أَعْرِف أَنَّهَا أميرتي وملاكي
تاريخ النشر : 2022-07-05
بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون


سِتُّون عَامًّا عُمْر الزَّوَاج بَيْنَهُمَا ، لَمْ يَرَ مِنْهَا إلَّا كُلُّ
حُبّ وَخَيْر وسعادة ، يَعِيشَان مَعَ بَعْضِهِمَا فِي مَنْزِلِ رِيفِي
تُحِيطُ بِهِ الطَّبِيعَة بِجَمَالِهَا مِنْ كُلِّ مَكَان ، صَوْتُ
الْعَصَافِير وَخَرِيرُ الْمِيَاه ، تُضَيَّفُ هُدُوءا لِلنَّفْس
وَطُمَأْنِينَة فِي الْقَلْبِ
حَيَاة وَادَعَة مَع ثَلَاثَة أَبْنَاء فَاطِمَة وَعُلَا وسمير ، كَبَّرُوا
وَتَعَلَّمُوا وَتزوَّجوا وَسَافَرُوا فِي فُرَص عَمِل ، وَبَقِي الِاثْنَانِ
فِي الْمَنْزِلِ وَتَمُرُّ الْفُصُول وَالسُّنُون وَتَتَغَيَّر صِحَّة أَمْ
سُمَيْر ، فَقَدْ كَانَ يَجْرَح قَلْبَه ويؤلمه أَنْ يَرَى زَوْجَتَه تَضْعُف
وتبدأ بِالذُبول كأوراقِ الْخَرِيف ، يَا لَقسوةِ الزَّمَنِ فَلَا فَرَحٌ
دَائِمٌ وَابتسامةٌ تَمْضِي كَسَحَابَة صَيْف ، بَدَأ مَرَضُهَا بِإِعَادَة
الذِّكْرَيَات وَالْكَلِمَات وَالْجمَل ، إلَى أَنْ تَطَوَّر إلَى نِسْيَان
كُلِّ شَىْءٍ وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا حَوْلَهَا ، وَكَمَا وَصَفَه
الْأَطِبَّاءُ بالزهايمر الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ عِلَاج سِوَى الصَّبْر
وَالْحُزْنِ عَلَى مَا آلَت إلَيْهِ الْأُمُورَ ، فَقَد تَعَوَّدَ إنْ
يَخْرُجَ وَإِيَّاهَا صَبَاحًا يُمْسِكُ بِيَدِهَا وَيحادِثها وتحادِثه
وَلَكِن الْآنَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا أَكْثَرَ فَهُوَ الَّذِي
سَيتحدَّثُ كَثِيرًا وَيَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّة الْعِنَايَةِ بِهَا بَعْدَ
أَنْ كَانَتْ تعتني بِه ، يَقُولُ لَهُ أَحَدُ المتنزهين والباحثين عَن
الرِّيَاضَة ،
أَهِي زَوَّجْتُك ؟
نَعَم
تُمْسِكُ بِيَدِهَا وَأَنْتَ قَدْ جَاوَزَت الثَّمَانِين
لِأَنَّنِي أَعْتَنِي بِهَا
لَكِنَّنِي لَا أَسْمَعُهَا تتَحَدّث أَو تُنَادِي عَلَى اسْمُك
هِي تُعاني مِنْ صُعُوبَةٍ التَّذَكُّر
إِذَنْ لَا تَعْرِّفُك
نَعَمْ لَا تَعْرِفُنِي وَلَكِنْ يَكْفِي أنَّنِي أَعْرِفُهَا إنَّهَا
زَوْجَتِي وَحلم حَيَاتِي الَّذِي لَنْ أَتَخَلَّى عَنْهُ حَتَّى يُفَرِّقَ
اللَّهُ بَيْنَنَا فَهِي الْأَمَلُ الَّذِي يَجْعَلُنِي لَا أَشْعُرُ بِيأسٍ
الْغَدِ وَيعْطِينِي الْقُوَّة لَاسْتَمَرّ بِالْقِتَال مِنْ أَجْلِهَا
وَارسُمَ لَهَا الْعَالَمَ الْجَمِيلَ الَّذِي أَسْكَنْتَنِي بِه .
لَا أَدْرِي مَاذَا أَقُولُ لَهَا وَلَكِنَّنِي أَعْرِف أَنَّهَا امِيرتِي
وَملاكِي وَابْتسَامَتِي وَحَيَاتِي .