وبين والواقع من حوله، عن طريق اللجوء الى التمثيل بالاستعارة. مثل: فالدّهرُ يمزِق، والحنيفيةُ تبكي، والمحاريبُ تنُوح، والمنّا بعترثي، والدّهر يقظان.. كل هذه الألفاظ المستعارة تفرض على الملتقى نوعا من العمل الذهني وتصور مرارة الوضع والتناص معه كأنه أمامك.
• توظيف الموروث الديني والتّاريخي والثقافي في عملية البّناء الشعري، فهو ينتقل من الحاضر إلى الماضي ويتطلع إلى أفق أرحب، موظفا طاقته الإبلاغية والتواصلية القائمة على البرهنة والحجاج، مثل: وأين ما حازه قارُونُ من ذهبٍ؟ وأين عادٌ وشـدادٌ وقحطـانُ ؟ كما نلاحظه يوظف عناصر الصياغة المنطقية والاستدلالية القائمة على الأداء الفني والتشكيل اللغوي بهدف كشف الشّق الاقناعي والبرهان المتواري مثل التقابلات التالية: التّمام والنقصان،البقاء والفناء، السُّرور والحزن، غافل ويقضان، خالية وعمران، المسّاجدوالكنائس...

• تشقق المعاني، بحيث يستنطق الحوادث التاريخية والمآثر الخالدة بتوليد مغزاها ومعناها قصد رفع الهمم واستدراك النقص وبناء الذات القوية التي لا تخور.مثل: وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلكِ كما حكى عن خيالِ الطّيفِ وسنانُ..
الفائدة
القصيدة وثيقة تاريخية تسرد وضعية شعب في فترة ومكان معلومين، يتسفيد منها المؤرخ في حقل تاريخ البلدان والأمصار، والباحث الاجتماعي في معرفة نظام الحياة الاجتماعية بالأندلس واللّساني في دراسة شعرية الرثاء، فهو نّص تاريخي حواري مفتوح ومتّجدد.

النتيجة
تعتبر نونية أبي البقاء الرّندي ملحمة تراثية وعملا فنيا متماسكا، اشترك في تأليفها عنصر التاريخ والمكان وحوادث مماليك الأندلس، ولونت صورها بلغة شاعرية وتركيب منطقي استجابت للفكر وتمثلات الواقع، الذي أُخرج من البعد الإسلامي إلى البعد الإنساني، وصارت القصيدة مضرب النّدب لكل حاضرة ومدينة تُستباح، وبقى شعراءها يتصفون بشعراء النّكبة والمرثيات لإقامتهم في ندب موتاهم وتذكر أسراهم وخراب دواوينهم.

قائمة المصادر والمراجع:
-بدر محمد بدر-القاهرة ، الجزبرة.نت
- ابن منظور، جمال الدين، (1883)، لسان العرب، بيروت، دار صادر.
- الشعر الأندلسي وصدى النكبات، يوسف عيد، دار الفكر العربي، بيروت، ط1، 2002.
- لسان الدين ابن الخطيب (1975)، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق: مخمد عبد الله عنان، القاهرة، مكتبة الخانجي.
- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن (1997م)، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، بيروت، دار الكتاب العربي.