أسباب البراءة في جرائم الشرف
تاريخ النشر : 2022-06-23
بقلم: عادل عامر
في الآونة الأخيرة ،ساد في العالم الكثير من الجرائم الخطيرة التي سببت خلل في المجتمع وأمانه واستقراره. باختلاف أنواع الجرائم وطريقتها وحتى الهدف المرجو من القيام بها الذي غالباً ما يكون إلحاق الضرر والأذى للأخرين. وذلك بسبب ضعف النفس وقلة الرادع الديني والأخلاق لدى مرتكبي الجرائم بشكل عام وفي مقالنا سنتعرف ما معنى هتك العرض بالرضا.
يقع ضحية الجرائم ناس أبرياء لا ذنب لهم ، قد تكون جرائم القتل أو التحرش والاغتصاب أو الهتك بالعرض وجميعها تؤدي إلى هدم المجتمع.. وإعادته للوراء بعد أن كان يسير في عجلة التقدم والارتقاء بالأخلاق.
وأكثر الجرائم التي ظهرت وانتشرت في فترات قريبة هي جريمة هتك العرض سواء كان وقوعها بغير رضا من أحد الأطراف أو.. هتك العرض بالرضا والموافقة من الطرفين ، والكثير يتسأل عن معنى هذه الجريمة. وخاصة أنها انتشرت بقوة فأنتجت أضرار كثيرة ، وماهي عقوبة هتك العرض ؟ وهل تختلف العقوبة اذا حدثت برضا أو بغير رضا؟.
أن 92% من جرائم القتل الأسرية تندرج تحت ما يسمى بجرائم الشرف، وأن 70% من تلك الجرائم لم تقع في حالة تلبس، بل اعتمد في ارتكابها سواء من الزوج أو الأب أو الأخ على شائعات ووشايات الجيران والأصدقاء حول سلوك المجني عليها.
وهناك وقائع كثيرة وحكايات عديدة عن أحداث مثيرة وقعت ودفع ثمنها فتيات بريئات، وحكاية وديع الذي لبى دعوة إلى ليلة حمراء تخللتها وليمة جنسية وهو في قمة نشوته وسعادته ، وعندما هم بتحقيق ما أتى من أجله اكتشف أن الفتاة هي شقيقته، وبعد يومين نشرت الصحف خبر العثور على جثة محترقة لضحية في عقدها الثاني.. والجاني هو شقيقها الذي زعم أنه ارتكب جريمته دفاعًا عن شرف العائلة. وفي الإسكندرية اهتزت المدينة الساحلية لحادث عجوز قتل زوجته الشابة ورضيعها، وقام بتقطيع جسديهما إلى أجزاء وسلقهما على النار، بعد أن اعترفت له بخيانته وعايرته بضعفه الجنسي.
بين الحين والآخر، يُثار جدل في الشارع المصري حول جرائم الشرف. وفي الفترة القريبة الماضية، اهتم الرأي العام المصري بقضيتين كانت بطلتيهما ربة منزل في قرية مصرية فقيرة في العقد الثاني من عمرها، وفتاة قاصرة مقيمة في إحدى قرى محافظة الجيزة.
تتشابه القصتان في بدايتيهما وفي سير التحقيقات حولهما، إذ ارتُكب فعل قتل في كل منهما، دفاعاً عن النفس ضد محاولة اغتصاب. لكن نهايتي القصتين مختلفتان حتى الآن، إذ حُكم على السيدة الأولى بالمؤبد بعد حبس احتياطي دام أكثر من عام، بينما أخلي سبيل الطفلة القاصرة والتي عُرفت إعلامياً بـ”فتاة العياط”، بعد حبس احتياطي دام نحو أربعة أشهر على ذمة القضية.
في الخامس من نوفمبر، أمر قاضي الأحداث في محكمة شمال الجيزة بتسليم “فتاة العياط” إلى ولي أمرها، على أن تستمر محكمة الطفل في محاكمتها بتهمة قتل سائق “ميكروباص” حاول الاعتداء عليها. وكانت بداية القصة في 14 يوليو الماضي، حين قامت الطفلة أميرة رزق بتسليم نفسها لأفراد قسم شرطة العياط، ودخلت عليهم وملابسها ملطخة بالدماء، وتحمل سكيناً، وأبلغتهم بأنها قتلت سائق سيارة ميكروباص حاول الاعتداء عليها، قائلة: “قتلت سواق كان عايز يعتدي عليا”.
إن النيابة أخلت سبيل الطفلة على ذمة القضية بعد أن تسلمت النيابة تقرير الطب الشرعي الخاص بالقضية، والذي أكد أن الفتاة قامت بارتكاب الجريمة بمفردها، وذلك في انتظار تحديد موعد جلسة للمحاكمة ستعقد في محكمة الطفل في الجيزة”.
أن الحبس الاحتياطي الذي قضته الطفلة ما هو إلا إجراء ضروري تقوم به النيابة أثناء التحقيق خاصة في جرائم القتل “حتى تتبين الوقائع للمحكمة وتتأكد من انتفاء مبرر استمراره”.
في القصة الثانية، عاقبت محكمة جنايات الزقازيق في الشرقية ربة منزل بالسجن المؤبد، وهي أقصى عقوبة بعد الإعدام، على خلفية اتهامها بقتل فلاح حاول اغتصبها تحت تهديد السلاح بعد أن اقتحم منزلها في غياب زوجها، كما حكمت على زوجها وخاله بالسجن لمدة عام واحد لكلٍ منهما، بتهمة المشاركة في إخفاء جثة المجني عليه.
وطعنت دعاء (20 عاماً) المجني عليه بعدما حاول اغتصابها، هي التي تقطن وزوجها بالإيجار في الطابق الأرضي لمنزله. وكان قد حاول معاكستها قبل الواقعة بنحو 20 يوماً، إلا أنها صدته، فما كان منه إلا أن استغل غياب زوجها عن المنزل، وحاول اغتصابها بعدما هددها بسكين، فاستلت سكيناً وطعنته ثلاث طعنات أودت بحياته.
حيثيات الحكم أكدت أن القاضي استند إلى سمعة المتهمة الطيبة، مقارنةً بسمعة المجني عليه، والذي كان سيئ السمعة، على حد وصف التحريات الجنائية.
واستندت المحكمة في حكمها الصادر بعد نحو عام من حبسها الاحتياطي، إلى المادة 234 من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه “يُعاقب بالسجن المؤبد كل مَن قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد”.
إن شروط الحبس الاحتياطي تنتفي في حالة فتاة العياط وهي الخوف من هروب المتهم والخشية من الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود أو بالعبث بالأدلة أو القرائن المادية أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها، أو عدم وجود مسكن بعنوان ثابت للمتهم.
أن ما حدث مع فتاة العياط وربة المنزل فيه إخلال بمبدأ الدفاع الشرعي عن النفس وكأن النص القانوني غير مفعل في حالة ما إذا كان المتهم امرأة، أن الرجال الذين يتهمون بجرائم الشرف يحاكَمون بنفس القانون ويحصلون على البراءة في أغلب الأوقات.
ووفقاً لقانون العقوبات المصري فإن الدفاع الشرعي هو حق يتيح للشخص استخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرء خطر يهدد النفس أو المال بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر.
ونصت على حق الدفاع الشرعي عن النفس المواد من 245 إلى 251 من قانون العقوبات. ومن شروط الخطر الذي نص عليه القانون أنه لا يجوز للمدافع أن يرد إلا كل ما هو خطر يمكن أن يشكل ضرراً، وإذا كان الاعتداء مستمراً بحيث يكون قد بدأ ولم ينته بعد، فإذا ما انتهى لا يجوز.
ووفقاً لمواد القانون ذاته، إذا كان الخطر الذي يتعرض له الشخص “مشروعاً”، فإنه “يقع عليه التزام بتحمله دون أن يتصدّى له، وإلا اعتبر سلوكه جريمة”، كما في حالة الأب الذي “يستعمل حقه في تأديب ابنه بالضرب” أو “الزوج الذي يؤدب زوجته بالضرب”.
أن “مواد قانون العقوبات نفسها والتي تنص على حق الدفاع عن النفس ميّزت بين المرأة والرجل ولذلك لا أستغرب حينما يتم الحكم على امرأة تعرّضت للاغتصاب أو تم اغتصابها بالفعل”.
أنه في الوقت الذي يحتفي فيه المجتمع بالرجال الذين يرتكبون جرائم قتل للدفاع عما يسمونه الشرف، خاض الإعلام والرأي العام حملة شرسة ضد فتاة العياط وانتشرت قصص وأقاويل تمس سمعتها وغير صحيحة بالمرة.
“لا أرى فرقاً بين الاغتصاب والمحاولة، ففي الحالتين من حق المرأة الدفاع عن نفسها وهذا أمر طبيعي لكن القانون معيوب، إذ أكد على ضرورة وقوع الفعل والاستمرار فيه حتى يتسنى للمرأة الدفاع عن حقها دون أن يحكم عليها، وهذا أمر منافٍ للمنطق”.
أن جرائم الشرف في مصر فيها تمييز بشكل فج، سواء على المستوى القانوني أو المجتمعي، فالمجتمع يحتفي بالرجل الذي يقتل زوجته بسبب الخيانة أو ابنته بسبب ما يسمى الشرف أما في القانون فقد “نصت المادة 61 من قانون العقوبات على إباحة التأديب بما لا يخالف الشريعة الإسلامية”.
أن “المجتمع لا يزال ينظر للمرأة نظرة دونية وهو ما يترجَم في العنف الذي يقع على النساء سواء من الأزواج أو الأسرة أو المجتمع إن “العنف يمارس في منطقتنا العربية نظراً للهيمنة الذكورية”، مشيرةً إلى أنه “يتمثل أحياناً في التخويف والترهيب والاعتداء السلبي الخفي كالإهمال أو الحرمان الاقتصادي أو الإيذاء النفسي أو الجسدي”. أن الوقت حان لنبذ ووقف العنف ضد المرأة والأطفال، وطالبت بضرورة “تشريع قوانين في منتهى الحسم للحد من هذه الجرائم”.