بَسَطَة أَبُو سَعِيدٍ وَالبَلَديَّة
تاريخ النشر : 2022-05-29
بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون


يَخْرُجُ مِنْ الصَّبَاحِ وَالشَّمْس تُرْسِلُ أَشِعَّتَها ، يَطْلُب رِزْقَهُ
الَّذِي لَا يَكَادُ يَسُدّ رَمَقَ الْعَيْش ، وَلَكِنَّهُ كَمَا يَقُولُ
مَسْتُورَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَا يَأْتِي مِنْ اللَّهِ فَهُوَ جَمِيل ،
عِبَارَة يُكَرِّرُهَا كُلَّ يَوْمٍ يَا رِضَا وَرِضَا الْوَالِدَيْن ، فلديه
بَسَطَة صَغِيرَةً فِي أَوَّلِ السَّوْق عَلَى الرَّصِيفِ يَبِيعُ بِهَا
بَعْضَ الأَغْرَاضِ الْقَدِيمَة ، مُلَابِسٌ ، أَحْذِيَةٌ ، سَاعَات ،
أَدَوَات كَهْرَبائِيَّة بَسِيطة ، يَشْتَرِيهَا مِمَّا يَزِيدُ عَنْ حَاجَةِ
النَّاسِ ، لَقَد تَعَوَّدَ إنْ يَطُوفَ سَاعَة الظَّهِيرَة فِي الْحَارَات
وَبَيْن الْمَنَازِل يصدحُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَأَنَّه زِلْزال ، فتناديه
أَم مَحْمُودٌ، الثُّرَيَّا بِعَشَرَةِ جُنَيْهَاتٍ ، يتفاوضان إلَى
أَرْبَعَةِ جُنَيْهَات وَأَبُو خليل ماكنة الْخِيَاطَة بِعِشْرِين جُنَيْهًا
وَتَصِلُ بَعْدَ جُهْدٍ ونقاش وَكَلَام إلَى سَبْعَةِ جُنَيْهَات وَيُنَادِي
نُحَاس ، أَوَانِي . صحون ، لِيَعُود إلَى بَسَطْته الَّتِي فِي انْتِظَارِهِ
مَع عُمَّال الْبَلَدِيَّة ومفتشها ، أَنْت تُخَالِف القَانُون وَهَذَا
الْمَكَان مَمْنُوعٌ فَفِيه إِعاقَةٌ لِحَرَكَة الْمَارَّة والمشاة ، يَا
أَخِي نُرِيدُ أَنْ نَعيش ، الْأَوْضَاع صَعْبَة وَلَا يُوجَدُ مَصْدَر رِزْق
غَيْرِهَا وَهِيَ لَا تَكَادُ تُوَفِّر الطَّعَام ، مَاذَا نَعْمَل ؟، هَل
نَمُوتُ حَتَّى نُرْضِي رَئِيس الْبَلَدِيَّة ليتفضل وَلْيَأْتِ إلَى هُنَا ،
لِيَنْزِل مِن بُرْجِه العاجي وَيَأْتِي وَيَسْتَمِع لهمومنا ، أَيْن نَذْهَب
؟ هَل نهاجر ؟ اِنْفَعَل وَلَمْ يَسْتَطِعْ السَّيْطَرَة عَلَى نَفْسِهِ ،
تَمَلُّكُه الْغَضَبِ الَّذِي اِجْتَاح كُلّ جَوَارِحِه ، يحاربوننا فِي قُوتِ
يَوْمِنَا ، فَلَا نَبِيع إلَّا الْقَلِيلُ ، وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ
يبتعدوا عَنَّا وَيَتْرُكُونَنَا نَعيش ، وفجأة أَصْبَح يُهَدِّد بِأَنَّه
سيسكب عَلَى نَفْسِهِ البِنْزِين وَيحْرِقُ نَفْسَهُ ، وَأَمام هَذَا
الْغَضَبِ وَالْبَرَكَان تَرَاجَع الْمُفَتِّش وَقَالَ لَهُ سأتركك الْيَوْم
وَلَكِنَّنِي سأعود غَدًا ، وَمَعِي الشُّرْطَة وَسَيَكُون هُنَاك الْحِسَاب
وَالْعِقَاب فالقانون هُو القَانُون فَعَلَيْك مُرَاجَعَة الْبَلَدِيَّة
لِلْحُصُولِ عَلَى التراخيص اللَّازِمَة ، تَبًّا لِمَا نعيشه قَالَهَا فِي
نَفْسِهِ وَحَتَّى بَسَطَة صَغِيرَة بِحَاجَةٍ إِلَى تَرْخِيص وَدَفَع رُسُوم
وَضَرِيبَة ، أَمْضَى نَهَارِه الطَّوِيل وَلَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ أَحَدٌ إلَّا
بِسِتَّةِ جُنَيْهَات ، وَفِي طَرِيقٍ الْعَوْدَةِ إلَى الْمَنْزِلِ وَقَفَ
أمَامََ مَطْعِم أَبِي خَلِيل يَنْظُرُ إلَى الطَّعَامِ واسعاره حَتَّى طَلَبَ
وَجْبَةً مِنْ الشاورما مَع زُجَاجَة مَاء . وَعُلْبَة كُولا بَارِدَة ،
فَقَدْ كَانَ يتضور جُوعًا بَعْد عَنَاء يَوْمٍ طَوِيلٍ ، فَإِذَا عَلَى
نَافِذَةِ الْمَطْعَم فَتَاة صَغِيرَة ، ملابِسُها رَثَّة وحذاؤها مُمَزَّق
وَشَعْرُهَا يَبْدو أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الْمَاء مُنْذ فَتْرَةً طَويلَةٍ
وَهِيَ تَنْظُرُ إلَى الطَّعَامِ بلهفة كَبِيرَة ، يَا لَهُ مِنْ مَوْقِفِ
صَعْب ، أَثَّرَ فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحه فَتَحَرَّكَت كَرَامَتَه وَثَارَت
وَإِذَا بِهِ يَذْهَبُ إلَيْهَا وَيَدْفَع لَهَا بوجبة الطَّعَام وَيَمْسَحُ
عَلَى رَأْسِهَا ، وَيَمْضِي فِي طَرِيقِهِ ، يُوجَدُ فِي الْمَنْزِلِ خُبْز
جَافّ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيَقُومُ بِالْوَاجِب وَلَعَلَّ فِي يَوْمِ جَدِيدٍ
يَأْتِي اللَّهُ بِرِزْق وَفِير . . .