المنتحرون... ومبررات الفشل!
تاريخ النشر : 2022-06-25
بقلم: حمدي البابلي


لن تحتاج إلى أدلة إثبات حتى تؤكد أن جميع الموفقون فى هذه الدنيا قد تحملوا مسئولية حياتهم كاملة ، ولم يقفوا لثانية واحدة كى يلوموا شخصا ما على الأشياء السيئة التى فعلها بحقهم، او الأبواب الرحبة التى اغلقها دونهم، والعقبات الكؤود التى ألقاها فى طريقهم !
ما اسهل ان تقف لتشكوا جرم الآخرين فى حقك ، ما ابسط ان تدلل على ماجناه الآباء فى حق أبنائهم اذا هم لم يعلموهم مبادىء النجاح والطموح ، فضلا عن ممارساتهم التربوية الخاطئة فى حقهم ، وماايسر ان نلقى بجميع مشاكلنا وهمومنا على هذا او ذاك متخففين من مسئولية مواجهة الحياة وتحمل اعبائها .
لقد علمتنى التجارب ان الحياة بحر متلاطم الامواج وكل واحد منا ربان على سفينة حياته ، يوجهها ذات اليمين وذات اليسار ، وأمر وصوله لبر الأمان مرهون بمهاراته وقدراته بعد توفيق الله وفضله .
لكن معظمنا للاسف لديه شماعة من التبريرات الجاهزة ، فما ان يصاب بكبوة او مشكلة الا ويعلقها على هذه الشماعة ويتنصل من مسئوليات تحمل نتيجة أفعاله .
تربيتنا السيئة ....مجتمعنا السلبى....التعليم الفاشل ....الظروف الصعبة ....تفشى الفساد ، هذه بعض الشماعات التى كثيرا مانستخدمها وبشكل شبه دائم !
ودعنى اصارحك انك اذا ما أحببت أن تتحدى الحياة وتكون ندا لها ، فلابد وان تتخلى وفورا عن تبريراتك التى تعلق عليها مشاكلك واخفاقاتك وتقرر ان تتحمل نتيجة حياتك بكل ثقة وشجاعة .
هل سمعت من قبل عن معادلة النتائج الحياتية ، إنها تخبرك ان نتائج حياتك هى حاصل جمع مايحصل لك مضافا إليه استجابتك لما يحدث او هى بمعنى آخر ....موقف +رد فعل =نتيجة .
كل حالات النجاح أو الفشل قد جرت وفق حدود هذه المعادلة . إنهم جميعا تعرضوا لمواقف وأحداث ما ، ثم تصرف كل منهم وفق مايرى ويؤمن ، فافرز هذا السلوك او رد الفعل ، النتيجة التى نشاهدها اليوم ، فالشخص الفاشل او السلبى توقف عن اتخاذ موقف ثم أخذ فى الشكوى والتبرير ....فهو عنده ...المدير لايفهم، والأب متعنت وصارم ومتخلف، والوضع الاقتصادى متدهور والنتائج وخيمة ، كما ان التعليم لم يؤهلنا بالشكل المناسب لإيجاد الحلول والبدائل المشكلات، وفوق هذا التربية المتواضعة والبيئة السيئة والدولة التى يتحكم فيها اللصوص وهكذا فى سلسلة التبريرات .
بالرغم من ان هناك ناجحون كثر انطلقوا من هذه الظروف ومن ثنايا هذه البيئة وربما كان حالهم أشد واقسى ممن يشتكى ويولول !
ولو نظرنا إلى الشخص الناجح والايجابى لوجدنا أنه يعطى تركيزا أكبر وأهم لمساحة الاستجابة لرد الفعل ويرى ان ماحدث قد حدث ولايمكن تغيره ، ثم يفكر فى حل المشكلة ويقول لك مايجب عليك فعله لتحقيق أعلى النتائج بأقل الخسائر ، قد يحتاج الأمر ان يستشير شخصا ما أو يغيير من تفكيره أو يعدل سلوكياته ورؤيته بمرونة كبيرة وعزيمة ماضية وذهن متوقد ومبرمج على إيجاد الحلول بل وصناعتها .
لكننا غالبا مانركن إلى دائرة عدم رد الفعل ، فليس هناك ايسر من الشكوى ولا ابسط من ان نوجه شعاع النقد إلى الخارج وندعى ان الداخل كله خير فى أنفسنا وان المشاكل تاتينا من الغير ، فهناك من البشر من هم مولعون بالتبريرات التى تبرئ ساحتهم من التقصير او الفشل .
وهذه آفتنا فى وطننا العربى ....ان نعمد إلى التبرير بشكل أكبر من سواه ، نظرا لكثرة الظروف المحبطة وتعدد أشكال القهر والإحباط مما أدى إلى نشوء ما أسماه المفكر الدكتور عبد الكريم بكار بادبيات الطريق المسدود، والتى تتمثل فى الشكوى الدائبة من كل شئ .....من خذلان الأصدقاء ومن تآمر الأعداء ومن ميراث الآباء والأجداد ومن تصرفات الأبناء ، مما جعل بعضنا ليس مبدعا فقط فى التنصل من أفعاله وإنما جعله متفوقا فى إحباط وتثبيط من قرر التغيير والإيجابية، والتطوع فى إخباره بأن المجتمع لن يدعه ان ينجح ولن يؤمن أحد بما يقول وبأن زمن الطيبين قد ولى بلا رجعة !
رسولنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أنه اذا حدث مالا نريده فيجب علينا ان ننطلق إلى الامام بإيجابية ونتخلى عن عادة التحسر والتبرير حيث يقول : لاتقل لو انى فعلت كذا لكان كذا ، ولكن قل قدر الله وماشاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
ان النجاح ليس مرهونا لتحسن وضع ما وان الفشل لم تكتبه عليك إرادة عليا .
يقول الفيلسوف والشاعر الهندى محمد إقبال : المؤمن الضعيف هو الذى يحتج بقضاء الله وقدره ، اما المؤمن القوى فهو يعتقد أنه قضاء الله الذى لايرد وقدره الذى لايدفع ، والمؤمن القوى هو الذى يمتلك تصميما راسخا على تحدى المصاعب والعوائق وهو الذى يقابل الحياة بهدوء نفس ورحابة صدر .
يحضرنى موقف أحد جنود المسلمين عندما سأله واحد من قوات الفرس ذات يوم فى سخرية ......من انتم ؟
فقال له واثقا : نحن قدر الله ...ابتلاكم الله بنا ، فلو كنتم فى سحابة لهبتطم إلينا او لصعدنا اليكم .
النجاح سلم لاتستطع تسلقه ويداك فى جيبك .