بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون
تَقَدَّم لخطبتها وَكَّلَه ثِقَةٌ بِمُوَافَقَتِهَا وَمُبَارَكَةِ أَهْلِهَا
كَيْفَ لَا وَهُوَ يَعْمَلُ عَامِلًا فِي مَصْنَعٍ للحديد فِي مَدينة النورس
وَاَلَّتِي تَبْعُد مَسافَةً طَويلَةً عَنْ مَكَانِ عَمَلِه ، فَقَد
شَاهَدَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ عِنْدَمَا جَاء وَالِدهَا يَشْتَرِي حَدِيدًا
لِلْبِنَاء فَقَد لفتت انْتِبَاهَه عِنْدَمَا كَانَتْ فِي السَّيَّارَةِ
تَنْتَظِر وَالِدَهَا ، اِبْتَسَم لَهَا لَكِنَّهَا لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ
وَعِنْدَمَا عَاد وَالِدَهَا مَرَّةً أُخْرَى حَاوَلَ الْحَدِيثَ مَعَهَا
لَكِنَّهَا قَالَتْ لَهُ إنْ لِلْبَيْت عُنْوَان ، وَفِي غُضُون أَيَّامٍ
كَانَ مَعَ وَالِدَتَه يَتَقَدَّم لخطبتها ، وَلَكِنً وَالِدَهَا قَابَلَه
بِالرَّفْض فَعَمَلُه لَا يَكْفِي لِبِنَاء أَسَرَة وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ
يَطْمَئِنَّ عَلَى ابْنَتِهِ ومستقبلها ، غَادَر مَع وَالِدَتَه يَشْعُر
بالأسى مِنْ فِقْرَه وَمَاذَا يَعْنِي أَنَّ يَكُونَ عَامِلًا ؟ وَأَنْ يكُونَ
فَقِيرًا ، هَلْ هَذَا يُقَلِّلُ مِنْ احْتِرَام الْإِنْسَان ، يَا لِهَذَا
الْمُجْتَمَع ولعاداته وَتَقالِيدِه الَّتِي أَصْبَحَتْ ثَقَافَته تَقِف
حائِلاً دونَ بِنَاءٍ أَسَرة وَتَدْفَعُ لِلْهِجْرَة والغربة وَالرَّحِيل ،
كَاد الْإِحْبَاط أَنْ يَتَسَلَّلَ إِلَى قَلْبِهِ وَلَكِنَّه تَذَكَّر كَلَام
وَالِدَه رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ لَا يَيْأَسَ وَإِن يَسْتَمِرَّ فِي
الْحَيَاةِ مُقَاتِلًا شَرِسًا وَأن يَعُودَ مَرَّةً وَمَرَّةً أُخْرَى فَلَا
بُدَّ أَنْ تَنَجَّحَ مُحَاوَلَة مِنْ تِلْكَ المحاولات ، لِذَا قَرَّر
الْعَوْدَة وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَسْمَع الْجَوَابَ مِنْ وَالِدِهَا حَيْث
أَصْبَحْت كَلِمَاتَه الْمُكَرَّرَة يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ إلَى أَنْ
قَرَّرَ وَالِدُهَا أَنْ يُعْطِيَهُ فِرْصَة لِزِيَادَة دَخَلِه ، فَاتَّفَق
مَع وَالِدَهَا عَلَى اتْمَامِ مَرَاسِم الزَّواجِ بَعْدَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ
وَسَيَكُون عِنْدَ حُسْنِ الظَّنِّ جَدِيرا بِهَا ، كَانَ يَعْمَلُ بوردية
وَاحِدَة وَالْآن أَصْبَح يَعْمَل بورديتين ، إرْهَاق جَسَدِي لَكِنَّه يتحطم
أمَام ٱمَاله الَّتِي أَصْبَحَتْ تَكَبَّر كُلَّ يَوْمٍ إلَى أَنْ يَلْتَقِيَ
مَع سَلْمَى تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ وَمَا زَالَتْ صُورَتَهَا لَا تُفَارِقُهُ
وَتُعْطِيه الْقُوَّة وَالْإِرَادَة إنَّ شَعْرَ بالفتور أَو الإرهاق ، وَفِي
عَمَلِه المرهق يَأْتِيه اتِّصَال بِأَن حَادِثٌا قَدْ تَعَرَّضَتْ لَهُ وَأنْ
عَمَلِيَّة عَاجَلَة تُجْرَى لَهَا ، تَرْكُ عَمَلَهُ وَتَوَجَّهَ إلَى المشفى
وَأمَام غُرْفَة الْعَمَلِيَّات صَمْت رَهِيب وَحزن كَبِيرٌ وَأَنْفَاس
مَحْبُوسَةً لَا تَكَادُ تسْمعهَا ، يَخْرُج الطِبيب وَيُخْبِرُهُم بِأَنَّه
أدَّى وَاجِبَهُ وَأَنَّهَا ستتجاوز الْخَطَر ، وَلَكِن وَجْهِهَا قَدْ
تَعَرَّضَ لِإِصَابَة كَبِيرَة وَرُبَّمَا يَلْحَقُه تَشْوِيه وَقَدْ يَكُونُ
الْعِلَاج طَوِيلًا ، وَبَعْد أُسْبُوعَيْن غادرت المشفى وَهِيَ حَزِينَةٌ
مُنْكَسِرَة الْخَاطِر تفَكِّرَ فِي مُهَنَّد الَّذِي لَمْ يَيْأَسْ مِنْ
وَالِدَهَا ورفضه لَه ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يُحَاوِل الِاتِّصَال بِهَا أَوْ
زِيَارَتَهَا تَرْفُض أَن تقابله ، وَقَرَرَت أَنْ تَتْرُكَهُ وَتَدَع قَلْبَه
يَبْحَثُ عَنْ أُخْرَى ، وَفِي يَوْمِ نادتها وَالِدَتِهَا بِأَن مهندا جَاء
يَدْعُوهَا لحفل زَوَاجه وَمَعَه دَعْوَة الْعُرْس ، وَيُرِيدُ أَنْ تتسلمها
بِنَفْسِهَا ، وَعِنْدَمَا قَرَأْت الدَّعْوَة كَانَت الْمُفَاجَأَة حَيْثُ
كَانَ اسْم الْعَرُوس سلمى وَفِي نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ حَفْل الزِّفَاف ،
وَأَنَّ مَا أَصَابَ وَجْهَهَا مِنْ تَشْوِيهِ نَتِيجَة حَادِثِ السَّيْرِ
لَمْ تُؤَثِّرْ به وَلَمْ تُغَيِّر مَوْقِفَه بَل زَادَه إصرارا فَهِيَ
الَّتِي اخْتَارَهَا قَلبُه ويُريدُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الْحَيَاةِ مَعَهَا
يَدًا بِيَدٍ نَحْو الْمُسْتَقْبَل . . .
زَوَاجٌ عَلَى صَفِيح سَاخِن
تاريخ النشر : 2022-06-09