رواية "عراف النرويج" للمخرج والكاتب الفلسطيني إياد أبو روك.. مغامرة اللجوء بنكهة استخباراتية وأحداث بوليسية
تاريخ النشر : 2022-05-19
رواية "عراف النرويج" للمخرج والكاتب الفلسطيني إياد أبو روك.. مغامرة اللجوء بنكهة استخباراتية وأحداث بوليسية


أطلق المخرج والكاتب الفلسطيني المعروف إياد أبو روك أخيرا روايته "عراف النرويج"، التي أعلن عنها قبل فترة وتحكي الرواية بأسلوب أدبي فريد ومتميز وقلم ساحر جانب من قصص اللجوء للمهاجرين العرب في الغرب، بعدما اضطرتهم الظروف القهرية لمغادرة أوطانهم. "عراف النرويج" تجربة أدبية فريدة لإياد أبو روك الرواية التي خرجت من النرويج حيث يقيم "أبو روك"، رست أخيرا معقل الأدب والثقافة بمصر، حيث صدرت عن دار "معجزة" المصرية للنشر والتوزيع. والرواية قصة أدبية فريدة تجسد ملحمة من الصراعات الثقافية والسياسية والإنسانية، وتعد تجربة المخرج الفلسطيني الأولى في عالم الكتابة الأدبية.

وأهم ما ميز رواية "عراف النرويج" بحسب، علي صابر حمادي، الناقد والفنان التشكيلي الجزائري البارز، هي امتزاجها بشخصية الكاتب المناضل، والمخرج الفلسطيني إياد أبو روك، الذي عايش قصة اللجوؤ بنفسه وانتقل عبر تجارب إنسانية حطت رحالها بأكثر من بلد ليكون هذا المخاض الذي تولد عن روح مبدعة تحسن التأقلم مع المناخات الثقافية والفكرية. 

وتابع "الحمادي" أن، رواية "عراف النرويج" ليست عملا أدبيا يحمل ملامح الكتابة المعتادة بمصطلحاتها التي يتناولها الكتاب معتمدين على تدوير معانيها أو إعطائها هندام المبالغة، والتجميل اللغوي الذي هو بالأساس "أفيون الشعوب العربية المقهورة الباحثة عن لذة مختبئة وراء الكلمة." 

 إياد أبو روك في تلك الرواية الفريدة وظف شخصية المخرج ومنظوره للموضوعات وتوظيفه للجمل الأدبية، بأسلوب إخراجي بحت حيث يصب جام تركيزه على الرسائل والحوارات الأكثر إثراء للمشهد. حيث يمنح للغة لسانا أكثر دقة في معالجة القضايا المهمة، بحسب الناقد الجزائري. 

ويصور لنا الكاتب في روايته الرحلة من البداية، في الضفة الأخرى لعالمنا الشرقي الغارق في الحروب والصراعات السياسية التي أنهكت الإنسان وحملته على زورق من الأعباء والذاكرة المثقلة بالقهر الباحثة عن الحياة، هربا من رصاصة مستعمر أو رشاش دكتاتور. 

 ويقول علي حمادي إن "أبو روك"، اعتمد في "عراف النرويج" على مناقشة شخصيات الرواية بأبعاد نفسية تجعلنا نعيش تلك الصراعات الداخلية، حيث أن المهاجر من الوطن العربي يحمل معه كما هائلا من الثوابت الثقافية والقيم الدينية والمجتمعية ببعدها الشرقي العربي بكل إيجابيات وسلبياته ليضعنا في وسط الصراع، صراع الانتماء والاندماج والتأقلم. 

"الكانب" المحطة الأولى لكل مهاجر طالب للجوء ولعل أكثر المشاهد إثارة في الرواية ـ بحسب الناقد الجزائري ـ هي الحصة الأولى في (الكانب)، وهو المحطة الأولى لكل مهاجر طالب للجوء، ذلك المشهد القوي لبطل الرواية وهو يفتح عينيه على تلك الجبال المخضبة بالثلوج. إنها الصدمات الأولى في أرض الشمال، ذلك الانتقال الدرامي الرهيب من أحضان الشمس الدافئة والمجتمعات المنفتحة على بعضها ببساطتها ودفئها لأحضان الغربة واللجوء. 

والغربة كما صورها إياد أبو روك، لم تكن الانتقال الجغرافي فقط، بل إنها معضلة الذاكرة بكل تفاصيلها وتحدياتها التفاصيل العاطفية الدامية التي يحملها مثقف نجى من الموت تحت نيران برميل متفجر، أو رصاصة مستعمر مغتصب للأرض والعرض. إنه المشهد الأكثر تأثيرا وقدمه لنا الكاتب بأسلوب إخراجي واقعي لأبعد الحدود، يقول الحمادي. 

حيث يصبح للزمن بعد حقيقيا، يمنحنا فرصتا لنعيش التجربة أو لنكون أحد أبطال هذه الرواية. إسقاطات فلسفية وتعبير عميق وتنوع في المشاهد وأهم ما ميز "عراف النرويج" أيضا هو تسلل الكاتب لتلك الإسقاطات الفلسفية الكبيرة بالمعاني والتعبير العميق، وتوصيف مختلف الشخصيات على اختلاف جنسياتها من إفريقيا إلى الشرق الأوسط لأوروبا الشرقي., 

وهذا ما يدل ـ بحسب تقديم علي صابر حمادي للرواية ـ على ذكاء القدرة الوصفية لأبعاد المشهد، حيث لا نقع في فخ الملل من التركيز على شخصية البطل في الرواية، فقد نجح "أبو روك" بامتياز في منح كل الشخصيات دورا بطوليا منفصلا بحد ذاته، وصولا لمرحلة مناقشة موضوع مهم جدا. والذي كان بالأساس النقطة الذهبية والمغزى الأسمى والأهم في نسيج وأهداف هذا العمل الأدبي الفذ. وهو موضوع الاندماج الثقافي بما يحمله من تحديات ومشاكل وهمية، حيث تطرق لأكثر المواقف حساسية فيما يخص هذا الموضوع. 

وقدم لنا تجربة ثرية بالتحليلات الاجتماعية والنفسية، في رحلة الاندماج الثقافي والذي يعتبر أكبر حاجز يواجهه اللاجئون على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم ودياناتهم وأيديولوجياتهم. سخاء عاطفي مفعم بالأحاسيس وتابع الناقد الجزائري أنه "لعل أكثر ما يميز هذه الرحلة الأدبية أيضا هو سخاء الكاتب العاطفي، لأن الرواية وفي كل فصولها مفعمة بالاأحاسيس على اختلافها والعواطف على تنوع مصادرها." 

وتابع:"ومن بين هذه التفاصيل الجمالية الغنية، هي شخصية العراف إذ تفهم من خلالها قراءة مخيلة الكاتب بخلفيتها الشرقية التي لا تخلو من الدهشة. والتي يحملنا عبرها لكل ما تزخر به ذاكرتنا العربية الشرقية من الشخصيات الخيالية والأسطورية ليثبت انتمائه لهذا المورث الزاخر بالأحداث. وهذا ليس غريبا على كاتب قادم من أرض تزخر بذاكرة القدم وروح النبوة." مضيفا:"وفي رواية "عراف النرويج" يخرجنا الكاتب من أجواء اللجوء والغربة والصراع النفسي ويذيب جليد مدينه "غاوس دال" النرويجية التي يوجد بها أكبر كامب للاجئين، وبهذا القاء المليء بالعاطفة الجياشة. 

ويصور لنا العاشق الشرقي بكل أبعاده، حيث يجوب عشقه بنا عبر شوارع مبللة لمطر باريسي يتجمع غيمه في فلسطين ويهطل في شوارع الشانزليزيه بباريس." نكهة استخباراتية وأحداث بوليسية واستطرد "حمادي":"كما أنه من أجواء التحليل النفسي والاجتماعي ودراما الرحلة بحثا عن اللجوء وخروجا من دهاليز مراكز الإيواء والذاكرة والحنين وصراع الوطن والثقافة والدين والاندماج، يدخل بنا الكاتب إياد أبو روك معتركا أدبيا بنكهة خاصة إذا يضيف الإثارة والمغامرة بنكهة استخباراتية وأحداث بوليسية تربطنا مع احداث القصة من البداية." 

وأوضح:"حيث يضعنا في قفص المطاردة فيجبرنا بأسلوب دراماتيكي على التعاطف مع البطل، الذي هو أيقونة المقاومة ورمز لثبات الهوية، لحد البكاء نتعاطف مع الأطروحة بكل أبعادها فنتأثر بعمق." وهنا تبرز شخصية المخرج الكاتب جليا، إذ يرمي بنا في عمق المواقف بكل أحاسيسها ويجعلنا نعيش غربة المهجر وإنكسار قلب العاشق وألم الخيانة ودهاء العراف، وفرحة الوصول للضفة الأخرى والحنين للوطن، والنجاح رغم ما تحمله القضية والحياة من الضغوط في أرض المهجر، وكذلك الوقوع في الحب والصدمات الأولى، بحسب الناقد الجزائري. بالإضافة لحواجز اللغة الدين والثقافة والغيرة والاندماج في الحياة، وألم الهروب الدائم من المطاردة لما يحمل البطل من مقومات وثوابت النضال والتي تطارده حتى في دهاليز الغربة ثم تلك النهاية البطولية. نهاية مفعمة بالرسائل الهادفة وعن نهاية رواية "عراف النرويج"، قال علي صابر حمادي:"ويالها من نهاية كبيرة مفعمة بالرسائل الهادفة والدروس والعبر والتجربة. 

تلك النهاية التي تأخذنا في فواصل ضوئية وتجوب بنا في نهايات الأبطال المأثورة. وبقدر ما تجرحنا تلك النهاية الدراماتيكية للبطل بقدر ما تنبت فينا حدائق من الأمل." كما شدد "حمادي" على "أنها تجربة أدبية مميزة جدا بأسلوب لغوي وتصوير خاص وتعامل جد مميز مع أبطالها." لافتا في الوقت ذاته إلى أن الكاتب "إياد أبو روك"، نجح في أن يربطنا بالأحداث بواقعتيه وحسه المرهف. ففتح لنا نافذة نطل بها على أحزاننا في بلاد الغربة ومعالجة قضيتنا الأولى بأسلوب ممتع وجميل.