عصر البشرية الذهبي
تاريخ النشر : 2022-07-02
بقلم: محمد عبد المحسن العلي

( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) العنكبوت .
أي أحسب الناس بأنهم لا يختبرون بالأمور التى تميز الصالح منهم من غير الصالح .
عرف اللغويون الفتنة بأنها الابتلاء والاختبار المضل عن الحق المفسد للعقل، أي من فشلوا أمام سنة الإبتلاء ضلوا عن الحق وفسدت موازين عقولهم، والفشل تختلف نسبته بين شخص وآخر وذلك يتوقف على عدة أمور، أي تختلف نسب الضلال عن الحق كما تختلف نسب فساد موازين العقول .
والمشكلة التي سيواجهها من فشلوا أمام سنة الابتلاء أي من ضلوا عن الحق ومن فسدت موازين عقولهم هي فقدان القدرة على الإجابة الصحيحة على السؤال الذهبي ( ما الذي يرضي الله عز وجل ؟ ) فهم أحيانا وبحسب نسبة ضلالهم ونسبة فساد موازين عقولهم تكون نسب خطئهم في الإجابات متفاوتة .
فهناك مسائل عديدة في حياتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والصحية والرياضية والصناعية والاقتصادية والتجارية والاعلامية والزراعية والفنية والعسكرية… الخ تتطلب معرفة مراد الله عز وجل لتحقيقه من قبل المؤمنين الذين يمارسون تلك النشاطات المختلفة والمتنوعة في حركة حياتهم وهم يعبرون الزمن نحو محطة المصير، حتى تحل ( البركة ) على نتائج الأعمال والنشاطات .
إن البركة جند من جنود الله عز وجل، فعلينا استحضارها من خلال سعينا نحو كسب رضا الله بواسطة أقوالنا الصحيحة المناسبة وأعمالنا الصائبة النافعة، وهي البركة التي فقدناها في بعض الرجال والنساء والأولاد، وفي المال والزرع والغذاء والدواء وكل الأشياء بشكل عام بعد ما أصبحت حركة حياتنا ليست باتجاه طاعة الله عز وجل لكسب رضاه ولا هي متوافقة مع الفطرة ولمتطلبات الفرد والأسرة والمجتمع، بل هي حركة حياة باتجاه طاعة المؤسسات الغربية كالبنك الدولي واليونسكو وغيرها، لأن بقاء الأنظمة الحاكمة مرهون بطاعتنا لتلك المؤسسات الفاسدة المشبوهة .
( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) ) آل عمران .

إذن المسألة ليست إقامة حدود وشعائر وطقوس وإقامة صلوات وتقديم صدقات وزكوات وترديد أدعية ومقولات ورفع شعارات، بل هي منافسة على ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) للفرد والأسرة والمجتمع يا أهل المهن والتخصصات والصنائع والوظائف وأيكم قد أرضى الله عز وجل في عمله وحركة حياته . ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ) الملك … ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ) الكهف .
إن ( عصر البشرية الذهبي ) بعد طول معاناة سيبدأ بعد السعي لمعرفة الإجابات الشافية الوافية على السؤال الذهبي ( ما الذي يرضي الله عز وجل ؟ ) في جميع مجالات الحياة، وهو سيبدأ مع بداية وعي وشعور المؤمنين بأن عليهم العمل بما سيؤدي إلى استحضار ( البركة ) التي فقدت، وذلك يكون من خلال تسابقهم نحو تحقيق ما يرضي الله عز وجل عنهم وما ينفع الفرد والأسرة والمجتمع كل في مجاله واختصاصه، حتى تكون حركتهم في الحياة حركة منسجمة ومتناغمة مع السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم ولحركة الحياة، فحينها - قطعا - سيفتح الفتاح بعض العوالم الفكرية التي غيبها عن عقول الناس بسبب إعراضهم عن ذكره وتقصيرهم في توحيده وإرضائه جل شأنه لينهلوا منها ما يؤدي إلى بناء نهضة إسلامية إنسانية شاملة بروح جديد وزاخرة بجواهر الأفكار التي ستتجسد كأعمال وإنجازات على أرض الواقع

( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ) العصر .

إن العصر الذهبي للبشرية يتطلب التسلح بالعلم والمعرفة اللازمين للطور القادم، فسياسي العصر الذهبي يختلف عن سياسي عصر الفوضى والتخلف والانحطاط الذي يَعتَبرُ الكذب والخداع والتعتيم والغش والغدر والحيلة والمخاتلة وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق والظلم وتصيد الزلات قيما أساسية في العمل السياسي بالنسبة لقوى التخلف والانحطاط، حيث ستستبدل قوى التقدم والارتقاء - الناهضة بإذن الله - تلك القيم الفاسدة بقيم إسلامية إنسانية راقية كالأمانة والصدق والوضوح والشفافية والإخلاص والإتقان والعدل والوفاء بالعهود والمواثيق وإقالة العثرات، فالعمل وفق تلك القيم الذهبية وغيرها يجعل العصر القادم عصرا إنسانيا ذهبيا يعلو به الإنسان على الشيطان، وذلك يعني بأن تكون هناك ( مدرسة إسلامية سياسية بعلوم أو معارف جديدة ) تهدف إلى بقاء وارتقاء الجنس البشري .

فالعصر الذهبي قيمه قيم ذهبية عالية القيمة الروحية والمعنوية، وعملته عملة ذهبية عالية القيمة المادية، ومجتمعه مصبوغ بصبغة ربانية بدلا من الصبغة الشيطانية، فقوى التخلف والانحطاط قد أبعدت إبليس وذريته عن المعادلة السياسية لذلك كانت مطية له ولذريته لقرون طويلة مما أدى لتخلف المجتمعات وانحدارها نحو الإنحطاط في الجانب الفكري والروحي والإنساني والقيمي، فالوضع سيختلف مع قوى التقدم والارتقاء حيث ستعلو على الشياطين وستجعل الناس تعلو عليها مما يجعل الناس لهم الحرية والقدرة على الإرتقاء بعد الانحدار والانحطاط بعد تبصيرهم وتمكينهم من ترتيب شبكة علاقاتهم الإجتماعية والسياسية ترتيبا مثاليا متوافقا مع السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم وحركة الحياة ومتوافقا مع فطرتهم ويلبي مختلف احتياجاتهم الإنسانية، كتحقيق أمنهم الفكري والروحي والنفسي والمادي، وكالتعليم والعمل والزواج والسكن والعلاج والترفيه والتريض وسهولة التنقل والمواصلات والإستقرار … الخ، أي ستستبدل حالة الضيق والضنك والشقاء التي عاشها الناس بسبب إعراضهم عن ذكر الله عز وجل إلى حالة السعة والانشراح والبهجة والفرحة والطمأنينة وراحة البال التي سيجدونها بعد ما يكون كسب رضى الله عز وجل من خلال طاعته وحبه وتوحيده شغلهم الشاغل مع جعل شغفهم بتحسين مقاماتهم الفكرية والروحية الدنيوية ومقاماتهم الأخروية وهو الأمر الذي صرفت انتباههم وانظارهم عنه الشياطين الحاكمة بواسطة قوى التخلف والانحطاط، لذلك سيكون من مسؤولية ومهمة قوى التقدم والارتقاء رفع الضرر، ، فلا ضرر ولا ضرار، وسوف يصرف الله عز وجل أذى الشياطين عن الناس المستضعفين بعد ما يمن عليهم بالتمكين .

قال تعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ) القصص.