ثقافه الحوار والاختلاف بين تبادل المعرفة والرأي والاقصاء والتهميش
تاريخ النشر : 2022-06-29
بقلم: سعيد موعد


شكل التطور العلمي والتقني المتعلق بتكنولوجيا الاتصال والتواصل في السنوات العديدة الماضية ثورة علمية هائلة، أدت إلى تغيرات على كافة الصعد التي لا يتسع المقام هنا لذكرها جميعاً.
ومع ظهور وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب فقد بات العالم كما ورد في العديد من الدراسات أشبه بقرية صغيرة، حيث اتيحت للجميع فرصه لتلقي الأخبار والنهل المعرفي والثقافي والتزود بمصادر عديدة للمعلومات، بعد أن كان من المستحيل قبل ذلك والصعوبة بمكان معرفه أخبار العالم وحتى الدول المجاورة إلا من خلال القنوات الإعلامية الرسمية، وهذا بحد ذاته كان خاضعاً لجمله من الاعتبارات السياسية الخاصة بكل بلد.
ما لا شك فيه أن التطورات التقنية وثورة الاتصال وظهور الشبكة العنكبوتية ومحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت لنا نقل المعلومات والتواصل وقربت البعيد وقصرت المسافات، وأصبح مصدراً مهماً وأساسياً لشريحة كبيرة من الجمهور الذي أضحى يتداول وينقل المعلومات دون رقيب أو حسيب، مما انعكس بشكل سلبي على قيمة المعلومة وصدقيتها، خاصة إذا ما قارنها بطرائق التلقي القديمة للمعرفة التقليدية ( كتاب دراسة ثقافية مكتسبه) والذي تعتبر من الوسائل السهلة والسريعة لبناء الرأي بغض النظر عن ماهيه من يساهم بصناعه الرأي سلباً أو إيجاباً، ولعل هذه الفجوة المعرفية ساهمت من وجهة نظري بإحداث خلل في مفهوم ثقافه الاختلاف لحساب الخلاف الذي بدوره يخلق مساحة وافيه من الكراهية والبغضاء والعنصرية المقيتة والفوقية والعدمية.
عود على بدء
بعد عرض هذا التقديم وبالعودة إلى عنواننا الرئيسي المندرج تحت عنوان "الحوار وثقافه الاختلاف" نقول أن ذاك العنوان محط جدل منذ بدء الخليقة، أما في العصور الحديثة فقد طفت على السطح حدة في النقاش وعناد في الرأي ورفض لخيارات الآخر مع الخروج أحيانًا عن آداب الحوار والرفض الكامل لثقافة الاختلاف، فيما رأى البعض الأخر أن هذه الثقافة مقتصرة على الحكومات والدول والمؤسسات والمنظمات بعيداً عن الأفراد وحياتهم اليومية الذين هم محور موضوعنا بهذا المقال، وهو ما يدعونا لمناقشة هذه الظاهرة التي تشير إلى حالة توتر ذاتي مع قصور في الثقافة وغياب للوعى السليم، لهذا هنا نؤكد ولا نبالغ بالقول أن أساس الحضارات هو العلم والمعرفة و الحوار وثقافه الاختلاف واللذان يعتبران من دعائم البناء للمجتمع المتحضر والمنفتح على الثقافات الأخرى، ويساهم بالحد من ثقافه الإلغاء وعقده الأنا المتأصلة بمجتمعنا العربية بشكل ظاهر.
ولا ننسى هنا انعكاس النتائج الإيجابية لثقافه الاختلاف يعود ليس فقط على مستوى الأسرة الكبيرة (الوطن- العشيرة- المنظمة- المؤسسة) وإنما على الأسرة الصغيرة ايضا ولهذا وجب علينا معرفه الفرق بين الاختلاف والخلاف حيث نجد أن الاختلاف هو تباين في الرأي وأقرب إلى الحوار منه الى أي شيء اخر، حيث نجد فيه القصد واختلاف في الوصول إليه، أما الخلاف نجده بدلالته يتجه بالحد والفصل بين الأطراف مع رغبه جامحه بالغلو والتطرف بالرأي لهذا نجد أن الاختلاف هو ظاهره طبيعية متلازمه مع وجود التنوع الثقافي والسلوكي والمعرفي لدى البشر.
في حين نجد الخلاف هو تعبير قوي عن عدم تقارب المصالح والأهداف ويؤدي بشكل عام إلى الخصومة والعداء ومن ثم بالتأكيد إلى المواجهة التي ليس لها حدود، إذاً يمكن القول إن الاختلاف هو نزعة طبيعية ايجابيه لا تصل الى مرحله الخصومة والعداء.
وأمام هذه الفوارق تعود بي ذاكرتي إلى القول المأثور للإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)، وكذلك ما قاله «فولتير» (بإنه على استعداد لأن يدفع حياته ثمنًا للدفاع عن حرية رأى يختلف معه)، هاتان المقولتان تقودنا إلى استنتاج واحد أن الاختلاف أمر طبيعي بين البشر ، فهذا العالم المتسع المترامي الأطراف قائم أصلاً على التعددية الثقافية والمعرفية، ولكن في وقتنا الحاضر وللأسف الشديد نرى أن هناك تركيز كبير على الخلاف بعيداً عن الاختلاف، لذلك نجد أن هناك تراجع واضح لثقافه الحوار والاختلاف مع تزايد بشكل مؤسف للكراهية والعدائية والعنصرية العرقية والتفاوت الطبقي والعلمي مع تراجع مساحه المسامحة وتقبل الأخر، حيث لم نعد نستطيع التمييز بين الاختلاف والخلاف وهنا أصبح الخلاف هو القصد وهو الوسيلة أيضاً، وهذا برأيي يندرج تحت عدم الوعي وتقبل الأخر ويؤطر في ضيق الفهم والانفتاح على الأخرين.
أساسيات الحوار والاختلاف
ثمة شيء على الجميع إدراكه وهو أهمية الحوار والاختلاف، لأنه يسهم بشكل كبير في ردم فجوة الخلاف بين الأشخاص، من حيث المبدأ الاعتماد على الحوار على أنه وسيله وليس غاية، وهذا شيء نستطيع من خلاله الحد من تفشي ظاهره الحوار والنقاش فقط من أجل النقاش.
وهنا لابد من التأكيد على أن مستوى النظر والرؤية للأمور يختلف باختلاف الأشخاص ومصالحهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم الفكرية والعقائدية، وهنا أتذكر مقولة رائعة للزعيمة السياسية الأمريكية "إليانور روزفلت" هي: «العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، والعقول الكبيرة تناقش الأفكار».
وهنا لابد من التأكيد على أن الحوار يجب أن يكون وسيلة وليس غاية، وأن يبتعد عن تسفيه وتسخيف الأمور وحصرها بالأشخاص والتهجم عليهم، ويصبح الغاية منه فقط إثبات الذات وتسجيل النقاط على الأخرين بهدف إضعافهم وتهميشهم.
ومن نافل القول أن الحديث في هذه السطور المقتضبة عن الاختلاف والحوار هو بهدف الحد من انتشار هذه الظاهرة المرضية التي باتت تعبر عن تضخم الأنا، حيث تحول الحوار كما أسلفنا سابقاً لسفسطة وجدل بيزنطي الهدف منه التغلب على المحاور وإظهاره بمظهر غير المثقف وأنه أعلى منه شأناً ودرجة، مع العلم أننا عندما نخوض أي حوار فيجب أن يكون الهدف منه تصحيح وجهات النظر، الإقناع، التوصل لحلول وسط، وإيجاد طرق لحل كافة المشكلات على جميع الأصعدة، ولكن من المفارقات هنا أن الحوار لدينا ينتهي بشكل دائم إلى خلاف ونفور وابتعاد بشكل واضح وجلي عن المحور الحقيقي لموضوع النقاش، وهذا بدوره يدفع بعض من المتحاورين إلى التوتر والانفعال والتمسك برأيه، مع العلم أن لكل موضوع العديد من وجهات النظر المختلفة التي يجب أن تحترم وأن يكون صدرنا واسعاً ورحب لتقبلها، إلا أننا بالمقابل نجد هناك أشخاص غير أخلاقيين يلجؤون إلى التهكم من أفكار الأحرين، ويمارسون الهيمنة والتسلط والتعالي والفوقية على الطرف الأخر، ونوع من السلبية المقيتة، بهدف الابتعاد عن أساسيات الحوار المتمدن والواعي الذي يحث على احترام الرأي الأخر والالتزام بثقافه الاختلاف.
ومن المهم بمكان هنا أن نسلط الضوء على الأشخاص الذين يتقنون فن الانصات وعدم مقاطعة الأخرين، أو الاستهزاء والسخرية منهم، وما له من دور مهم جداً في إنجاح حواراتنا والابتعاد عن اسلوب الاستفزاز بكافة أشكاله وعلى رأسها التنمر بكافة أشكاله وأصعبها التنمر الفكري.
هنا لابد على التأكيد على أن اعتماد السرد القصصي البعيد عن العقل والمنطق والأدلة العلمية والبراهين المؤكدة، والعصبية والتشنج والترهيب والتهديد والانفعال العاطفي غير المبرر، يساهم بتعزيز الخلاف، في حين أن الالتزام بالموضوعية والصدق والدقة بالتعبير والابتعاد عن الأحكام المسبقة وتوجيه الاتهامات والتعمد المقصود للتضليل يعزز أساسيات الحوار والاختلاف.
الاختلاف لا يفسد للود قضية
قديما قالوا:( الاختلاف لا يفسد للود قضية) إذا من ثنايا هذا القول نلخص إلى نتيجة مفادها أننا عندما نسعى الى حوار هادف وبناء علينا أن نعرف ما الجدوى من وراء حواراتنا ونقاشاتنا التي نخوضها، لهذا لا بد من التشديد هنا على النقاط التالية:
إن حواراتنا يجب أن تكون نقطه للالتقاء وتبادل الآراء والسعي للوصول إلى الحقيقة قدر المستطاع.
يجب أن نساهم في حواراتنا في بناء وعينا وذاتنا وثقل عقولنا بشكل إيجابي، بحيث يساهم ويثري شخصيتنا لما فيه من سعى ومساهمه جديه للوصول للحقيقة.
حواراتنا تعطيني مساحة واسعة لخلق أفكار جديده، نبني عليها أراء إيجابية، وأحيانأً قد تسهم في تخلص كلا الطرفين من بعض المعتقدات والعادات السيئة المكتسبة والمتداولة من مرحله العرف إلى أن تصبح قانوناً، لهذا فأن الحوار البناء الاختلاف ساعد للوصول للحقيقة واكتساب الخبرة.
وأخيراً لا يسعني هنا إلا أن أختم بالقول: "جميل أن نتحاور دون إقصاء أو تهميش، والأجمل أن نتبادل المعرفة والرأي دون ترهيب...!"