من سيف القدس إلى سيف شيرين
تاريخ النشر : 2022-05-14
بقلم: حمدي فراج 

أما وقد قضت شرين ابو عاقلة عند مذبح الحقيقة عى تراب جنين ، فليس لنا كشعب يخوض معركة تحرره منذ ما يزيد على قرن من الزمان ، الا ان نحفظ دمها فيشكل لبنة أخرى في مدماك نضالنا الطويل والعنيد ، و لنترك جانبا كل ما قيل و يقال عن تشكيل لجان تحقيق مستقلة او مشتركة لمعرفة كيف قتلت او لماذا قتلت ، سرعان ما سيخبو أوارها مع مرور الوقت والايام . 

"اسرائيل" هي المسؤولة عن مقتلها ، لانها هي الدولة المحتلة ، وباقي المسائل مجرد تفاصيل ، و معاقبة جندي او ضابط او فرقة ، بالسجن بضعة اشهر او حتى سنوات ، - الضابط الذي قاد مجزرة دير ياسين حوكم بالتوبيخ والغرامة – لا يغير في طبيعة الاحتلال واعتداءاته اليومية التي يرتكبها ضد ابنائنا شيئا ، بغض النظر عن مهنهم وفئة اعمارهم و جنسهم او حتى جنسياتهم ، ويكفي للقناص الضغط على الزناد ، فقط ان يظهر الفلسطيني في دائرة مجهر بندقيته ، بمعنى "الطايح رايح" . 
 
ونترك أيضا خزعبلات البعض الباهتة الممجوجة الغريبة عن شعبنا وأصالته ، بما في ذلك استغلال دمها لاغراض السياسة الرخيصة ، او نزعات بعض مرضى الدينين ، الاول يغلق باب الجنة في وجهها ، والثاني ينبري للرد على هؤلاء المرضى بتعميم الفايروس الديني بأن الشعب كله مصاب به . 

أن هؤلاء ليسوا أكثر من حمقى الدينين ، الذين تنازعوا مع اصحاب الدين اليهودي ، ثم فيما بينهما ، ثم فيما بين ابناء الدين الواحد (سني شيعي درزي ، ارثذوكسي لاتيني سرياني) ، و لو أمعن هؤلاء واولئك النظر قليلا لاكتشفوا ان من يقف وراء ذلك هي الاجهزة المخابراتية والامنية المعادية التي لربما هي نفسها التي اغتالت شيرين ، وهي نفسها التي تحاول دفع الجريمة عن جنودها ، ثم تخفيف وطأتها بالقتل الخطأ او عن غير ذي عمد . 

وإذا كان للمقاومة في غزة وغرفة عملياتها "سيف القدس" ، فإن لشيرين ابو عاقلة ، سيفها الذي اشهرته من أرض مخيم جنين فروت بدمائها ترابه ، - كيف لمخيم جنين ان لا يحفظ دمها على أرضه - على مبعدة بضعة ايام من ذكرى نكبته الرابعة والسبعين ، ربما لتذكّر القيادة المقتتلة فيما بينها ، بنكبة اللاجئين التي أدارت ظهرها لقضيتهم و مخيماتهم ، فتقول لهم ، ان لا معنى لخلافاتكم قبل ان تحرروا الارض من براثن الوحوش التي تتربص بكم و بكل ما هو فلسطيني على هذه الارض . انه "سيف شيرين"، الذي منذ اللحظة الاولى التي اعلن عن قنصها ، تساءلت ، عمن يكون قد قنص من ، هل الجندي الاحتلالي هو من قنصها ببندقيته ، ام تكون شيرين هي التي قنصته بكامرتها و معه دولته الغاشمة المزيفة ، مقوضة كل أكاذيبه عن تحضره و تمدنه و ديمقراطيته . 

وجاء الاعتراف الاسرائيلي ان شيرين قد هزمت اسرائيل في مصداقيتها و قوضت سمعتها ، لكن الاعتراف الفلسطيني جاء من مواكب التشييع بدءا من جنين ونابلس ، مرورا برام الله والقدس وانتهاء ببيت لحم ، تشييع اجماعي لم يشهده اي فلسطيني مهما كان قدره واثره من قبل . وسيكون لسيف شيرين ما كان لسيف القدس ، ما بعده ليس كما قبله .