لَا أُرِيدُ أَحَدًا إلَّا أَنْتَ
تاريخ النشر : 2022-05-12
بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون

لَا أُرِيدُ أَحَدًا إلَّا أَنْتَ . . .

يَجْلِسُ فِي مَكْتَبِهِ يَنْفُث دُخَان سِيجَارَتَه ، وَهُو يُتَابِع
التَّقَارِير الصحفية الَّتِي تَصِلُهُ وَيُعَلِّقُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ
وَيَطْلُب تَغْيِير عِبَارَة قَبْل النَّشْر ، يَوْمُه مَلِئ بِالنَّشَاطِ
وَالحَيَوِيَّة وَالْعَمَل ، فِنْجانُ القَهْوَة السَّادَة لَا يُفَارِقُهُ
وَكَأَنَّهُ صَدِيقٌ مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَفْتَرِقَا ، رَنِينُ الْهَاتِف
وَصَوْتُ الصَّحَفِيِّين أَشْيَاءَ تَزِيدُ الأجْوَاءَ حَمَاسَةً لإِنْجَاز
الْعَمَلِ وَلَا يَدْرِي أَنَّ الْوَقْتَ بَلْ الزَّمَنَ يَجْرِي وَلَا
يَتَوَقَّفُ ، يُغَادِر فِي وَقْتِ مُتَأخِّرٍ مُنْهَكٌ وَخَائِرُ الْقُوَى
إلَى قَهْوَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ مَكْتَب عَمَلِهِ وَيَجْلِسُ عَلَى طَاوَلَة
وُضِعَتْ عَلَى رَصِيفِ الشَّارِعِ يُرَاقِبُ حَرَكَةَ السَّيَّارَاتِ
وَالمشاةِ وَصَوْت الْبَاعَة والمتجولين ، يَشْرَبُ الأرجيلةَ وَكَأْسَ
اللَّيْمُونِ بالنعْنعِ فَيَشْعُرُ بِرَاحَةٍ تَغمرُه ثُمَّ يَقْفِلُ عَائِدًا
إلَى مَنْزِلِهِ ، الَّذِي أَصْبَحَ بِمَثَابَةِ وَطَنٌ كَبِيرٌ لَهُ يَحْمِلُ
مَعَهُ ذِكْرَيَاته مَعَ رَفِيقِة دَرْبِهِ الَّتِي تَوفَّاها اللَّهُ اثْرَ
حَادِثِ سِيَرٍ صَعُبٍ فَقَدْ كَانَتْ تَقْطَعُ الشَّارِعَ وتفاجئتْ بسيارةٍ
مُسْرِعَةٍ لَمْ تَتَوَقَّفْ إلَّا وَهِيَ عَلَى الرَّصِيفِ الْآخَرِ عَلَى
بُعْدٍ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ، وَرَغَم محاولاتِ الْأَطِبَّاء إنْقَاذَ
حَيَاتِهَا إلَّا أَنَّ رُوحَهَا فَارَقْتهَا وَصعدتْ إلَى بَارِيهَا ،
تَارِكُه حُزْنًا وألماً فِي قَلْبِ مَكلوم لَا يُصَدِّقُ أَنَّهُ فِي
لَحَظَاتٍ قَد فَقَدَهَا ، هِي ذِكْرَيَاتٌ تَعُودُ كُلَّ يَوْمٍ كُلَّمَا
دَخَلَ الْمَنْزِلَ وَلَا يمانعُ عَقْلَهُ وَقَلْبَهُ وَفِكْرَهُ أَنْ يُعِيدَ
شَرِيطَ الذِّكْرَى ، لَقَد رَفَضَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا وَلَمْ
يُفَكِّرْ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ مُحَاوَلَةِ الْأَهْل
وَالْأَصْدِقَاء أَنْ يُزَوِّجُوهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكتَرِثاً
لِأَنّ يُعِيد التَّجْرُبَةَ فَقَدْ كَانَ مُنْذ طُفُولَتِه يراقبها وَكِبَرًا
مَعًا و تَقَدَّمَ لِخطْبتها وَالزَّوَاج مِنْهَا فَهِيَ حُلْم حَيَاتِه
الَّذِي تَحَقَّقَ وَلَكِنَّهَا مَشِيئَةُ اللَّهَ وَقَدَرِهِ الَّذِي لَا
مَفَرَّ مِنْه ، فَقَدْ كَانَ صَوْتُهَا كَترانيمَ تُغَرِّدُ فِي الْوِجْدَانِ
وَعَيْنَاهَا شمعتان تضيئان اللَّيْلِ عَلَى مَقْرِبَةٍ مِنَ الْفَجْرِ
وَلَكِنَّهَا نَجْمَةٌ أَفَلَتْ مِنْ السَّمَاءِ بَعْدَ أَنْ صَافَحْت
الْقَمَرَ ، سٌكُونٌ ايقظهُ مُنَادَاة عَلَى اسْمِهِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ ،
فَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ الحافِلَة لِنَقْلِه إلَى مَكْتَب عَمَلِه ، خَرَجَ
مُسْرِعاً

مَنْ أَنْتِ ؟

لَيْلَى المراسلة الْجَدِيدَة فَقَد تَعَطَّلَتْ الحافِلَةُ وَهَا أَنَا
أَقُوم بِدُور السَّائِق ، لَكِنْ لَا يَهُمُّ أهْلاً بِكَ زُمَيْل الْمِهْنَة
،

لَقَدْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الْحَرَكَة تَتَحَدّثُ بِصَوْتٍ عَالٍ أَشْبَه
بِالصُّرَاخ ، كَأَزِمَّة الْحَيَاة تصطدمُ بِكُلِّ أَفْكَارِها فِي رَأْسِكَ
، نَشيطةٌ فِي عَمَلِهَا وَدَقِيقَةٌ فِي تقاريرها وأكاد أَجْزِم أَنَّهَا
تَتفوقُ عَلَى مَنْ لَهُمْ سَنَوَاتٍ فِي الْمِهْنَة ، وَعِنْد الْغَدَاء
كَانَت تَبْحَثُ عَنْهُ ، لَقَد أَحْضَرَتُ لَك مَعِي وَجْبَة طَعَام وَكُلِّ
يَوْمٍ يُغَادِرُ مَعَهَا لِتُوَصِلَه ، بَعْدَ أَنْ يشربا القَهْوَةَ سَاعَةَ
الْمَسَاء وَفِي يَوْمِ بادرته بِالْكَلَام بِأَنَّهَا تَشْعُرُ بِأَنَّ مَنْ
سَيَكُون رَفِيقُ دربِها قَرِيبٌ مِنْ أَفْكَارِه وَشخصيَّته ، لَكِنْ لَمْ
يُعَقِّبْ وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَمًّا لِمَا تَقُولُه ، وَعَلَى غَيْرِ
الْعَادَةِ لَمْ تَأْتِ صَبَاحًا وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا وَكَأنَّ هُنَاكَ
شَىْء جَمِيل لَا أَثَرَ لَهُ وَبَعْدَ عِدَّة أَيَّام يَذْهَب لِلسُّؤَال
عَنْهَا وَإِذَا هِيَ فِي المشفى ، لَا يَعْلَمُ لِمَاذَا خَفَقَ قَلْبِه
عِنْدَمَا رَأَى اِبْتِسامَتَها ، وَهُو يُتَمْتِمُ مِن تَجْعَلَكَ مِن
أساسياتِ يَوْمِهَا تسْتَحِقُّ أَنْ تَبْنِيَ لَهَا حَدِيقَة وَرْدٍ فِي
قَلْبِك ، فَفِي مَلامِحِ وَجْهِهَا كُلّ الْأَمَان فَوُجُودِهَا يَجْعَلَنِي
بِخَيْر ، فَقَالَتْ لَهُ وَقَدْ قَرَأْت مَا دَارَ فِي قَلْبِهِ أَنْتَ
مَوطِنِي ومدينتي وَأَنَا مَعَك لَا انْتَظَرُ وَلَا احْتَاج وَلَا أُرِيدُ
أَحَدًا إلَّا أَنْتَ . . .
. .