من “هيروشيما” إلى “أوكرانيا” على الطريق المتعثر لنزع السلاح النووي
تاريخ النشر : 2022-08-07
بقلم: د.غسان شحرور

في السادس من أغسطس/آب، تمر الذكرى السابعة والسبعين لإطلاق قنبلتي “هيروشيما” وثم “ناجازاكي”، وعالمنا في ظروف عصيبة جدا بسبب حرب “أوكرانيا” التي تزداد عواقبها الإنسانية والاقتصادية الكارثية يوما بعد يوم، ومع اشتداد الحرب والنزاع شهدت تلميحا وتصريحا تهديدا غير مقبول من قبل اكثر من طرف باللجوء إلى السلاح النووي، الأمر الذي يشكل إساءة للكرامة الإنسانية، وقواعد القانون الدولي الإنساني، ويعد بذلك انتكاسة جديدة وخطيرة لجهود وتطلعات المجتمع الإنساني نحو مستقبل آكثر امنا وسلامًا على طريق واضح يؤدي إلى عالم خال من الأسلحة النووية وكافة صنوف اسلحة الدمار الشامل، هذه الجهود التي شهدت نجاحات وتحديات عديدة في طريق العالم نحو هدفه المنشود، بعد أن ظن العالم ، على ضوء ماشاهده من كوارث في “هيروشيما” و”ناجازاكي”، أن الطريق إلى التخلص من الأسلحة النووية لن يكون متعثرا وشاقا وطويلا وحافلا بالتحديات إلى الآن، وقد كان نزع السلاح النووي من أقدم أهداف الأمم المتحدة، فقد كان أول قرارات جمعيتها العمومية عام 1946، كما أنه لم يغب عن جدول أعمالها الدوري منذ عام 1959، وكذلك في جلستها الخاصة بنزع السلاح عام 1978 وضعته على رأس أولويات نزع السلاح في العالم.

كذلك قررت “الجمعية العمومية للأمم المتحدة” اعتماد 26 أيلول/سبتمبر من كل عام يوماً عالمياً للتخلص الكامل من الأسلحة النووية، يوماً يسلط فيه الضوء على أهمية التخلص نهائياً من هذا السلاح الذي يبلغ نحو 19 ألف رأس نووي، تبلغ كلفة عمليات صيانته وتحديثه ما يزيد عن 120 مليار دولار سنوياً تنفق على حساب موازنات الصحة والتعليم والعمل ومكافحة الفقر والجوع في العالم

يصادف يوم “هيروشيما” هذا العام انعقاد مؤتمر المراجعة العاشر “لمعاهدة عدم الانتشار النووي” في “نيويورك” بالأمم المتحدة، وهي محطة مهمة وحاسمة، تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا الأسلحة النووية وتعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والنهوض بهدفي نزع السلاح النووي ونزع السلاح العام الكامل. والمعاهدة هي التعهد الملزِم الوحيد بهدف نزع السلاح الذي قطعته الدولُ الحائزة للأسلحة النووية على نفسها في معاهدةٍ متعددة الأطراف، ومنذ دخولها حيز النفاذ، في عام 1970، وأصبحت تشكل حجر الزاوية في النظام العالمي لعدم الانتشار النووي. وقد انضمت إليها 191 دولة، من بينها الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية، لتصبح بذلك في مقدمة اتفاقات نزع السلاح المتعددة الأطراف من حيث عدد الأطراف فيها

لقد فشل العالم في عقد المؤتمر الخاص “بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية” المقرر في عام 2012 وفق قرارات مؤتمر مراجعة المعاهدة عام 2010.وكان المقرر فيها أن تنضم كل دول المنطقة إلى المعاهدة وتضع كل منشآتها النووية تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويبقى عدم تحقيق ذلك تحديا كبيرا يواجه كل دول العالم، ولعل تأكيد عدد من قادة الدول العربية في قمة “جدة” للأمن والتنمية في تموز/يوليو 2022 منها “مصر” و”البحرين” و”العراق” و”الكويت”، وبعد ذلك “السعودية” و”إيران” يبعث الأمل في إحياء الجهود نحو شرق أوسط خال من كافة صنوف الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. .

كذلك هناك تحد آخر كبير ناجم عن عدم تطبيق المادة السادسة من “معاهدة الحد من الأسلحة النووية”، والقاضي بمواصلة المفاوضات بحسن نية من أجل وقف سباق التسلح النووي ونزع السلاح النووي وإلى الآن وبعد أكثر من خمسين سنة، لم تطبق هذه المادة من قبل الدول النووية، في تناقض واضح مع نص وروح المعاهدة ومع تطلعات شعوب العالم.

وقد كانت أزمة الصواريخ في كوبا في أكتوبر 1962 واحدة من أشد المواجهات والتحديات وأقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام حرب نووية ولايريد العالم لهذه المواجهة أن تتكرر يوما في أي مكان من العالم، لذلك تظل إزالة الأسلحة النووية أولى أولويات الأمم المتحدة فيما يتعلق بنزع السلاح.
وأمام هذا التعثر والتحديات لابد من تعزيز الجهود لجعل هذا الهدف حقيقة واقعة.

لابد أن نذكر في هذه العجالة أن البشرية قد حققت نجاحات أخرى على هذا الطريق كالحظر الشامل للتجارب النووية، والمعاهدات الإقليمية الخاصة بالمناطق الخالية من الأسلحة النووية وكلها خطوات تجعلنا أقرب في طريقنا للقضاء النهائي على هذه الأسلحة النووية.

إن دعم إخلاء العالم من الأسلحة النووية يعني الالتزام الحقيقي بالسلام العالمي وسلامة وصحة الإنسان في كل مكان، فدعم حظر وإزالة السلاح النووي مطلب إنساني قد انطلق من خلال “معاهدة حظر الأسلحة النووية”، وهي أول اتفاقية ملزمة قانونا بحظر هذه الأسلحة على نحو شامل، بهدف القضاء على هذه الأسلحة، و تعمل على حظر استخدامها، وصناعتها، ونقلها، والاتجار بها، أو الاستثمار فيها، بالإضافة إلى تفكيك الموجود منها، ووضع المنشآت النووية تحت الإشراف الدولي على طريق نزع السلاح النووي الكامل، وقد دخلت حيز التنفيذ في 22 كانون الثاني/ يناير 2021 في خطوة تعد انتصارا للبشرية من أجل سلامة وأمن ورفاه المجتمع الإنساني في كل مكان لكنها تواجه تحديات كبيرة في انضمام باقي دول العالم ولاسيما الدول النووية.

إن وجود الأسلحة النووية من الأساس تهديد وجودي لأمننا الإنساني وللأجيال القادمة، بل وبقاء الإنسانية جمعاء في واقع الأمرالذي لايبرر أبدا هذا التعثر والتباطؤ في طريق نزع الأسلحة النووية، لذلك لايسعنا أمام هذه التحديات وكلما تذكرنا الآثار الكارثية الصحية والبيئية والإنسانية لهذه الأسلحة زدنا عزما وإصرارا أكثر من أي وقت مضى على عدم تكرار “هيروشيما” والتخلص إلى غير رجعة من هذه الأسلحة، فالضمان الوحيد لعدم استخدامها هو إزالتها بالكامل.