ما أنبل الفقراء
تاريخ النشر : 2022-07-06
بقلم: خالد الزبون

الفقراء هم البسطاء الذين تعرفهم الكرامة وعزة النفس والكبرياء فهم الأغنياء بعفتهم وصونهم لفضائلهم فالغنى غنى النفس والفقر فقر العقل والدين، يعيش خليل مشردا بلا مأؤى بين السماء والطارق ، فلا غطاء له سوى النجوم والكواكب ، ينام في الحدائق والمنتزهات ، يصادق الأشجار ولوحات الاعلانات ، لا منزل ولا طعام أو شراب يجده ، ملابسه مرقعة وتفتح منه رائحة متجذرة مع تشرده ، وشعره كثيف كاشعث اغبر ، يطوف كل يوم في الشوارع منتظرا من يعطف عليه بكلمة أو طعام وذات مساء كان ينظر من نافذة أحد المطاعم وهو يتضور جوعا ولا يستطيع الدخول وطلب أي شئ من ذي الرائحة الزكية الجميلة التي كانت تخترق أنفه وتحرك مشاعره وٱلام بطنه ، فقام عامل المطعم بطرده وإبعاده بعنف مما لفت انتباه الجالسين الذين يتناولون وجباتهم مع كل الخدمة المقدمة لهم فاثار حفيظة أحدهم وخرج مسرعا ويقول أتركه ولا تتحدث معه وأمسك بيده ورافقه إلى الطاولة التي كان يجلس عليها
وطلب له وجبة ساخنة ، تناولها بنهم كبير وكأنه يريد أن يأكلها مرة واحدة ، ثم طلب من النادل أن يحضر له وجبة أخرى مغلفة وقدم له مبلغا من المال وغادر هذا الرجل الطيب المطعم ، كانت كلمات الشكر والعرفان تخرج من خليل بصوت مخنوق منتوج بٱهات وألم ، فما زال في الناس الخير ولا ينعدم إلى يوم القيامة، غادر مكانه وذهب يبحث عن شجرة كبيرة أو منتزه ينام به وبعد أن استلقى على قطعة من الكرتون ليجد لجسده المنهك بعضا من الراحة ولعينيه جزءا من الهدوء كاستراحة
محارب من زمن قديم ، ليبدأ بعدها مع شروق الشمس يوما طويلا لا يختلف عن الامس في شقائه وبؤسه ، لم يكن هو الوحيد في الشارع بل كان يشاركه الكثيرون كل واحد
له قصة وحكاية خاصة به مع غياب المؤسسات التى ترعى هؤلاء الفقراء والبؤساء من زمن فكتور هوجو التي هاجمت الظلم الاجتماعي ،ويبدو أن كثير من المؤسسات في غربة عن الواقع ولا تنظر الا بمنظار العجز والضعف وغياب الحلول ، يطوف الشوارع من جديد وتقع عينيه على حقيبة صغيرة من الجلد ، يلتقطها واذا بها الكثير من المال الذي يستطيع الإنسان أن ينبي له مستقبلا زاهرا ، واذا به يجد نفسه أمام مركز للشرطة يسلم الحقيبة ولا يتردد في ذلك فلم تحدثه نفسه بأن يأخذها ، فالفقر الذي يعيشه جعل الفضائل تمتزج بروحه المؤمنة بقضاء الله وقدره.

وبعد عدة أيام تخبره الشرطة بأن عليه الحضور ليأخذ جائزته من صاحب المحفظة الكبيرة ، واذا به الشخص الذي التقاه قبل أيام وقدم له الطعام ، يا لهذه الحياة وما اجمل العطاء وما أنبل الفقراء ،فكانت مكافئته وظيفة للحراسة ومكان للإقامة وثياب نظيفة وراتب شهري يغير مجرى حياته ...