سَعِيد وَبَنَاتِه الثَّلَاث
تاريخ النشر : 2022-06-07
بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون

سَعِيد وَبَنَاتِه الثَّلَاث

أَسَرَة صَغِيرَة مُكَوَّنَة مِنْ ثِلَاثٍٍٍ بَنَاتِ ، ويَعْمَل بِكُلّ جُهْد
عَلَى اسعادهنَّ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةِ وَعَطَاء لَا يَتَوَقَّفُ ،
سْحَرْ الِابْنَة الْكُبْرَى فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ من الجَامِعَةِ وتدرس
التَّمْرِيض وسلوى الْوُسْطَى فِي الثَّانَوِيَّةِ الْعَامَّة وَالصُّغْرَى
فِي الصَّفِّ الْعَاشِر ، هُنّ جَيْشَه الَّذِي يُقَاتِلُ مَنْ أَجْلِهِ
وَتَرَكَ كُلٌَّ شَىْءٍ فِي الْحَيَاةِ مِنْ أَجَلَهُنّ فَهو يَحْرِصُ عَلَى
دَفْعِ الْقِسْطِ الجَامِعيّ رَغم قَسْوَة الْحَيَاة وصعوبتها ، فَلَا
يُرِيدُهَا أَن تَشْعُرَ بِأَنَّ وَالِدَهَا يَضْعُف ، فَعْمَلُه فِي قِسْمِ
الصِّحَّةِ مع الْبَلَدِيَّة يَبْدَأ مَعَ الْفَجْرِ إلَى السَّاعَةِ
العاشِرَةِ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى عَمَلِ آخَرَ فِي مُطْعِم أَبُو الْوَزِير
لِتَنْظِيف الصُّحون ولساعة مُتَأَخِّرَةٍ مِنْ اللَّيْلِ ، يَا لِهَذِه
الْحَيَاة الْقَاسِيَة ، ولشظف الْعَيْش كَم يُؤْلِم وَلَكِن اِبْتِسَامَةَ
الْبَنَات يُشْرِحُْ صَدْرَهُ ، ويُنعشُ قَلْبَه فَهُنّ المؤنسات الغاليات ،
فَقَدْ كَانَ أَمَلُه أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ بِطِفْل يُسَاعِدَهُ فِي
كِبَرِهِ وَلَكِنَّهَا مَشِيئَةُ اللَّهِ وَقَدَرِهِ أَنْ يُرْزَقَ بِنِصْف
الْمُجْتَمَع ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حِرْصًا عَلَى أَلا تَعْلَمَ
بَنَاتَه طَبِيعَة عَمَلِهِ فِي النَّظَافَةِ حَتَّى لَا يشعرنَّ بِالْحَرَج
مِنْه ، هَكَذَا كَانَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِأَنْ لَا يَعْرِفُنَ أَيْنَ
يَذْهَبُ ، الْمُهِمّ أَنَّهُنّ مسرورات ، وَفِي يَوْمِ تَأَخَّر الرَّاتِبُ
وَتَأَخَّر الْقِسْط الجَامِعيّ ، لَمْ يَدْرِ مَاذَا يَفْعَلُ وَسَحَر عَلَى
وَشْكِ التَّخَرُّج فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ ، الكَهْرَباء وَالْمَاء
والطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْقِسْط الجَامِعيّ ، كَانَت مَلامِحُ وَجْهِهِ
تبوح وَتُظْهِر خيباته واحباطه وَدَمْعة يُحَاوِلْ أنْ يُخْفِيَهَا لَكِنَّهَا
تَتَدَحْرَج عَلَى خَدِّهِ وتفضح أَحْزَانُه وَٱلْأمَه ، ولأَوَّلِ مَرَّةٍ
يَشْعُرُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَيُفَكِّرُ فِي شُعُورِ ابْنَتَه الَّتِي لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ الْقِسْطَ لَهَا وَكَيْف سَيخبرُها بِتَأْجِيل
الْفَصْل ، لَمْ يُغْمِضْ لَه جَفْن ، وَعِنْد الْفَجْر تَسَلَّلَ مِنْ
فِرَاشِهِ إلَى عَمَلِهِ وَهو يَقُول . ..
ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا . . . وَعِنْد ذهَابِهِ إلَى
عَمَلِهِ فِي غَسْلِ الصُّحُونِ فِي الْمَطْعَمِ لَاحَظ أَصْدِقائَه فِي
وَجْهَه الشَّاحِب كَأَنَّه مَرِيضٌ ، وَبَعْد جُهْد عَرَفُوا آلَمَه
وَقَرَّرُوا مُسَاعَدَتَه فِي يَوْمِ عَمِلَ لِابْنَتِه كَانَ كَفِيلًا
بِإِنْهَاء أزْمَتِه الْمَالِيَّة ، وَفِي يَوْمِ تُخْرِجُهَا تفاجئ
بابْنَتَهُ بِلِبَاس التَّخَرُّج تَقِف أمَامه وَهُوَ يُنَظِّف الشَّارِع
وتَقُولُ..
لَهُ أَنْتَ مَعْنَى الرِّجْلِ الَّذِي أَشْعَر مَعَه بِالْأَمَان
وَالِاطْمِئْنَان واعشق كُلِّ شَىْءٍ تَعْمَله واطمح أَنْ أَكُونَ الِابْنَة
الَّتِي تَرَكْتُهَا عَلَى الدَّوَامِ فَأَكُون سَبَبًا فِي فخرك كَمَا أَنْتَ
سَبَبًا فِي فَخْرِي واعتزازي ، وَأَمْسَكْت بِيَدِه يُكْمِلُا الطَّرِيق إلَى
عُمَّال الْمَطْعَم ليحتفلوا مَعَهُم فَهُم ضَوْء الْحَيَاة وَبَقِيَّة
الرِّجَال الْأَخْيَار . .