الحلُ يكمنُ في العودةِ إلى الأصول
تاريخ النشر : 2022-05-12
الحلُ يكمنُ في العودةِ إلى الأصول


بقلم: عبد الرحيم جاموس
تمر القضية الفلسطينية بمنعطف تاريخي حاد، ينذر بجملة من المفاجآت والتغيرات التي قد تدفع إلى اعادة النظر بمجمل استراتيجيات التعاطي معها، من مختلف المواقف العربية والدولية من القضية الفلسطينية، ذلك أن حكومات اليمين الصهيوني المتعاقبة والمزدوجة، باتت عازمة على ضم المستوطنات وأراضي الغور وشمال البحر الميت، دون أي اعتبار لكافة المواقف العربية والدولية الرافضة والشاجبة والمستنكرة لمثل هذه الإجراءات من جانب المستعمرة الإسرائيلية، والتي تنظر إلى الأراضي الفلسطينية بأنها جميعها أرض إسرائيل، وأن كافة حروبها كانت من أجل تحريرها، وبالتالي لا تعترف بأي شكل من الأشكال أنها دولة احتلال تحتل أراضي الغير أو أراضي الفلسطينيين، إنما هي (محررة لهذه الأراضي وبالتالي من حقها التوسع والبناء فيها بكل حرية كما من حقها ضمها كلها أو جزء منها كيف تشاء).
هذا الفهم السياسي الإستعماري والنفسي المضطرب لنظرة الكيان الصهيوني لذاته ولأفعاله العدوانية العنصرية والتوسعية من استيطان وضم لأراضي الغير وكذلك فهم وتصرف قادته وداعميه في هذا المجال، من شأنه أن ينهي كل أمل بالتوصل إلى حلول وسط من شأنها أن تؤدي إلى تسوية تكفل الأمن والكرامة والسلام للطرفين في دولتين متجاورتين على إقليم فلسطين، لهذه الأسباب اخفقت الأمم المتحدة سنتي 47/48م من القرن الماضي من تنفيذ قرار التقسيم رقم 181 والذي يقضي بإقامة دولتين فلسطينية ويهودية حيث لم تلتزم العصابات الصهيونية بما خصها به قرار التقسيم. وقد توسعت على حساب الجزء المخصص لقيام الدولة الفلسطينية، كما رفضت تنفيذ القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين لأنها لا تؤمن بحق الفلسطينيين في العيش في (أرض إسرائيل).
في نظر الكيان الصهيوني وقادته اغتصاب فلسطين يعني فقط (أنه قد تم تحرير بقية أرض إسرائيل في عدوان حزيران 1967 م ولا يرى في نفسه أنه محتل لأراضي الغير) فيشرع عمليات الضم والإستيطان والهدم كيف يشاء من جانب واحد ..
ولا يقبل بل ويرفض أن يفسح المجال أمام تنفيذ تسوية حل الدولتين إستنادا إلى الشرعية الدولية وقراراتها التي هي أصلا تمثل ظلما تاريخيا لفلسطين وشعبها.
هنا يطرح السؤال إذا ما العمل ؟!

أمام تطبيق وتنفيذ هذه الرؤية الإحلالية التوسعية العنصرية الصهيونية المدمرة لكافة جهود التسوية القائمة على اساس الحل الوسط والشراكة في إقليم فلسطين، بما يؤدي لإقامة دولتين متجاورتين تعيشان في أمن وسلام هما (فلسطين/وإسرائيل)، في الوقت الذي يعمل الكيان الصهيوني وبشتى الوسائل والأساليب لفرض رؤيته وكيانه (المستعمرة) كيانا وحيدا فوق أرض فلسطين نافيا ونازعا صفة الشراكة له فيها مع أي كيان أو شعب آخر رغم كافة القرارات والمواقف الدولية الرافضة لرؤيته وسياساته، إن إقدام حكومة المستعمرة على تنفيذ ضم كل البعض الأراضي الفلسطينية المحتلة في عدوان حزيران 1967م والتوسع فيها، من شأنه أن يحول دون تحقيق حلم الفلسطينيين في قيام دولة مستقلة لهم وقابلة للعيش بجوارها، إنما هذه الإجراءات تُشرِعُ لإقامة دولة يهودية إحلالية عنصرية واحدة فوق كامل إقليم وأرض فلسطين، ستكون هذه الدولة أسوأ وأقبح من النظام العنصري البائد في جنوب افريقيا، إن الرَّد على هذه المواقف والإجراءات والسياسات، يقتضي التخلص من أحلام حل الدولتين فلسطينيا وعربيا ودوليا .. لأن تلك الإجراءات في حالة تنفيذها لن تبقي مكانا لحل الدولتين، فقد أجهز عليه تماما، ليبدأ النضال من الآن فصاعدا من أجل (نعم للدولة الواحدة ولكن غير العنصرية)،

 الدولة الواحدة الديمقراطية التي يعيش فيها الجميع على اساس من المساواة دون تفرقة على اساس من الدين أو اللون أو الجنس، وأن تقوم العلاقة فيها بين الفرد والدولة على اساس المواطنة فقط، وتعيد جميع المهجرين من اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا أثناء الحروب سنتي 47/48م وسنة 67م إلى ديارهم، مثل هذه الدولة هي فقط التي تؤسس لمصالحة تاريخية تكفل العيش للجميع فيها بأمن وسلام.
الحل يكمن في العودة إلى الأصول ..!
في الأصل كانت فلسطين إحدى الأقاليم المنسلخة عن الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى عام 1918م، وتم إخضاعها للإنتداب البريطاني لتأهيلها للإستقلال شأن غيرها من الأقاليم التي اخضعت للإنتداب، وقد اكتسبَ المهاجرين الأوائل إليها من اليهود جنسيتها في ظل الإنتداب البريطاني، لم يكن هناك شيء اسمه إسرائيل سوى في اذهان المستعمرين والصهاينة، ولكن على أرض الواقع لم يكن في إقليم فلسطين إلا فلسطين، وقد أثبت الواقع أنه لا يمكن أن يكون فوق إقليم فلسطين سوى دولة واحدة، هي دولة فلسطين الديمقراطية، وفيها يمكن استعادة الحقيقة التاريخية والقانونية والسياسية والإجتماعية لإقليم فلسطين، والتي يتحقق فيها العيش الآمن والمشترك للجميع على إختلاف معتقاداتهم دون تمييز لمن يرغب العيش فيها، كمواطنين متساوين جميعا أمام القانون الذي يحكم الجميع، هذا ما سعت وتسعى إليه الحركة الوطنية الفلسطينية قديما وحديثا ممثلة بكافة فصائلها الموحدة في إطار م.ت.ف، بعد أن أثبتت الوقائع على الأرض أن الحلول المرحلية القائمة على تحقيق مبدأ الدولتين بات أمرا مستحيلا.
إقليم فلسطين لا يمكن أن يقام عليه سوى دولة واحدة ديمقراطية تضمن تحقيق الأمن والسلم في فلسطين والمنطقة للجميع وتنهي حالة التوتر والعنف وعدم الإستقرار السائدة، لأن الفلسطينيون ومعهم اشقاؤهم العرب لن يقبلون بدوام ووجود دولة عنصرية دينية يهودية (دولة فصل عنصري) فوق إقليم فلسطين، كما أن دول اوروبا نفسها التي صنعت المستعمرة الصهيونية لا تستطيع الدفاع عن مثل هذه الدولة العنصرية واستمرار تبرير سياساتها وتوفير الغطاء الدولي لها، فكما تخلت سابقا عن صنيعتها الكيان العنصري المقبور في جنوب القارة الإفريقية لابد أن تتخلى أيضا عن دعمها وتأييدها للدولة اليهودية العنصرية (دولة الفصل العنصري) في فلسطين .. لما تمثله من تهديد للسلم والأمن في المنطقة، ولتناقضها مع قيم الحضارة الإنسانية ومفاهيم الدولة الحديثة التي ترسخ قيامها على اساس من المساواة والعدل والحرية، وأن الرابط القانوني بين الدولة والفرد وجميع سكانها وفي أي دولة هو رابط المواطنة وليس أي رابط آخر...

إذا لا مستقبل لأي حل للصراع في فلسطين سوى العودة إلى الأصول وقيام دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة على كامل إقليم فلسطين، يعيش فيها الجميع مواطنين متساوين أمام القانون دون تمييز على اساس من الجنس أو العرق أو الدين.