الْحِلْم وَطَرِيق الِانْتِصَار
تاريخ النشر : 2022-06-19
بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون

تَزَوَّجْت وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَتَرَكْت مَقَاعِد الدِّرَاسَة فَقَد أَصَرّ
وَالِدَهَا عَلَى زواجها عِنْدَمَا تَقَدَّم مُهَنَّد لخطبتها وَقِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَمَلِهَا الْكَبِيرِ فِي أَنَّ تُكْمِلَ
تَعْلِيمِهَا ، إنَّه الْحِلْم الْكَبِيرِ الَّذِي تَعِيشُ لِأَجْلِهِ وَأنْ
تُصْبِح محامية تُدَافِعُ عَنْ الْفُقَرَاءِ والمحتاجين ، وَلَكِنَّهَا لَا
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْفُضَ طَلَب وَالِدَهَا ، فتبعثرت أَوْراقها وَحَمَلْتهَا
الرِّيحُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا ، الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ فِي مُطْعِم
شَعْبِيٌّ ، رواده مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوب الطَّيِّبَة ، ويشاء اللَّهُ أَنْ
يَرْزُقَهُ أَرْبَعَة أَطْفَال مِمَّا دَفَعَهُ إلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ
وساعات الدَّوَام ليستطيع تَوْفِير متطلباتهم ، أَمَّا سُعَاد زَوْجَتِه
فَقَدْ كَانَتْ تُؤَدِّي دَوْرُهَا كَأُمّ فِي رِعَايَةِ ابنائها
وَتَعْلِيمِهِم ، وَلَكِن الْأَمَل الْكَبِيرِ فِي أَنَّ تَعُودَ إلَى
الْكُتُبِ لَمْ يُفَارِقْ طموحها ، وَأن تَغْدُو طَالَبَة متفوقة لِتُصْبِح
المحامية الَّتِي يُشَار لَهَا بِالْبَنَان فصارحت زَوْجُهَا أَنْ تُكْمِلَ
تَعْلِيمِهَا وَأن تَتَقَدَّم للثانوية الْعَامَّة وَأَنَّهَا لَن تَكَلُّفُه
شَيْئًا سِوَى ثَمَنِ الْكُتُب وَبَعْض الرُّسُوم الْبَسِيطَة ، لَقَدْ كَانَ
صَوْتَهَا يَرْتَجِف وَهِي تَتَحَدّث عَن أحلامها الَّتِي تَعَانَق النُّجُوم
وَتَطُوف بجناحيها كُلّ الوَطَن ، ففاجئها بِأَنَّهُ لَا يُجِيد الْقِرَاءَةُ
وَالْكِتَابَةُ ، وَلَكِنَّهُ يَرَى سَعَادَتُه فِي تَعْلِيمِهَا وَأَنَّه
يساندها وَيَقِف مَعَهَا كَيْفَ لَا وَهِيَ رَفِيقِه دُرْبَة وَأُم أَوْلَادِه
؟ ؟ ، وتتقدم سُعَاد للثانوية الْعَامَّة وَتَبَذُّلٌ جُهْدًا فِي
الدِّرَاسَةِ وَتَحْصُل عَلَى تَفَوَّق يؤهلها لِلدُّخُولِ إلَى الجَامِعَةِ
وَدِرَاسَة القَانُون وَتَمْر سَنَوَات الدِّرَاسَة كَلَمْحِ الْبَصَرِ فإِذَا
هِيَ ترتدي لِبَاسٌ التَّخَرُّج ، أَنَّهَا فَرَحُة الْأَمَل وَالسَّعَادَة
عِنْدَمَا تَمّ الْمُنَادَاة عَلَى اسْمِهَا لتتسلم شَهَادَة التَّخَرُّج ،
وَبَعْد الِانْتِهَاء مِن التَّدْرِيب وَأَدَاء الْقِسْم لِخِدْمَةِ الوَطَنِ
وَأن تُؤَدِّي أَعْمَالِهَا بِشَرَف وَأَمَانَة ، ، وَمَا زَالَ زَوْجُهَا
إلَى جَانِبِهَا حَيْثُ افْتَتَحَ لَهَا مُكْتَبًا للمحاماة ، لِتَحَمُّل
هُمُوم الوَطَن تَدَافُعٌ عَنْه وَلِتَكُون شَمْعِة مُضِيئَةٌ لِمَن أَرَادَتْ
أَنْ تُوَاصِل تَعْلِيمِهَا فَالْحِلْم لَا يَقِفُ عِنْدَ عُمَرَ أَوْ زَمَنٍ
بَلْ هُوَ رِيشَة تَرَسَّم الْآمَال والطموح وَالتَّحَدِّي وَالْإِصْرَار إلَى
عَالَمِ لَا يعْرَفُ إلَّا الِانْتِصَارُ . . .