انتهى التوجيهي والسباك الذي كان طبيبًا
تاريخ النشر : 2022-08-07
بقلم: حمدي فراج
انتهى "التوجيهي" بخيره و شره ، و ما صاحبه من احتفالات و مفرقعات ، لتبدأ "معركة" الجامعات والتخصصات والتكاليف . و ما يلفت النظر ان ظاهرة إقحام الاباء انفسهم في مادة تخصص ابنائهم ، ما زالت شائعة ، أما بناتهم ، "فمصيرهن للبيت والزواج" حتى حين يحصلن على علامات مبرزة . و ما زالت مادة "الطب" هي المحبذة لدى معظم الاباء ، أغنياء و فقراء على حد سواء ، الاب الغني يريد ان يقال عنه "أبو الدكتور" ، والفقير يريد ان يخلصه الط من فقره و عوزه ، و يصبح لديه ما لدى باقي الاطباء من منزل و ربما عمارة و سيارة و باقي الاحتياجات والامتيازات ، في غمرة برهة قصيرة ، والكل يعرف ان ليست هذه هي رسالة الطب .
ما لا يعرفه هؤلاء الآباء ، الذين يحشرون انفسهم في خيارات تخصص ابنائهم ، هو ان أمور الطب لم تعد عليه الحال كما قبل خمسين سنة ، و أن عياداتهم اصبحت أكثر من المطاعم ، و أن الاقبال عليها اصبح امرا مدروسا بشيء من الدقة ، له علاقة بالتخصص و مكان التخصص و سنة التخرج و سعر الكشفية ، و لهذا يؤثر الكثيرون على عدم الاكتفاء بالشهادة الاولى التي تمتد الى سبع سنوات ، يتبعها اربع او خمس سنوات أخرى ، ناهيك عن المزاولة في احدى المستشفيات .
و ما لا يعرفه هؤلاء الاباء ، ان عددا لا بأس به من مفكري العالم ، قد بدأوا يتنبأون و يتوقعون بنهاية الطب خلال عقد واحد من الزمن ، و لن يتبقى منه سوى تقنياته التي تتطلب التدخلات الجراحية المباشرة ، و إذا امعنا النظر للتدقيق بين طب اليوم و طب قبل خمسين سنة ، فإننا نجد أنفسنا امام طب جديد بالمطلق ، سواء في التشخيص او في العلاج ؛ لا أحد اليوم من الاطباء يحمل السماعة في أذنيه ، ولا أحد يدق على صدر المريض او ظهره بيده و يطلب منه ان يقول "آه" .
لقد وصل "التنبؤ" بالفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي – رحل عام 2006- بإختفاء الكتاب و الدفتر و القلم و الحقيبة المدرسية ، بل بالمدرسة نفسها ، و قد بدأنا نلحظ ذلك ، خاصة في وقت الكورونا ، حيث التعلم عن بعد ، و جامعاتنا عندما شهدت الخلافات الاخيرة بين مكوناتها المختلفة ، او ما سمي بالتعلم الافتراضي ، و لو كان هناك وزير تعليم مفكر او فيلسوف فرنسي او روسي او عربي ، لسارع في إعلان وفاة المدرسة ، لطالما انه بالامكان الاستغناء عنها ببديل مريح للطالب و للمدرس و يوفر هذا البديل نفقات مهولة تبدأ بالمواصلات و لا تنتهي بمرتبات المعلمين و رسوم المدرسة .
تقول الطرفة ان طبيبا انجليزيا تعطلت عنده حنفية الماء ، فاتصل بالسباك الذي اصلح الخلل خلال عشر دقائق و طلب أجرته مئة جنيه ، فاحتد الطبيب قائلا له انه دكتور ولا يتقاضى هذا المبلغ في عشرة دقائق ، فرد عليه السباك باسما : أنا كنت طبيبا و توقفت عن ذلك .