فلسطين ما بين (النكبة، النكسة، الإنقسام، والإنحياز)..!
تاريخ النشر : 2022-06-21
بقلم: عبد الرحيم جاموس
أربعة وسبعون عاما قد مرت على النكبة الفلسطينية واللاجئين لازالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي هجروا منها وقواشين ممتلكاتهم من أراض وعقارات اغتصبت منهم عنوة واقتلعوا منها بالحديد والنار، لازال الفلسطينيون يتمسكون بحقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها وبيوتهم وأراضيهم التي خلفوها وراءهم سنة 1948م، كانوا يعتقدون أنها مجرد أيام معدودات ويعودون إليها بعد أن رفضوا ومعهم اشقاءهم العرب قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947م، في حين اعلنت العصابات الصهيونية قيام (دولة إسرائيل في الوقت الذي اعلنت فيه الدولة المنتدبة بريطانيا انهاء انتدابها على فلسطين في 15/5/1948م)، بعدها انتظر الفلسطينيون دخول الجيوش العربية التي اعلنت الحرب حينها من أجل تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية ومنع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وتمكينهم من العودة إلى ديارهم، لكن للأسف النتيجة كانت الهزيمة والنكبة، لم تتمكن هذه الجيوش من هزيمة العصابات الصهيونية التي استطاعت أن تحتل ما يساوي اكثر من 78% من مساحة فلسطين متجاوزة بذلك النسبة التي كان قد قررها لها قرار التقسيم وهي نسبة 54% من مساحة فلسطين، وُقِعت على أثرها اتفاقات الهدنة العربية الإسرائيلية لترسيم حدود الكيان الصهيوني الوليد على اساسها فيما بعد، رغم ذلك بقي الأمل عند الفلسطيني بالعودة قائما ويكبر يوما بعد يوم وفق القرار الاممي رقم 194 لسنة 1948م كما بقي الأمل لديه ينمو وقائما بإزالة الكيان الصهيوني يوما ما قادما لا محالة وإقامة كيانه المستقل على كامل التراب الفلسطيني.
لكن الواقع العربي الرسمي كان يسير عكس هذه الآمال والأمنيات، فوقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وانتهى بإنسحاب القوات الغازية من سيناء وقطاع غزة، وبقي الأمل أيضا قائما حين تستعد الجيوش العربية من جديد لمعركة التحرير، لكن الطامة الكبرى والتي سميت بالنكسة حين وقعت حرب الخامس من حزيران للعام 1967م والتي انتهت بكارثة عربية كبرى، بإحتلال ما تبقى من أرض فلسطين وسيناء والجولان لتتضاعف مساحة الكيان الصهيوني خمسة مرات عما كان عليه، وسميت نكسة عربية، عندها تصاعدت الثورة الفلسطينية التي كانت قد انطلقت في الأول من يناير عام 1965م على يد حركة فتح لتلتحق بها فصائل وطنية متعددة من مختلف ألوان الطيف السياسي، هكذا يمر اليوم على النكسة خمسة وخمسون عاما وما تبعها من مقاومة ونضال وكفاح فلسطيني وعربي بأشكال وأساليب مختلفة وجاءت حرب اكتوبر1973م .. ليبدأ بعد كل ذلك مسلسلا جديدا من التنازلات في الصراع العربي الإسرائيلي يرتكز على اسلوب (المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاق كامب ديفيد مع مصر ومن ثم اتفاق اوسلو مع م.ت.ف واتفاق وادي عربة مع الأردن).. وبقي الفلسطيني رغم ذلك يحلم بالعودة إلى وطنه ويحلم بإقامة كيانه المستقل وعاصمته القدس ..
مسلسل من النكبات والنكسات والتراجع في المواقف وسوء الإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني واكبه تفوق الكيان الصهيوني وداعميه وحلفاءه ...
ليأتي الإنقسام الفلسطيني الناتج عن انقلاب حركة حماس الحزيراني في 15/6/2007م والذي يكون قد مر عليه اليوم خمسة عشر عاما ليمثل الضربة القاسمة للمشروع الوطني الفلسطيني المرحلي أو في حده الأدنى، ويتزاوج مع النكبة والنكسة، ويمثل الركن الثالث في أركان ثالوث النكبات والنكسات الفلسطينية والعربية، التي جعلت من فلسطين ضحيتها المستمرة والكبرى وتبعد أمل العودة والتحرير الملازمان للإنسان الفلسطيني عقيدة لا يحيد عنها، منذ بدايات القضية إلى اليوم إلى سنوات وربما إلى عقود أخرى، هكذا تتشكل القضية الفلسطينية بفعل القوى الصهيونية وحلفائها من القوى الإستعمارية من جهة وبفعل التراجع وسوء الإستعداد والإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني، والذي توج مؤخرا بموجة التطبيع مع الكيان الصهيوني مع عدد من الدول العربية دون تقديم أي تنازلات من طرف الكيان فيما يخص الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني متجاوزة هذه الدول كافة الخطوط الحمراء والبيضاء التي مثلت ثوابت الحد الأدني للسياسات وللمواقف العربية من الصراع ومن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في وطنه ...!
فلا الحروب العسكرية الكلاسيكية أو الحروب الشعبية قد أدت إلى تحرير فلسطين، ولا مكنت اللاجىء الفلسطيني من العودة إلى دياره، ولا مسلسل المفاوضات بالرعاية الدولية والأمريكية تحديدا قد تمكن من إنجاز ما اخفقت الحروب في تحقيقه...!
رغم كل هذه المحطات والنكبات والنضالات والتضحيات وما حملته من مآسي وتضحيات واخفاقات وما حققته من انجازات، فإن الشعب الفلسطيني بقي ولازال يمثل حقيقة قائمة وماثلة للعيان ويربوا على أربعة عشر مليونا من البشر ليسوا فائضا بشريا على وطنهم، ولا على العالم حتى يستمر انكار حقوقهم الثابتة غير القابلة للتصرف من عدوهم وغيره من اشقاء واصدقاء، ولا يجوز أن يترك فريسة لسياسات الكيان الصهيوني وداعميه، ليواصل هذا الكيان مسيرة قضمه لحقوق الشعب الفلسطيني قطعة قطعة ...
على طريق الغائها نهائيا وفرض الأمر الواقع الذي يفرضه بالقوة وأن يتم قبوله والتعامل معه من ثم عربيا وعالميا على صيغته العدوانية التوسعية والعنصرية، المرفوضة فلسطينيا وعربيا ودوليا والمنافية لكل قرارات الشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي العام والخاص، وكل ذلك يتم ويجري بدعم وغطاء من إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة كانت ديمقراطية أو جمهورية سواء، لا فرق سوى بالأسلوب، فلا أحد يعولُ على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة والمزمع القيام بها أواسط الشهر القادم لفلسطين المحتلة والمنطقة أن يحدث بعض التغييرات الجوهرية في هذه السياسة الأمريكية المعتادة بشأن انهاء الصراع وبشأن الحقوق الفلسطينية، بل سيؤكد ويجدد على التزام أمريكا بأمن إسرائيل ويكمل خطى الإدارات السابقة في دمج إسرائيل في المنطقة ومنحها دورا أكبر في قيادة التحالفات الإقليمية فيها وإدارة صراعاتها وتجديد وظيفة الكيان الصهيوني، ومنح الفلسطينيين بعض التصريحات التي لن تغير في الواقع شيئا ولا تضع حدا للتغول اليميني الصهيوني على الأرض وعلى الإنسان الفلسطيني ....!
لذا الفلسطينيون اليوم مطالبون بقراءة الواقع قراءة فاحصة، على ضوءها يجب أن يتم بناء استراتيجية نضالية كفاحية جديدة، أول عناصرها انهاء الإنقسام وانجاز الوحدة الوطنية ميدانيا ومؤسساتيا في اطار م.ت.ف بصيغة تكفل احتواء جميع القوى والتيارات في اطار جبهوي ناظم وموحد للفعل الوطني في مواجهة المشروع الصهيوني على كل المستويات وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
ثانيا: عربيا لابد من مراجعة المواقف العربية لجميع الدول ووقف مسلسل التراجع والتراخي والتطبيع في التعامل مع الكيان الصهيوني ووقف حالة التردي واللامبالاة بما يتعرض له الشعب الفلسطيني، ووقف كل محاولات ومقدمات التطبيع معه، وبناء المواقف العربية مع الولايات المتحدة على اسس مصلحية ومع مختلف الدول والقوى على اساس مواقفها من هذا الصراع المزمن ومن القضايا العربية المختلفة، وعلى اساس الإلتزام بتنفيذ القرارات العربية والدولية المختلفة بهذا الشأن ..
حتى يدرك الكيان الصهيوني وحلفائه مدى جدية الموقف العربي من سياساته العدوانية، وتأكيد الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية كحد أدنى للموقف العربي لإنهاء الصراع معه ..
ثالثا: على الديبلوماسية العربية والفلسطينية أن تنشط وتسعي لخلق جبهة دولية شعبية ورسمية عالمية داعمة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومعارضة لإستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وسياساته التوسعية والإستيطانية والعنصرية المجافية للشرعية الدولية ولأبسط قواعد القانون الدولي ..
نخلص إلى أن النضال الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية وتحولاتها المختلفة، يجب أن يرتكز ويهدف إلى تحقيق الغايات والأهداف الإستراتيجية التالية لإعادة الإعتبار لقضيته:
أولا: إنهاء الإنقسام فورا وتحقيق الوحدة الوطنية في اطار م.ت.ف كجبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الفلسطينية.
ثانيا: النضال من أجل اسقاط قانون قومية الدولة (يهودية الدولة) في الكيان الصهيوني وتحقيق المساواة لشعبنا في منطقة الإحتلال للعام ثمانية واربعين، والعمل على تحقيق هدف العودة للاجئين الفلسطينيين، كحق اصيل وثابت فردي وجماعي غير قابل للسقوط أو التقادم أو التنازل وفق ما فصله وأقره القرار 194 لسنة 1948م.
ثالثا: النضال من أجل ممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق القرار 181 لسنة 1947م وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
هذا هو الرد الطبيعي والمنطقي لمحو آثار ثالوث (النكبة والنكسة والإنقسام) يضاف إلى ذلك مواجهة الإنحياز والنفاق الدولي والغطرسة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين وشعبها ضحية مستمرة وماثلة للعيان .. رغم كل صور النضال والصمود والمقاومة التي جسدها الشعب الفلسطيني على مدى عمر الصراع بكل اشكال واساليب النضال دون توقف أو استسلام.